تمدد الإرهاب نحو السواحل الإفريقية.. تحول استراتيجي ينذر باتساع دائرة العنف في 2026

الثلاثاء 16/ديسمبر/2025 - 01:15 م
طباعة الإرهاب الإرهاب محمود البتاكوشي
 

تتجه خريطة التهديدات الأمنية في غرب أفريقيا نحو تحوّل بالغ الخطورة، مع بروز جبهة إرهابية جديدة تزحف تدريجيًا من عمق الساحل الإفريقي باتجاه الدول الساحلية. هذا التحول لا يعكس مجرد توسع جغرافي عابر، بل يؤشر إلى إعادة تموضع استراتيجي للجماعات المتطرفة، بما ينذر باتساع نطاق عدم الاستقرار الإقليمي خلال عام 2026.
كما تأتي هذه الخلاصة في صدارة نتائج دراسة حديثة صادرة عن منظمة «أكليد» غير الحكومية، المتخصصة في رصد النزاعات المسلحة وضحاياها حول العالم، ضمن تقريرها السنوي المعني بالأزمات المتوقع تصاعدها في العام المقبل، ووفق الدراسة، فإن الجماعات الإرهابية نجحت في ترسيخ ما يمكن وصفه بـ«جبهة جديدة» في المناطق الحدودية بين بنين والنيجر ونيجيريا، وهي مناطق اكتسبت في وقت وجيز أهمية إستراتيجية مضاعفة لكل من التنظيمات الناشطة في الساحل الإفريقي ونظيراتها في نيجيريا.
تصاعد العنف في قلب الساحل
تشير بيانات «أكليد» إلى أن وسط منطقة الساحل شهد خلال العام الماضي تصعيدًا غير مسبوق في وتيرة العنف، حيث سُجّل أكثر من 10 آلاف قتيل في كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر. 
كما يعكس هذا الرقم ليس فقط استمرار النزاع، بل تطوره من حيث الكثافة والانتشار، في ظل عجز الحكومات المحلية عن احتواء الجماعات المسلحة أو كبح تمددها.
وبالتوازي، وسّعت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» المرتبطة بتنظيم القاعدة، إلى جانب تنظيم «داعش في منطقة الساحل»، نطاق عملياتهما ليشمل المناطق الحدودية الشمالية لكل من بنين والنيجر ونيجيريا، هذا التوسع لم يكن شكليًا، بل ترافق مع تعزيز ملموس للوجود الميداني؛ ما حول هذه المناطق إلى مسارح عمليات مفتوحة.
بنين تدخل دائرة الاستهداف المباشر
يعد شمال بنين المثال الأوضح على هذا التحول الخطير. فالمنطقة، المتاخمة لبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا، شهدت أكثر أعوامها دموية على الإطلاق، مع ارتفاع عدد القتلى بنحو 70% مقارنة بالأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2024. 
وتجلى هذا التدهور الأمني بوضوح في الهجوم الذي وقع في أبريل الماضي داخل متنزه دبليو الوطني، وأسفر عن مقتل أكثر من 50 جنديًا، في رسالة مباشرة تؤكد انتقال الجماعات الإرهابية من سياسة التسلل إلى إستراتيجية المواجهة المكشوفة.
وتشير المعطيات إلى أن هذه العمليات العابرة للحدود تنطلق أساسًا من شرق بوركينا فاسو؛ ما يعكس استمرار قدرة التنظيمات المسلحة على استغلال هشاشة الحدود وضعف التنسيق الأمني الإقليمي.
«مثلث الموت» يتسع خارج حدوده التقليدية
تلفت «أكليد» كذلك إلى تطور بالغ الدلالة يتمثل في تمدد النشاط الإرهابي خارج نطاق «مثلث الموت» التقليدي، ليشمل غرب نيجيريا، و«مثلث الموت» هو المصطلح الذي يطلق على المنطقة الحدودية المشتركة بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، والتي شكّلت لسنوات طويلة القاعدة الخلفية الرئيسية للتنظيمات الإرهابية.
هذا الامتداد الجديد يعني عمليًا أن ساحات الصراع، التي كانت حتى وقت قريب منفصلة نسبيًا بين الساحل ونيجيريا، باتت تتداخل بشكل متزايد، مشكلةً حزام عنف متصل يمتد من شمال مالي وصولًا إلى غرب نيجيريا، وبهذا، تتحول المنطقة الحدودية الثلاثية إلى بؤرة صراع مركزية، لا تقتصر تداعياتها على دولها المباشرة، بل تهدد استقرار غرب أفريقيا بأكمله.
تكثيف الأساليب وتنوع أدوات العنف
ورغم أن الخسائر البشرية في عام 2025 جاءت بمستويات تقارب تلك المسجلة في 2024، إلا أن اللافت، بحسب «أكليد»، هو التطور النوعي في الأساليب العملياتية، ففي مالي، أدت الهجمات المتكررة على قوافل الوقود منذ سبتمبر الماضي إلى فرض نوع من الحصار الاقتصادي غير المعلن؛ ما أسهم في تفجير موجات عنف غير مسبوقة في مناطق كايس وسيكاسو وسيغو، بلغت ذروتها الأعلى منذ بدء الرصد الإحصائي عام 1997.
وفي سياق متصل، كثّفت الجماعات الإرهابية حملات الخطف، لا سيما بحق الأجانب، كأداة مزدوجة للتمويل والضغط السياسي، وخلال عام 2025 وحده، سجلت 22 عملية خطف في مالي و8 عمليات في النيجر، في مؤشر واضح على تحول الخطف إلى ركيزة أساسية في الاستراتيجية الإرهابية.

شارك