حرق "الكساسبة".. مستقبل السلفية الجهادية بالأردن على المحك
الخميس 05/فبراير/2015 - 04:01 م
طباعة

جاء المشهد البشع بحرق تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" للطيار الأردني معاذ الكساسبة، ليفتح تساؤلات حول مستقبل تيار السلفية الجهادية في المملكة التي يوجد بها عدد كبير من معتنقي الفكر السلفي الجهادي، وتمثل شريحة لا بأس بها في الجماعات المقاتلة في سوريا خاصة تنظيم الدولة وجبهة النصرة "فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام".
فيديو "الكساسبة"

جاء فيديو حرق "الكساسبة" ليهدد التعاطف الموجود في الصفوف الأردنية تجاه السلفية الجهادية، وينهي وجود منفذ لتنظيم الدولة في المملكة الهاشمية، ويكون موقفا داعما لعاهل الأردن الملك عبدالله الثاني، وهو ما يؤشر على أن تيار السلفية الجهادية بالأردن يواجه أزمة كبيرة قد تتعلق بوجوده كتيار قوي في البيئة السياسية والإسلامية الأردنية.
القيادي البارز في التيار الجهادي الأردني محمد الشلبي المعروف بـ"أبو سياف"، كان له موقف في حالة تجميل صورة منتسبي السلفية الجهادية في ظل حالة الغضب الشعبي والإعلامي ضد "داعش"؛ حيث قال في تصريحات صحفية له: إن "الطريقة التي أعدم بها الكساسبة، ونشر تسجيلات تبين مقتله، أمر مخالف لتعاليم الدين الحنيف".
ووصف القيادي السلفي الفيديو بـ"همجية"، للطريقة التي نفذت فيها "داعش" عملية إعدام الطيار الكساسبة، ولكن الرجل لم يعلن موقفه الواضح من قتل الأسير، ولم يستبعد التيار الجهادي في الأردن حصول عمليات انتقام واسعة بحق عناصر التنظيم ممن هم داخل السجون أو خارجها في المحافظات، لا سيما في السلط ومعان، حيث يتركز وجود عناصر التيار الجهادي في المملكة، مع تأكيد التيار على أن الأجهزة الأمنية قامت خلال الفترة القريبة الماضية بحملة اعتقالات واسعة في صفوف التنظيم.
الشارع ضد "داعش"

الصدمة وصلت إلى كل الأردنيين، الذين عبر الكثيرون منهم عن غضبهم الشديد ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فبشاعة عملية الحرق ستؤدي بحسب مراقبين إلى زيادة الإجراءات التي ستقوم بها الحكومة الأردنية ضد الإسلاميين الأردنيين، لا سيما الجهاديين منهم، وهو ما يعد مؤشرا للدخول في حلقة مفرغة من الفعل ورد الفعل بين الحكومة والإسلاميين.
ودعت قوى سياسية وحزبية ونقابية ومؤسسات مجتمع مدني المواطنين إلى المشاركة في مسيرة حاشدة تنوي تنظيمها بعد صلاة غد الجمعة من أمام المسجد الحسيني الكبير إلى ساحة النخيل، من أجل إبراز وحدة صف الأردنيين جميعهم خلف قيادتهم الهاشمية استنكارا للجريمة البشعة التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي بحق النقيب الطيار الشهيد معاذ الكساسبة، وكذلك إظهار وحدة الصف في دعم قواتنا المسلحة الأردنية- الجيش العربي، والأجهزة الأمنية في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي ومحاربته بكل الوسائل.
وقال النائب الأسبق عن الزرقاء محمد طه أرسلان: إن اعدام الشهيد الكساسبة جريمة ليست بحق الأردنيين فحسب بل بحق الإنسانية، مؤكدا أنها كشفت عن مدى وحشية وقذارة هذا التنظيم.
وأضاف أرسلان أن الوحشية والحماقة التي أقدم عليها هذا التنظيم كان المقصود منها إرهاب الأردنيين ومحاولة تفتيت البنية التلاحمية، لكن وقع الرسالة جاء معاكسا لما أراده التنظيم، مضيفا أن أصوات الأردنيين الغاضبة يمكن سماعها بوضوح شديد في أي مكان وتتلخص بأن يكون للأردن دور محوري أكبر في مواجهة الإرهاب، وعلى الصعيد المحلي تجفيف منابع الفكر المتطرف والقضاء عليه تماما.
وأضاف أن الجريمة خلقت نوعا من الصحوة بضرورة الرجوع إلى الدين الحنيف وما عبرت عنه "رسالة عمان" التي أطلقها القائد الملك عبد الله الثاني في ليلة القدر المباركة في العام 2004 وغايتها توضيح الطبيعة الحقيقية للإسلام وطبيعة الإسلام الحقيقي.
ويتوقع مراقبون أن الرد الأمني سيجد صدى له في الشارع، الذي سيدعم الإجراءات العنيفة ضد المعارضة أو ضد الإسلاميين بشكل عام.
حرب بلا هوادة

ووفقاً لعناصر من السلفية الجهادية فإن التيار ربما يدفع ثمناً باهظاً نتيجة إعدام الكساسبة، خاصة وأن محاولات قيادات في السلفية الجهادية لإرسال مقاتلين إلى جانب صفوف الدولة الإسلامية لم تنته بعد؛ وكثيراً ما قامت الأجهزة الأمنية باعتقالهم على الحدود السورية الأردنية أو أثناء عودتهم من القتال في سورية وصدرت بحقهم أحكام بالسجن وصل بعضها إلى السجن لمدد تتراوح بين 5-7 سنوات.
ورأى الوزير الأردني السابق شرار الشخانبة، ضرورة إعطاء الحكومة وأجهزتها الأمنية حرية التعامل مع مثل هذه القضايا التي تسيء فعليا للقيم الإنسانية والأديان السماوية، معتبرا أن محاربة الإرهاب "عمل مقدس"، لقطع دابر الفوضى والخراب الذي تشهده البلدان المحيطة كالعراق وسورية.
وكان العاهل الأردني عبد الله الثاني قد توعد تنظيم الدولة بحرب لا هوادة فيها أثناء اجتماعه بكبار المسئولين والعسكريين والمدنيين، مؤكداً أن دماء الطيار معاذ الكساسبة لن تذهب هدراً، وأن رد الأردن وجيشه على ما تعرض له الكساسبة سيكون قاسياً.
السلفية الجهادية

شهد التيار السلفي الجهادي الأردني، ازديادا في أعداد أنصار "داعش"، حيث يقدر بعض المختصين أنهم "باتوا يشكلون الأغلبية في التيار في الأردن"، وذلك بعد أن أصبح لهم كيان في العراق وسورية، ونتيجة لهوية الحرب التي تقودها تنظيم "الدولة الإسلامية"، فيما أكد مراقبون أن عدد التيار السلفي لا يتجاوز سبعة آلاف، معظمهم أنصار "داعش".
ويرى خبراء في الحركات السلفية أنه كان هناك ازدياد كبير جدا في عدد أنصار "داعش"، وأصبح هناك تعاطف كبير معها من معظم منتسبي التيار السلفي "الجهادي"، وتحديدا في معاقله بالزرقاء والرصيفة والسلط ومعان، والأخيرة شهدت مظاهرات متكررة مؤيدة لتنظيم الدولة كان آخرها في منتصف يناير الماضي، أي قبل حوالي ثلاثة أسابيع من فيديو حرق "الكساسبة". لكن لا يبدو أن المؤيدين لتنظيم داعش سيواصلون تعاطفهم، كما أنهم لن يستطيعوا بأي حال إبراز ذلك التعاطف وسط الأردنيين الذين يصرح الكثيرون منهم على مواقع التواصل الاجتماعي بأن ما أحدثه قتل معاذ سيظل جرحا لن يندمل قريبا.
ويرى الخبراء أن الذين أصبحوا من أنصار "داعش" كانوا عبارة عن خلايا نائمة، وهم أصلا من مدرسة الزرقاوي، التي تفضل القتال وإراقة الدماء، بعيدا عن الدعوة، مشيرا إلى أن سبب زيادة أعداد أنصار "داعش" يعود لظهور كيان لها بعد إعلان "دولة الخلافة" بقيادة أبو بكر البغدادي في العراق.
وسبق أن شن الأمن الأردني حملة اعتقالات طالت جميع المناطق ذات الأغلبية السلفية، وأسفر عنها اعتقال نحو 150 إلى 170 شخصا. وأصدرت محكمة أمن الدولة بالأردن حكما بالسجن لمدة 3 سنوات على منصور حمدين، ووسيم أبو عياش "أعضاء بالسلفية الجهادية" بتهم تتعلق بانضمامهما إلى تنظيم داعش، واستخدام الإنترنت للترويج لأيديولوجية راديكالية إرهابية.
المشهد الأردني

فيما يبدو أن أصحاب التيار الجهادي يشهدون أسوأ أيام حياتهم في الأردن مع تراجع شعبيتهم في الشارع الأردني، في ظل الجرائم البشعة التي تفعلها "داعش" ضد أبناء الأردن والمسلمين، وهو ما يُسقط أي دور للسلفية في الشارع وتخسر المكتسبات التاريخية التي حصلت عليها في خلال السنوات الماضة، وخاصة عقب اندلاع الصراع المسلح في سوريا ودعم هذا التيار للجماعات والفصائل المقاتلة خاصة تنظيم جبهة "النصرة" وعدد لا بأس به في تنظيم "داعش".
القيادة السياسية والأمنية في الأردن أصبحت الآن لديها دعم شعبي قوي في الشارع لتنفيذ إجراءات رادعة؛ من أجل الحفاظ على الأمن القومي الأردني ومواجهة أي جماعات جهادية تهدده وتُسهم وتتعاطف مع تنظيم الدولة أو الجهاديين في سوريا والعراق... فهل أوشكت أيام التيار السلفي الجهادي على الرحيل في الأردن؟
وهل سيكتفي تنظيم الدولة داعش بحرق الكساسبة أم أنه ينوي نقل رده بعمليات إرهابية في الداخل الأردني؟ هذا ما ستوضحه الأيام المقبلة.