إقليم بلوشستان... هل تضرب "داعش" إيران من الخلف؟
السبت 15/نوفمبر/2014 - 02:20 م
طباعة
بدأ القلق يساور الإيرانيين من تسرب أعداد كبيرة من تنظيم الدولة السلامية «داعش»، عقب الضربات العسكرية، إلى إيران، ومع اتساع مبايعات الجماعات المسلحة والإرهابية في عدد من الدول المختلفة.
مخاوف إيرانية
مع تنامي "داعش" في منطقة الشرق الأوسط، ووسط مخاوف من وصول هذه التنظيمات إلى إيران، حذر النائب عن محافظة زاهدان ذات الأغلبية السنية الواقعة جنوب شرق إيران، حسين علي شهرياري من سقوط الإقليم بيد تنظيم "داعش"، كما سقطت محافظة الموصل العراقية.
وقال النائب شهرياري، الذي كان يتحدث خلال جلسة مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، عن الوضع الأمني في الإقليم، وبَيَّنَ أن: "الوضع غير مستقر وهناك خوف من سقوط إقليم سيستان وبلوشستان بيد الجماعات التكفيرية المتشددة".
ونقلت وسائل إعلام إيرانية رسمية عن النائب حسين علي شهرياري أنه تطرق إلى الاشتباكات التي اندلعت مؤخرا بين تنظم جيش العدل البلوشي المعارض وقوات الأمن، والتي أدت إلى مصرع عدد من قوات حرس الحدود بينهم ضباط كبار من الحرس الثوري الإيراني
لماذا إقليم سيستان وبلوشستان؟
تعتبر منطقة سيستان وبلوشستان من أكثر مناطق الصراعات الداخلية في إيران، وهناك العديد من الحركات السياسية السلمية أو المسلحة المعارضة للنظام الإيراني، وتدافع من أجل الحصول على حقوقها، هذا الصراع يأتي على واقع سيئ للمنطقة المحرومة من أغلب الخدمات الإنسانية، كما تعاني من التهميش من قبل الحكومة في طهران.
فـ"سيستان وبلوشستان" هي المحافظة الثالثة من حيث كبر مساحتها، والتي تمتد على 181600 كيلو متر مربع من الأراضي الإيرانية، والحاضنة لـ3.1 مليون نسمة، وتعاني بالفعل من إجحاف على غرار مناطق الأطراف التي تتراجع التنمية فيها لمصلحة محافظات المركز، والسلطات الإيرانية دائما تتذرّع بالتهريب، والمتمردون يعزفون على وتر المذهبيّة والقومية، ولعلّها قنبلة موقوتة، تلك المحافظة الحدودية الواقعة على مثلث تهريب المخدرات بين إيران وأفغانستان وباكستان.
ويعتبر 99% من أهالي إقليم سيستان وبلوشستان هم من المسلمين السنة، وينتمون إلى عرق "البلوش"، ولكن ومنذ 1980 كانت هناك محاولات ممنهجة من قبل الحكومة الدينية في إيران لدفع البلوش وإجبارهم على التشيع.
وفي محافظة "سيستان وبلوشستان" يختلط الصراع القومي بمكافحة الجريمة وتهريب الممنوعات ومحاربة التجسّس وتُهم التآمر مع الغرب ضد النظام الإيراني، تُهمٌ تخفي وراءها صراعاً ذا طابع "اثني- مذهبي"، يتقاطع مع حرمان خدماتي، استطاعت المعارضة ذات الغالبية السنيّة توظيفه في صراعها مع سلطة شيعيّة تعتبر كل من يخالف ولاية الفقيه من خارج الملّة.
الأمر الذي أدى إلى ظهور العديد من التنظيمات المسلحة ضد الدولة الإيرانية في سيستان وبلوشستان، وفي مقدمتها تنظيم "جند الله" وتنظيم "أنصار الله"، وتنظيم "جيش العدل البلوشي"، ويعتبر "جيش العدل" من التنظيمات المسلحة الشرسة التي تسبب إزعاجا للسلطات والأجهزة الأمنية الإيرانية؛ نظرا لما يقوم به من عمليات خطف واغتيال الجنود والمسئولين الإيرانيين، وكان آخرها اختطاف 5 جنود من قوات حرس الحدود الإيراني، والتي أفرج عنهم عقب توسط مشايخ وعلماء السنة في بلوشستان وباكستان.
لذلك يعد إقليم سيستان وبلوشستان الذي يقع على الحدود إلى جانب باكستان وأفغانستان مسرحا لعمليات عسكرية خلال الشهر الماضي شهد سقوط قتلى بين الأمن الإيراني وجماعة جيش العدل، الذي يتخذ من أراضي باكستان منطلقا لشن هجومه، وهو ما أثار مشكلة دبلوماسية بين طهران وإسلام آباد.
أهم الجماعات المسلحة في إقليم سيستان بلوشستان
هنا العديد من الحركات والجماعات والتنظيمات الجهادية في إقليم سيستان وبلوشستان، وجميعها ترفع شعار التحرر ودفع الظلم عن حكومة طهران الشيعة، والتي تظلم أهل السنة في الإقليم وهي نفس الأسباب التي أدت إلى تمدد "داعش" في العراق نتيجة لسياسية رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الطائفية والمتحيزة للشيعة.
حركة جند الله
حركة جند الله، واحدة من أكثر جماعات العنف المسلح غموضًا، فهي تنشط في مثلث ساخن يربط الحدود الإيرانية الباكستانية الأفغانية، ويربطها البعض بـ"القاعدة"، بينما يتهمها آخرون بأنها مجرد مخلب استخباراتي موجه ضد حكام طهران.
تأسست جماعة "جند الله" على يد عبد المالك ريجي في العام 2002، الذي ينتمي إلى قبيلة "ريجي"، إحدى أكبر القبائل البلوشية، وهو أحد خمسة أشقاء، أحدهم معتقل حالياً في سجون طهران، بينما قتل الثالث في عملية تفجير بسيارة مفخخة، وله شقيق آخر يقال إنه المنظر الحقيقي لجماعة "جند الله"؛ لأن ريجي مجرّد القائد الميداني للتنظيم.. وأما الشقيق الخامس فهو الذي يعود تاريخ مقتله إلى 2002، بداية الشرارة الأولى للمواجهات، التي انطلقت ضد السلطات الإيرانية في إقليم "سيستان وبلوشستان"، عندما قتله عناصر الحرس الثوري أمام عيني شقيقه عبد المالك، الشاب الذي لم يتجاوز عمره آنذاك 23 عاماً، فجمع عدداً من رفاقه للقيام بعمليات مسلّحة ضد القوات الحكومية؛ حتى ترفع يدها عن سكان الإقليم الذي يقطنه السُّنّة جنوب شرق إيران، ومنها تحوّل هذا الشاب إلى أكبر مناهض لنظام طهران.
وتعد جماعة "جند الله" تنظيما إسلاميا سنيا سلفيا، ذات ميول متطرفة، وتمتاز بروابطها المتشعبة مع نظيراتها من الحركات الأصولية السنيّة في أفغانستان وباكستان، ذات نفس الميول والتوجهات السنيّة السلفية المتشدّدة، وهي تنظيم يقبل ويعتمد الأعضاء على أساس الاعتبارات الاثنية– العرقية، ومظلة التنظيم الشعبوية في الداخل الإيراني هم من السكّان المحليين، من البلوش السنّة وهم أغلبية محافظة سيستان وبلوشستان- الإيرانية، في جنوب شرق إيران، ويرفع التنظيم شعار الدفاع عن أهل السنة في إيران كلها و"حماية علمائنا ومساجدنا ردًّا على المظالم التي نتعرض لها من قبل السلطة الحاكمة في إيران".
جيش العدل البلوشي
في 20 يونيو 2010 نفذت السلطات الإيرانية حكم الإعدام شنقا في عبد المالك ريجي، زعيم جماعة "جند الله" السنية المتمردة، فتعهد رفقاؤه- وفي مقدمتهم شقيقه عبد الرءوف ريجي وعبد الرحیم ملازاده- على مواصلة نضالهم المسلح ضد السلطات الإيرانية؛ من أجل الحصول على حقوق البلوش وأهل السنة في إيران، وتم إعلان "ملازاده" أميرا لجماعة جند الله، ثم بعدها بعدة شهور أعلن "ملازاده" و"ريجي" تأسيس جيش العدل عبر توحيد الفصائل والحركات المسلحة التي تخوض حربا ضد السلطات الإيرانية.
تمت مبايعة "ملازاده" أميرا لجيش العدل في نهاية عام 2012، وتسميه التقارير الأمنية الرسمية "عبد المالك ريجي الثاني"، في إشارة إلى زعيم حركة "جند الله" الذي أعدم في 2010 من قبل الحكومة الإيرانية.
يتشكل "جيش العدل" من 3 كتائب تحمل أسماء 3 من عناصر الجماعة الذين قتلوا في مواجهات عسكرية مع قوات النظام، أو أعدموا من قبل النظام في السجن، وهم: عبد الملك ملازاده، نعمت الله توحيدي، والشيخ ضيائي، بالإضافة إلى كتيبة أمنية تقوم بمهام الرصد والاطلاع.
وتقوم قيادات "جيش العدل" بتجنيد وتدريب الصبية فكريًّا وعسكريًّا في المدن والقرى التي يقطنها البلوش؛ من أجل دعم الفكر المسلح للوصول إلى أهدافهم.
ويعتبر جيش العدل حركة جهادية سنية في بلوشستان الإيرانية يتزعمها عبد الرءوف ريجي الذي قد حل محل شقيقه الأكبر عبد المالك ريجي الأمير السابق لحركة (جند الله) المعارضة لطهران، وقد قبضت عليه وحاكمته لجرائمه الكثيرة ضد عدد كبير من المواطنين العزل، وتم تنفيذ حكم الإعدام بحقه بتاريخ 20 يونيو 2010.
وهدأت عمليات الحركة بعد إعدام ريغي، وحسب بعض المحللين فقد انتهت الحركة، إلا أنَّ بزوغ حركة جيش العدل في 2013 اعتُبِر امتدادًا لحركة جند الله السنية.
حركة "الأنصار" الإيرانية
حركة الأنصار الإيرانية تعد من الحركات المسلحة السنية في بلوشستان، وتعمل ضد السلطات الإيرانية التي تعتبر حكومة طهران حكومة طاغية، ومضطهدة لحقوق أهل السنة ببلوشستان وسائر الأراضي الإيرانية.
ويرتبط أبو حفص البلوشي، المتحدث الرسمي باسم حركة اﻷنصار بعلاقات قوية مع عبد الرءوف ريجي المتحدث الإعلامي لجيش العدل، حيث كان الاثنان من قادة جند الله التي أسسها عبد المالك ريجي، وهناك تعاون معلوماتي ولوجستي بين حركة الأنصار وجيش العدل.
وأبو حفص البلوشي كانت لديه مجموعة خاصة قام بتدريبها في جبال قبيلته ذات الطبيعة الوعرة لمدة أربع سنوات، في بادرة لم يسبقه إليها أحد، حيث تمركز داخل إيران لسنوات، وتعرض للقصف الجوي العشوائي من القوات الإيرانية؛ لعجزها عن دخول تلك الأراضي بسبب وعورتها.
واكتسبت "جيش العدل" من أبي حفص البلوشي الخبرات العسكرية في مواجهتها للسلطات الإيرانية، بالإضافة إلى إرسال مقاتلين من جيش العدل إلى حركة الأنصار للتدريب بمعسكراتها.
أنصار الفرقان الجهادية
وهي أقرب الحركات بإقليم بلوشستنان لأفكار تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بل ربما تكون أولى الحركات التي قد تبايع "البغدادي" في بلاد فارس، وهي تسعي ﻹسقاط النظام الإيراني وتحكيم الشريعة.
وفي ديسمبر 2013 اندمجت حركة الأنصار مع تنظيم "أنصار الفرقان" السني بالإقليم؛ من أجل الجهاد في سبيل الله ﻹسقاط النظام اﻹيراني، وإعلاء كلمة الله، ورفع الظلم، ونصرة المستضعفين، وإقامة شريعة رب العالمين، وليكون جهادنا لبنة لعودة الخلافة التي بشرنا بعودتها نبينا اﻷمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وفقا لبيان للحركة في 5 ديسمبر 2013.
جيش النصر البلوشي
إحدى التنظيمات المسلحة التي تأسست مؤخرا، وتشن العشرات من العمليات ضد الحرس الثوري الإيراني، وفي 9 نوفمبر الماضي استهداف دورية عسكرية تابعة لقوات الاحتلال الإيرانية في قرية مير جاوه، بمنطقة ريك ملك، بلوشستان يوم الجمعة ٧-١١-٢٠١٤. وجيش النصر البلوشي تبنى مسئولية الهجوم.
المشهد الآن
توضح الأوضاع أن إقليم سيستان وبلوشستان يعاني من تهميش من قبل حكومات آيات الله في طهران، واستمرار سياسية إيران باتجاه إقليم بلوشستان سوف يضعها أمام أزمة كبيرة قد تنفجر في أي لحظة، وتؤدي إلى أزمة سياسية ووطنية للدولة الإيرانية، فهل التحذير الذي أطلقه النائب الإيراني عن بلوشستان حسين علي شهرياري بسقوط الإقليم بيد تنظيم "داعش"، كما سقطت محافظة الموصل العراقية، ينقذ الإقليم وإيران منار "داعش" أم أن الأمور ستنفجر بالإقليم ونرى تنظيما يبايع "داعش" ويواجه الدولة الإيرانية في عقر دارها؟