"داعش" والنهضة.. والانتخابات التونسية
الخميس 18/ديسمبر/2014 - 11:44 م
طباعة
"داعش" والنهضة.. والانتخابات التونسية
رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة
أعلن رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة أمس، أن بلاده لن تسمح للمجموعات «الإرهابية» بالتمدد والانتشار فيها، فيما احتدمت المنافسة في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية المتوقع إجراؤها الأحد المقبل، بين الرئيس المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي ورئيس حزب "نداء تونس" الباجي قائد السبسي عشية بدء تصويت التونسيين في الخارج.
وشدد جمعة أثناء افتتاحه المركز الأمني والقضائي لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة مساء الثلاثاء الماضي، على أن "لا مكان للإرهابيين في تونس لا اليوم ولا غداً ولن يُسمح لهم بالتمدد"، معتبراً أن "إنشاء المركز سيسمح بصياغة تصور شامل لمكافحة الإرهاب"
الحملة الانتخابية
في سياق موازٍ، تواصلت الحملة الانتخابية للدورة الرئاسية الثانية التي تشهد تنافساً محموماً بين المرشحَين، إذ نشر المرزوقي ملفه الطبي على موقعه الرسمي، حيث أكد التقرير الذي أعده المستشفى العسكري التونسي أن الأخير يملك «كل المؤهلات البدنية والعقلية لممارسة نشاطاته في منصب رئاسة الجمهورية وانه لا توجد أي عوارض مرضية تمنعه من أداء واجبه".
واعتبر مراقبون أن نشر المرزوقي (69 سنة) ملفه الطبي يشكّل رسالة إلى منافسه الباجي قائد السبسي البالغ من العمر 88 سنة، والذي واجه انتقادات شديدة بسبب تقدمه في السن، ما طرح تساؤلات حول قدرته على أداء مهام رئاسة الجمهورية طيلة السنوات الخمس المقبلة.
يُذكر أن الأسبوع الأخير للحملة الانتخابية شهد نشاطاً كبيراً من جانب حملة المرزوقي، الذي كثف من جولاته الميدانية على المحافظات الداخلية وتمكن من حشد دعم عدد من الناشطين اليساريين البارزين في البلاد، مقلصاً الفارق بينه وبين منافسه في نوايا التصويت.
الغنوشي والانتخابات
راشد الغنوش
من جهة أخرى، قال زعيم حركة «النهضة» الإسلامية راشد الغنوشي، في حوار تلفزيوني مساء أمس، إن «الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي يصلحان لرئاسة تونس»، مؤكداً أنه لا خوف من العودة إلى نظام الاستبداد.
واعتبر الغنوشي أن «نداء تونس» فشل في استقطاب أصوات جماهير «النهضة»، في حين «نجح المرزوقي في استمالتها من خلال خطابه»، مؤكداً التزام الحركة الحياد، وأن بإمكان المرشحَين مخاطبة أنصارهما ومحاولة إقناعهم بالتصويت لأحدهما.
تبني داعش اغتيال بلعيد وبراهيمي
ابوبكر الحكيم
على صعيد آخر قد نشر فيديو مساء أمس، اعترف فيه الارهابي الخطير أبو بكر الحكيم قاتل الشهيد محمد الإبراهمي وعدد من القيادات الارهابية التونسية التابعة للتنظيم الارهابي «داعش»، بأنهم كانوا وراء عمليتي اغتيال شكري بلعيد والإبراهمي .
وهددت القيادات الإرهابية التونسية وعددهم اربعة عناصر، الشعب التونسي بأنهم قادمون من سوريا والعراق للانتقام لكل الإرهابيين الذين قتلوا في مواجهات مع قوات الأمن، مؤكدين أنهم لن يسمحوا بإنجاح الانتخابات، واصفين إياها بالكفر قائلين «سنمتد الى تونس عن قريب»، ومن جهة أخرى هدد أيضا إرهابيو داعش ومن بينهم ابو بكر الحكيم، قوات الأمن والجيش بالانتقام منهم ومواصلة الحرب ضدهم .
من جهة أخرى، أكد مصدر أمني مسئول بوزارة الداخلية «للشروق»، أن قوات الأمن بالتعاون مع عناصر الجيش الوطني اتخذوا كل الإجراءات اللازمة ضد هذه الجماعات الإرهابية المنتشرة في تونس، مؤكدًا في هذا السياق أن تهديدات الإرهابيين لن تخيفهم، وأنهم مستعدون للموت في سبيل الوطن وهدفهم هو القضاء على كل الإرهابيين واقتلاعهم من جذورهم.
و شكري بِلعيد (26 نوفمبر 1964 - 6 فبراير 2013)، سياسي ومحامٍ تونسي. وهو عضو سابق في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي والأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد. وأحد مؤسسي تيار الجبهة الشعبية وعضو مجلس الأمناء فيها. كان من أشدّ المنتقدين لآداء الحكومة الإئتلافية في تونس. وهو يتبع التيار الماركسي اللينيني. اُغتيل أمام منزله من قبل مجهولين، الأمر الذي اتبعه مظاهرات عارمة بالبلاد وإعلان الاتحاد العام التونسي للشغل عن الدخول في إضراب عام.
و محمد براهمي (15 مايو 1955 - 25 يوليو 2013) هو سياسي تونسي وعضو المجلس الوطني التأسيسي عن حزب التيار الشعبي والمنسق العام للحزب والأمين العام السابق لحزب حركة الشعب وينتمي للتيار الناصري، وعُرف بمعارضته الشرسة لحركة النهضة، اُغتيل في 25 يوليو 2013 بأربع عشرة طلقة نارية أمام منزله من قبل بوبكر الحكيم ولطفي الزين.
والسؤال الذي يطرح نفسه بشكل قوي الآن لماذا الأن ينتشر هذا الفيديو الذي يؤكد تورط داعش في قتل اثنين من اشد المعارضين لنهضة الغنوشي؟ وفي المقابل اشارة الغنوشي بتأييد النهضة التونسية للمرزوقي، هل يعد هذا تهديدا لحزب نداء تونس وقائده الباجي للنزول عن خوض الانتخابات ؟ أم أن داعش والنهضة تربطهما علاقات قوية لدرجة ايقاف العملية الانتخابية لو صعدت مؤشرات الباجي على حساب المرزوقي المرضي عنه من قبلهم؟
النهضة وعلاقتها بداعش
تداولت مواقع إخبارية تونسية، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي، في اكتوبر الماضي خبراً جاء في جريدة "الشاهد" الكويتية، ورد فيه "أن سلطات بلادها قد ألقت القبض على 3 شخصيات كويتية متورطة في دعم تنظيم "داعش" بالأموال عبر تحويلها إلى "ر.غ"، القيادي الكبير في حزب النهضة التونسي الإخواني، قاصدة راشد الغنوشي".
ونقلت الصحيفة أن "الجماعات الكويتية المتورطة في دعم التنظيم قررت نقل نشاطها التمويلي والعسكري من تركيا إلى تونس، بعد أن عقدت اتفاقاً مع عدد من القيادات الإسلامية هناك، وعلى رأسهم زعيم الإخوان في تونس". وقد حاول حزب النهضة نفي هذه الاخبار مرارا ولكن دون اتخاذ موقف مادي لنفيها، مما يؤكد على عدم مصداقيته. وما يؤكد ارتباط النهضة بداعش ما جاء في حوار مع الغنوشي في جريدة الصباح نيوز في الاثنين 29 سبتمبر 2014 حيث قال: نحن نرفض التدخلات العسكرية الأجنبية مهما كانت الأسباب، ونحن مع احترام سيادة الدول والشعوب، وموقف الدولة التونسية في هذا الإطار كان واضحاً ومشرفاً بعد رفض المشاركة في تدخل التحالف الدولي في العراق وسوريا تحت غطاء محاربة ما يسمى «داعش» أو الإرهاب. وأضاف قبل البحث عن محاربة الإرهاب أو «داعش»، تجب محاربة مسببات ظهور هذه التنظيمات، فالنظام السوري عاث في سوريا فساداً وأتى على الأخضر واليابس، مع تكميم الأفواه والتضييق على الحريات وممارسات الاستبداد والديكتاتورية ضد شعبه، هذه الممارسات هي التي أدت إلى ظهور الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا.
وفي العراق حصلت التجاوزات التي لا تغتفر بحق السنّة من طرف مختلف الحكومات العراقية المتعاقبة، لقد عاش السنّة في العراق كل أنواع التصفية والتضييق، ما أسهم في تغذية الحقد وهيّأ المناخ لظهور ما يسمى بـ"تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، الذي بات يرى أنه وحده يدافع عن الإسلام السني.
فالغنوشي وحزبه دوما ما يبحثون عن مبرر لوجود الإرهاب، تارة ببعد المواطنين عن الدين وانحرافاتهم الأخلاقية على حد قولهم، حيث ان الشعوب دائمًا في نظرهم متهمة بالبعد عن الدين، وتارة يلقون باللوم على الأنظمة المستبدة، كل هذا في سبيل السيطرة على مقاليد الحكم والسلطة بغض النظر عن الدماء التي تُراق من أجل اقتناص السلطة.
سيناريوهات المستقبل
الباجي قائد السبسي
ويري الخبراء أن ما كشف عنه جهاديون يتبعون التنظيم الارهابي، ياتى عكس رغبة راشد الغنوشي مؤسس حركة النهضة، والذى حاول في تصريحات صحفية لقناة نسمة وكذلك اذاعة موزاييك أن يبرر تصويت قطاع عريض من الحركة للمرزوقي على حساب السبسي، إلا ان الكشف عن اغتيال المعارضين البارزين منق بل داعش، سيعمل على تقليل احتمالات حصول المرزوقي على مزيد من الأصوات للحفاظ على الكرسي الرئاسي، خاصة وأن الاتهامات كانت حاضرة للنهضة بدعم التيارات الارهابية والمتطرفة، وعدم اتخاذ مواقف واضحة منها، إلا بعد تصاعد عمليات العنف، وخاصة من أنصار الشريعة التونسية، التى اضطرت الحكومة التى كانت تسيطر عليها النهضة إلى حظر أنشطتها، واعتبارها جماعة ارهابية، بعد فترة طويلة من الامتيازات التى حصلت عليها في عهد النهضة.
وبالرغم من اعتراف الغنوشي بتصويت قطاع كبير من النهضة للمرزوقي، إلا انه حاول تبرير ذلك، بتأكيد على أن التصويت في الدور الاول كان نتيجة المخاوف الناجمة عن تصريحات عدد من قيادات نداء تونس في استبعاد النهضة من التشكيل الحكومي م والتهديد بالمس من الحريات وحقوق الانسان، إلى جانب مخاوف كبيرة من عودة الاستبداد والاشارة الواضحة لمكسب الحريّة وان تونس مهددة بشيء آخر غير الاستبداد وهو الفوضى ، إلى جانب الإشارة الضمنية الى الصعوبات التي قد تجدها البلاد في حال وجود رئيس لا يمتلك أغلبيّة برلمانية وهذا ما ينطوي عليه فوز المرزوقي .
بينما يري مراقبون أن حياد النهضة المزعوم في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية المقرر لها الاحد المقبل مستحيل في السياسة، خاصة وأن كل المؤشرات توضح الميل يتجه من النهضة نحو المرزوقي، وأن رسالة النهضة بالحياد للإعلام فقط وليس لجموع التونسيين، وأن قيادات النهضة لن تستطيع التعامل مع السبسي على عكس شريك الأمس المرزوقي.
في الوقت الذى يري فيه البعض الاخر ان فوز المرزوقي بالمرزوقي لن يفيد النهضة بسبب تقليل صلاحيات الرئيس في الدستور، وان هيمنة نداء تونس وتحالفه على الأغلبية البرلمانية مع تشكيل الحكومة ، ستمنع النهضة من امتيازات كثيرة كانت تتمتع بها خلال السنوات الماضية، وخاصة ما بعد 2011.
سيناريوهات المستقبل المتعقلة بالنهضة في حال فوز السبسي لا تزال واضحة، خاصة وأن النهضة عمدت طوال فترة حكمها على اقصاء المخالفين لها، وان الترويكا المزعومة كانت مجرد تكتيك للهيمنة على مقدرات الدولة، إلا ان اغتيال المعارضين مع تردي الاوضاع المعيشية، إلى جانب سقوط الاخوان في مصر، عمل على التعجيل بخروج النهضة من الحكم، وفتح صفحة جديدة للتونسيين، يعبرون من خلاله عن رغبتهم في مستقبل افضل لوطنهم، واعلاء الحريات العامة للمجتمع وحقوق الانسان على حساب الايدولوجية الدينية، والانغلاق الفكري والثقافي، وهو ما برز من الاصوات التى حصلت عليها نداء تونس، وتصدر السبسي للمشهد السياسي باعتباره المنقذ لتونس من أنياب الاخوان، على غرار ما حدث في مصر، وهو ما برز من خلال كتابات متخصصين سبق وأن أكدوا قبل أسابيع من اقصاء الاخوان في مصر من الحكم عبر ثورة 30 يونيو ، بين سيسي مصر وسبسي تونس نقطة فاصلة.