تتجه الأنظار إلى المؤتمر العاشر لحركة النهضة، والذى من المقرر تنظيمه في ابريل القادم، في ضوء تبادل الاتهامات من عدد من الأطراف المتصارعة، وخاصة حول من يخلف رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي، في ضوء التطورات التي تمر بها البلاد، والتحديات التي تواجه جماعة "الإخوان" والتنظيم الدولي للجماعة.

ويرى متابعون  أن راشد الغنوشي ربنا يواصل قيادة الحركة بعد مؤتمرها القادم ولكن في إطار حزب حكم وبرامج، بالرغم مما يواجهه  الغنوشي من انتقادات لاذعة من قبل قيادات تاريخية وأيضا من قبل قيادات الجيل الثاني على خلفية "احتكاره"، بمعية المقربين منه، لمواقع صنع القرار الأمر الذي أدى إلى اهتزاز نسبي لصورته بين "الإخوة".

من جانبه قال عبدالفتاح مورو القيادي التاريخي للنهضة أن الغنوشي يدير النهضة كما لو أنه يدير شركة عائلية.

غير أن سياسيين يقولون إن الغنوشي بدا خلال هذه الفترة التي تعمقت فيها الخلافات "الرهان الوحيد" لإنقاذ الحركة والنأي بها عن الانهيار والتشظي.

ويستدل السياسيون على ذلك بـ"انتهاج الغنوشي في افتتاح المؤتمرات الجهوية للحرك

ويظهر بوضوح في الافق تزايد الصراع بين أجنحة حركة النهضة في ضوء تداعيات إحالة مسودة مشروع قانون للجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي لأول مرة يعتبر جماعة الإخوان بمختلف تنظيماتها منظمة “إرهابية” في خطوة تعكس مدى تردي شعبية التنظيم الدولي الذي تهيمن عليه انقسامات حادة.

من جانبه افتتح راشد الغنوشي أعمال المؤتمر الجهوي التمهيدي لمحافظة تونس العاصمة بكلمة أعلن فيها أن المؤتمر العام العاشر لحركته سيُعقد تحت شعار "الإصلاح"،  مؤكدا أن حركته مرجعتيها الدستور التونسي الجديد، والإسلام الوسطي.

وكشف الغنوشي عن امكانية تغيير اسم حزب حركة النهضة، ربما يصبح النهضة المتجددة، أو النهضة الوطنية، وهذا راجع لأعضاء الحزب، مشيرا إلى انه ليس هناك صراع بين ما يطلق عليه البعض الحمائم والصقور داخل حركة النهضة، نحن بشر نخطئ نصيب، ونتفاعل فيما بيننا دون تعصّب ولا تفرقة، والنهضة اليوم موحدة أكثر من أي وقت مضى.

ويرى متابعون أن هذه التصريحات تعد بمثابة رسالة طمأنة للطبقة السياسية التونسية، في إطار القلق المتزايد من تغول الحركة على الساحة في ضوء الانشقاقات التي ضربت حزب نداء تونس، وتراجعه من الصدارة البرلمانية إلى المرتبة الثانية وتصاعد النهضة للمرتبة الأولى والأكثرية داخل البرلمان التونسي، في ضوء استقالة أكثر من 40 عضوا من نداء تونس على اثر خلافات حزبية داخلية.

في حين يرى كثير من المتابعين بأن تصريحات الغنوشي لم تأت بجديد، وأن حديثه يؤكد الجدل المتصاعد داخل الحركة حول خلافته، والترتيب للخروج بقرارات عاجلة لمواجهة محاولات تصنيف الإخوان جماعة إرهابية في الكونجرس الأمريكي، وهو ما سيكون له تبعات  خطيرة على الحركة ومستقبلها السياسي داخل تونس.

ويحظى مؤتمر الحركة العاشر بأهمية استثنائية على صعيد المشهد السياسي العام في تونس، لأنه سيناقش  مسألة العلاقة بين السياسي والدعوي داخل حركة النهضة، وهل يمكن استنساخ تجربة الاخوان المسلمين وتأسيس حزب سياسي مدنى أم لا.

من جانبه قال الأكاديمي والمؤرخ التونسي عليّة عميرة الصغير إن مشروع القرار الأمريكي صفعة قوية لجماعة الإخوان المسلمين بشكل عام، ولفرعها بتونس أي حركة النهضة برئاسة الغنوشي.

في حين قال محمد الكيلاني الأمين العام للحزب الاشتراكي اليساري التونسي، أن شعار "التونسة" الذي ترفعه حركة النهضة خاص بالسياسيين فقط، لأن رموز التيار الدعوي فيها هم إخوان بأتم معنى الكلمة ويظهرون عند الحاجة، وبعد أن يتم التمكن من الدولة.

ويرى مراقبون أن عناوين هذا الصراع تفرعت لتشمل مسائل سياسية تُوصف داخل الحركة بأنها حساسة ومصيرية، لأنها تمس من قريب هويتها، وذلك في إشارة إلى مسألة الفصل بين السياسي والدعوي.

وهناك كثير من النقاط التي سيتم بحثها خلال هذا المؤتمر، ومنها التصويت على لوائح المؤتمر، وخاصة منها اللائحة السياسية والتنظيمية والمالية.

بينما قال عبدالحميد الجلاصي نائب رئيس حركة النهضة الإسلامية، الذي برز اسمه خلال الأيام القليلة الماضية كواحد من أبرز الرافضين لتوجهات الغنوشي، المؤتمر العاشر سيُعقد في نهاية أبريل القادم، نافيا بذلك وجود أي توجه لتأجيل موعده.

شدد على أن الجدل المرافق للصراع الذي تشهده حركته بأنه نقاش عادى للإصلاح يعكس التنوع السياسي والفكري، موضحا بقوله "هناك قضايا محل نقاش، ولكن قيادة النهضة لها من العقلانية التي تُمكنها من إيجاد التوافق حول المسائل الخلافية".

فيما دعا خبير تونسي في الإسلام السياسي النهضة إلى عدم المشاركة في "أي عمل سياسي" قبل أن تقوم بـ"إصلاحات جوهرية" تقود بها بـ"الفعل إلى حزب مدني ديمقراطي".

يأتي ذلك في الوقت الذي قللت فيه الأحزاب والقوى العلمانية من رهان النهضة على المؤتمر القادم لإطلاق "حزب سياسي مدني" باعتبار أن قياداتها وكوادرها وقواعدها تغذت منذ تأسيس الحركة العام 1981 من مرجعيات عقائدية.

وترى قيادات محسوبة على التيارات العلمانية أن بقاء الغنوشي رئيسًا للنهضة يعد مؤشرا على أن الحركة الإسلامية لا ترى نفسها 'حزبا سياسيا' دون قيادة مؤسسها في ظل توجسها من مرحلة حرجة قادمة لا تخلو من الهشاشة التنظيمية والسياسية.