"النهضة التونسية" تخلع عباءة الإخوان وتتحول لحزب سياسي

السبت 21/مايو/2016 - 01:45 م
طباعة النهضة التونسية تخلع
 
أعلن راشد الغنوشي مؤسس ورئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية في حوار نشرته جريدة لوموند الفرنسية أول من أمس الخميس 19 مايو 2016، أن الحركة سوف "تخرج من الإسلام السياسي". ويأتي تصريح الغنوشي (74 عاما) عشية افتتاح النهضة مؤتمرها العاشر الذي ينتظر أن تعلن خلاله "فصل الدعوي عن السياسي" والتحول إلى "حزب مدني".
وقال الغنوشي: "نحن نؤكد أن النهضة حزب سياسي، ديمقراطي ومدني له مرجعية قيم حضارية مُسْلمة وحداثية. نحن نتجه نحو حزب يختص فقط في الأنشطة السياسية". وأضاف: "نخرج من الإسلام السياسي لندخل في الديموقراطية المُسْلمة. نحن مسلمون ديمقراطيون ولا نعرّف أنفسنا بأننا (جزء من) الإسلام السياسي".
وأفاد: "نريد أن يكون النشاط الديني مستقلًّا تمامًا عن النشاط السياسي. هذا أمر جيد للسياسيين؛ لأنهم لن يكونوا مستقبلا متهمين بتوظيف الدين لغايات سياسية. وهو جيد أيضًا للدين حتى لا يكون رهين السياسة وموظفًا من قبل السياسيين".
ويؤيد 73 بالمائة من التونسيين "فصل الدين عن السياسة" بحسب نتائج استطلاع للرأي أجراه مؤخرًا معهد "سيغما" التونسي بالتعاون مع مؤسسة "كونراد أديناور" الألمانية و"المرصد العربي للأديان". ومن المنتظر إعادة انتخاب راشد الغنوشي، خلال المؤتمر الذي يتواصل ثلاثة أيام، رئيسا للحركة مثلما حدث في آخر مؤتمر سنة 2012.
ولا تثق وسائل إعلام وأحزاب معارضة علمانية في تونس في تصريحات الغنوشي وقياديي حركة النهضة المتعلقة بتحويلها إلى "حزب مدني" بعد مؤتمرها العاشر. وتعتبر هذه الأوساط حركة النهضة جزءا من "جماعة الإخوان المسلمين" في حين تنفي النهضة ذلك باستمرار وتقول إنها حزب سياسي.
النهضة التونسية تخلع
والمتابع لكتابات الغنوشي ليعلم أنه من بين أكثر قيادات الجماعة انفتاحًا على الديمقراطية؛ ففي كتابه "مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني" يقول الغنوشي: "... ليت نخبتنا العربية والإسلامية ومنها التونسية كما قال طه حسين "أخذت الغرب بحلوه ومره"، ولكنها أخذت مره فقط، ولم تأخذ من الغرب الحريات ولا احترام سلطة الشعب.
إن الغرب لا يريد لها ذلك حذر الإفلات والنهوض. إذن، مشكلنا الأساسي إن كان لنا مشكل، ليس مع الحداثة بما هي تقدم علمي وتقني ولا حتى مع العلمانية بما هي حياد الدولة إزاء العقائد، وإنما مشكلنا المرير مع حداثة مزيفة، مع تسلط الأقلية المنعزلة على الشعب محتكرة للثروة والقرار السياسي متسلطة على ضمائر الناس وأرزاقهم وعقولهم باسم الديمقراطية والحداثة والعلمانية والمجتمع المدني، وأحيانا باسم الإسلام أيضا. ألا تعلمون أنه قد صدرت السنة الماضية في تونس فتوى رسمية بتكفير "النهضة" وتليت في الإذاعة والتلفزة وعلى منابر المساجد؟ أي حداثة هذه؟، وذلك ما يجعلنا فيما لو لم نجد بداً من الاختيار بين علمانية غربية وتدين كنسي مستبد منحط، سنختار العلمانية الغربية الديمقراطية بحلوها ومرها".
 ويضيف: "إن مشروعنا أبعد من أن يكون مجرد دفاع عن حرية لنا خاصة، وتبادل مواقع الاستبداد، نحن ندعو إلى حرية للجميع، حرية لكل التونسيين، وعلى المستوى العالمي ندعو إلى الحرية والتعدد الحضاري. لقد تضاءل حجم الأرض وتقاربت أطراف الكون، ولا مناص لنا من التفكير بمستوى إنساني عالمي، وعلى المستوى المحلى لا مناص لنا من ديمقراطية تعترف بالجميع بلا إقصاء ولا عنف، تضمن حقوق الجميع على قدم المساواة، وتضمن التداول للجميع على السلطة، باعتبار التداول السلمي على السلطة بين النخب هو ثمرة الديمقراطية وميزانها وجوهرها، ولذلك ظلت هذه الكلمة ممنوعة من التداول لدى حكام العرب يرفضون مجرد النطق بها".
 ويتابع الغنوشي: "إن المدخل لحل مشكلاتنا هو ديمقراطية حقيقية تضمن حريات الناس وكرامتهم، كما تضمن للجميع الاشتراك في الثروة والسلطة، وتطلق حق المبادرة الثقافية والسياسية والاقتصادية، وحق الشعب في أن يختار بين مختلف المشاريع، وبين كل الرجال دون أي وصاية، وذلك في إطار استقلال وكرامة شعوبنا وأمتنا وخير الإنسانية.
إنه ليس أخطر على الإسلام اليوم من الاستبداد والادعاء الصريح أو المبطن لحق النطق باسم الإسلام، مع أن من معاني ختم النبوة الانتفاء المؤبد لادعاء النطق باسم الحقيقة الإلهية خارج نصوص الوحي، ومعظمها حمال أوجه، والحمد لله أن طريق الله كرحمته يتسع لجميع السالكين من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر ومرجعية الوحي العليا، فلماذا يحاول أقوام تضييق هذه الرحمة واحتكار تقمص الفرقة الناجية، وترك الآخرين في الضلال المبين، مع أن أولئك جميعاً هم في المحصلة النهائية من الفرقة الناجية إن شاء الله، ما آمنوا بالله واليوم الآخر، والمرجعية العليا للوحي".
النهضة التونسية تخلع
ومن كتاب "الحركة الإسلامية ومسألة التغيير" يقول راشد الغنوشي : ".. إن من أعظم الجهل بالإسلام ربطه بالتعصب والتطرف والرجعية والإرهاب والعدوان على حريات الأفراد والشعوب، واصطناع مقابلة بينه وبين أي معنى جميل كالعدل والحرية والديمقراطية والفن والإبداع والعلم، والتقدم والسلم، إن عملاً عظيماً لا يزال القيام به يمثل أعظم خدمة للإسلام هو الدخول بالإسلام إلى العصر. مطلوب من أبناء الصحوة الإسلامية أن يؤصلوا مبادئ الحرية والشورى والديمقراطية بكل أبعادها في أرض الإسلام ومنظوره، وأن يتعاونوا مع كافة القوى المناهضة للاستبداد والمدافعة عن حقوق الإنسان والديمقراطية من كل ملة داخل العالم الإسلامي وخارجه، فالاستبداد شر كله، وليس هناك نعمة بعد الهداية أفضل من الحرية، وهذه طريقة تلك".
 يتضح من أفكار الغنوشي إيمانه من البداية بالديمقراطية وقبول الآخر والانفتاح على العالم، وربما هذا ما يفسر قرار حركته الأخير بالتحول إلى حزب مدني والخروج مما يسمى "الإسلام السياسي".

شارك