«القاعدة» في مصر من «الحكايمة» إلى «عشماوي»

السبت 25/نوفمبر/2017 - 09:25 م
طباعة «القاعدة» في مصر
 
مقدمة:
في الثامن من نوفمبر 2017  نشر حمزة بن لادن رسالة صوتية بعنوان " أسامة.. مجاهد الغزاة ومحرض المنتفضين على الطغاة" – والذي نشره مرصد الجهاد العالمي – يحرض فيه الشعوب الإسلامية عامة، للثورة على حكامها والانتفاضة ضد القوانين المدنية بدعوى خروج هؤلاء الحكام عن التحكيم بشرع الله.
وبطريقة السم في العسل أخذ حمزة بن لادن، خلال التسجيل في بدايته يسرد مسيرة والده الإرهابية، وكيف حول أفغانستان لما وصفه بـ"قلعة الجهاد" ضد الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، معتبرًا أن حديثه للمسلمين هو من أجل عزة وكرامة لحرية المسلمين وسعادتهم، مشيرًا إلى أن هدف التنظيم هو تحرير بلاد المسلمين من "الهيمنة الصليبية"؛ لإقامة شرع الله.
بعدها بثلاثة أيام في 11 نوفمبر أذاعت جماعة "جند لإسلام" رسالة صوتية بعنوان "تبني عملية أمنية لدفع صيال خوارج البغدادي بسناء"، أعلن فيه تبنيه لعملية أمنية عسكرية قام بها في أكتوبر 2017، ضد عناصر تنظيم داعش الإرهابي في سيناء.
يعكس البيانان أن بزوغ المد الخامس لتنظيم القاعدة بدأ منذ فترة، ولكن ليس فقط ببصمة وتوقيع أيمن الظواهري وإنما بتوقيع حمزة بن أسامة بن لادن، التنظيم الذي شهد تراجعات وانحسار بعد سطوع نجمه كأول تنظيم جهادي إرهابي في الثمانينات، وبلغ ذروة نجاحاته في 2001، بعد تنفيذ هجمات 11 سبتمبر بالولايات المتحدة الأمريكية، وبعد مقتل بن لادن في مايو 2011، غاب عن التنظيم القائد الملهم والمطاع وغاب الطابع القيادي «النخبوي»، كما غابت القيادة المركزية وتفككت.
وبتولي "الظواهري" قيادة التنظيم سعى لتوسيع دائرة الجماعات المنطوية تحت لواء القاعدة، فقبل تنظيم حركة شباب المجاهدين الصومالية، وذلك في محاولة منه لاستعادة النفوذ والهيبة الغائبان داخل التنظيم وخارجه، وسعيه لتوسيع دائرة «الجهاد».

مدخل عام: «القاعدة» بين الانحسار والازدهار

تعد هجمات 11 سبتمبر 2001 بداية النهاية للتنظيم الإرهابي، بعد مقتل قياداته وضرب معسكراته جرّاء الضربات التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في أكتوبر 2001، كرد قاسٍ على «إمارة طالبان» والتي كانت تأوي قيادات القاعدة ومقرًا لقياداته المركزية، وسرعان ما سقطت «كابول» عاصمة أفغانستان في 13 نوفمبر 2001، وبنهاية الشهر سقطت باقي مدن أفغانستان تباعًا في يد قوات التحالف وتراجعت طالبان، ليبدأ عهد «الشتات» بخروج قيادات وعناصر القاعدة من الأراضي الأفغانية وتبدأ نهاية عصر «القاعدة الأم».. وهو ما حذر منه بوضوح أبو مصعب السوري «مصطفى الست مريم»، صاحب الموسوعة الضخمة «موسوعة المقاومة الإسلامية العالمية»، والذي سجل معارضته لهجمات 11 سبتمبر 2001، وتوقع بعدها بانهيار تنظيم «القاعدة»، وأنها ستكون في ذمة التاريخ وخارجه، وسخر مما أسماه «القيادة التورابورية» للقاعدة، قاصدًا أسامة بن لادن والظواهري المتواجدون وقتها في منطقة «تورابورا».(1)
لمعرفة المزيد عن تاريخ مراحل صعود وانحسار تنظيم القاعدة اضغط هنا

بزوغ «داعش» سر إعادة الحياة في التنظيم العجوز:

أدى ضعف تنظيم القاعدة بقيادة الظاهري، وتغيب التنظيم عن المشهد الجهادي إلى انشقاق عدد من قياداته، في عدد من البلدان، لعل أبرزها انشقاق أبو بكر البغدادي، ومن بعده أبو محمد الجولاني عن جبهة النصرة.
البداية كانت في 2005، حينما ظهر اسم أبو بكر البغدادي المزارع الذي اعتقل من قبل القوات الأمريكية في العراق، ثم أصبح متطرفاً في معسكر بوكا العراقي، بعد احتجازه مع العديد من قادة تنظيم القاعدة السلفي المتطرف منذ عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي كانت أجهزته الأمنية تراقب نشاطه.
برز "البغدادي" كلاعب رئيسي في تنظيم القاعدة بعد وقت قصير من الاحتلال الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣ ، ولكن المعلومات الاستخباراتية تفيد بأن إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري، والمعروف بأبي بكر البغدادي، والذي عينه الظواهري، كرئيس للتنظيم في العراق، استغل ظروف الأزمة التي اندلعت في سوريا، والفوضى التي حصلت هناك؛ ليعلن دخوله خط المواجهات في سوريا، حيث وجد هو وتنظيمه مساحة خصبة على الأراضي السورية مستغلا الفوضى لتحقيق المكاسب وتوسيع النفوذ، ومن الحدود السورية الواسعة مع العراق، دخل تنظيم "الدولة" إلى الأراضي السورية، إلى شرق سوريا بالتحديد تحت شعار "نصرة أهل السنة في سوريا" معلنين الحرب على النظام السوري.
وبرسالة صوتية عام 2013 بُثت عن طريق شبكة شموخ الإسلام، أعلن أبو بكر البغدادي دمج فرع التنظيم "جبهة النصرة" مع دولة العراق الإسلامية تحت مسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وهنا بدأت قصة "داعش" ترتبط بأبي بكر البغدادي، وفي يوليو 2014 تم اختيار البغدادي "خليفة للمسلمين" عقب إعلانه دولة الخلافة الإسلامية.(2)

القاعدة في وقت الإفول:

نشر معهد واشنطن لدراسات سياسة الشرق الأدنى، كتابًا جديدًا بعنوان "لماذا استمر تنظيم القاعدة بعد ظهور داعش؟"، وكانت بوابة الحركات الإسلامية ترجمة الجزء الأول والثاني من الدراسة، قالت فيه أنه في الوقت الذي انشغل فيه العالم منذ عام 2014 حتى 2017 في محاربة تنظيم داعش لما يشكله من خطورة حقيقية، كان القاعدة يقوم بإعادة بناء موارده بهدوء وتروٍ، من أجل استكمال حربها ضد الولايات المتحدة الأمريكية، الهدف الذي وضعه لها مؤسسها أسامة بن لادن.
مؤكدة قيام تنظيم القاعدة بتعظيم خطورته ليصبح أكثر خطورة أكثر من ذي قبل، حيث قام بتعزيز قدراته العسكرية في توجيه الضربات الإرهابية، وذلم من خلال تعزيز قوته وقدراته البشرية والتكتيكية والعسكرية .
استطاعت القاعدة في الوقت الذي استحوذت فيه داعش على اهتمام وسائل الإعلام، وتصدرت عناوين الأخبار في الصحف ونشرات الأخبار، قام تنظيم القاعدة بإعادة بناء مواردها وقواعدها لمواصلة حياتها التي تمتد قرابة العشرون عامًا، وكانت استراتيجية الظواهري خلال هذه السنوات الأربع، أكثر ملائمة وأوسع نطاقا لإعادة بناء التنظيم داخل سوريا والعراق، ففي الوقت الذي كان اهتمام قوات التحالف بمحاربة منصبا على مواجهة داعش وتوجيه كل الضربات ضد التنظيم، كانت القاعدة تعيد بهدوء قوتها العسكرية، وتخبأ قنابلها في المخابئ الجديدة، مدعومة بغطاء شعبي مدعية بأنهم "تيار جهادي معتدل"، على النقيض من تنظيم الدولة الإسلامية "المتطرف".
لمعرفة المزيد عن كيفية تطوير القاعدة من قدراتها في السنوات السابقة اضغط هنا

أولًا: فكر القاعدة كبناء هيكلي:

لم يعرف تنظيم القاعدة بناء هيكلي عنقودي معقد ومتشابك في بنيته في أي دولة إلا في أرض ميلاده أفغانستان؛ وذلك لتوافر عدة عناصر له وقتها منها:
- وجود فراغ أمني في أفغانستان التي عانت من الاحتلال السوفييتي في ذلك الوقت، مما سمح بوجود ثكنات وملاذات آمنة لعناصر التنظيم الأولى في المنطقة المتاخمة للجبال وبامتدادها حتى الحدود الباكستانية، خاصة وأنها لا تخضع لأي سيطرة أمنية.
- وجود مؤسسي التنظيم (عبد الله عزام، أسامة بن لادن، أيمن الظواهري، وغيرهم)، والتي تعد القيادة المركزية للتنظيم، إلى جانب المقاتلين المنضمين للتنظيم لمقاومة الاحتلال السوفييتي، مما استدعى وجوب إيجاد وتكوين شكل هيكلي وبناءي للتنظيم؛ لتكوين وحدات مقاتلة وخلايا نوعية، وتقسيم المجاهدين على تلك الوحدات بحيث تتبع كل وحدة لقيادة أمير تعينه القيادة المركزية للتنظيم.
ما دون عن أفغانستان ظل تنظيم القاعدة "عبارة عن أفكار" فقط لا غير، فهو تنظيم "لا مركزي"، خاصة وأن التنظيم لم يكن له رقعة جغرافية يسيطر عليها تستلزم منه وجود هيكل عنقودي – مثل الموجود لدى تنظيم داعش الإرهابي – وكانت أفكاره متاحة لكل من يريد أن يتبناها لينضم إلى التنظيم.
أما أذرع القاعدة الموجودة في كل دولة فتكونت من خلال إعلان مجموعة معينة أو عدة مجموعات في دولة ما تبنيها لأفكار القاعدة، وبعد تنفيذ كل جماعة لعدة عمليات نوعية على مدار زمني معين يحدده التنظيم، تثبت فيها كل مجموعة جدارتها لحمل راية القاعدة، يعلن التنظيم من بين هذه الجماعات المتنافسة بالأجدر لأن تكون ذراعه وفرعه في هذه الدولة أو تلك، مما يفتح مجالًا للجماعات الإرهابية في التنافس لتكون ذراع القاعدة في بلادها.

ثانيًا: تاريخ القاعدة في مصر:

لا نستطيع أن نغفل أن فكر تنظيم القاعدة صاغه ونظره مصريين أمثال عبد الله عزام مؤسس التنظيم، علي أمين الرشيدي والمعروف بأبو عبيدة البنشيري، وسيد إمام الشريف الملقب بعبد القادر بن عبد العزيز، رفيق أيمن الظواهري في خلية المعادي، وغيرهم ممن شكلوا الصف الأول لتنظيم القاعدة مع أسامة بن لادن زعيم التنظيم، ورغم انتشار التنظيم في باكستان وأفغانستان، وتطلعات قياداته بالتوسع في العراق وسوريا، وهو ما حدث في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق في 2003، إلا أن أنظار قادة ومؤسسي التنظيم لم تبعد عن مصر، وإن أرجأوا تأسيس خلايا لهم بسبب أولويات التنظيم في التوسع في العراق والشام.

1- جماعة التوحيد والجهاد
يرى بعض المتخصصين في الحركات الجهادية التكفيرية أن عامي 2004، 2005 يعدان البداية الحقيقية لتنظيم القاعدة في مصر، وذلك بعد تفجيرات طابا وشرم الشيخ التي استهدفت السياحة المصرية عامة، والسياحة الإسرائيلية خاصة، التفجيرات التي نفذتها جماعة التوحيد والجهاد، المؤسسة على يد الطبيب خالد مساعد، التي اتخذت من مدن الشريط الحدودي في شمال سيناء مقرًا لها، ورغم أن الجماعة أعلنت وقتها مبايعتها لتنظيم القاعدة، إلا أن التنظيم لم يتبنى "التوحيد والجهاد" كذراع له في مصر، وبالتالي لم يتبنى تفجيرات سيناء.
استطاعت قوات الأمن المصرية خلال المواجهات الأمنية على الجماعة في القضاء على 90% من عناصرها، لتنتقل زعامة التنظيم إلى محمد حسين مجاهد –أبو منير- نهاية عام 2006، بعد مقتل باقي قيادات التوحيد والجهاد في المواجهات الأمنية، وعلى رأسهم نصر خميس الملاحي الذي تولي الزعامة شهور قليلة بعد مقتل أمير الجماعة الطبيب خالد مساعد، واعتقال الرجل الثاني بعده محمد عبد الله عليان. (3)

مرحلة خميس الملاحي وعبد الله عليان:
عمل أبو منير على إعادة بناء التنظيم مرة أخرى، واستقطب عدد من شباب الدعوة السلفية في سيناء وغزة، مستخدمًا الخطاب الجهادي الذي عزز من سطوته الفكرية، وجود دعاة له منتشرين في مساجد العريش ورفح والشيخ زويد، أمثال أسعد البيك والحمدين أبو فيصل وغيرهم من معتنقي الفكر السلفي الجهادي.
جاء مقتل الشيخ "عبداللطيف موسي" – أبو النور المقدسي- في أحد المساجد بقطاع غزة، ليكون حافزًا لاستقطاب عناصره في القطاع إلى سيناء، بالتزامن مع ازدهار قيادات جديدة داخل تنظيم التوحيد والجهاد، كان منهم كمال علام وأحمد زايد الجهيني وإبراهيم أبو عويضة وغيرهم، ليقترب التنظيم إلى حالة الكمال البنيوي. (4)

2- تنظيم جيش الإسلام:
يعد أحد أبرز التنظيمات الجهادية بغزة وقد كان مقرباً من حماس، ونفذ رجاله معها عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في منتصف 2006، أسس هذا التنظيم ممتاز دغمش، وعدد من أفراد عائلته، ويقترب فكر هذه التنظيم من القاعدة ويؤمن بتوحيد هذه الجماعات، وكان مسئولاً عن اختطاف ألان جونستون مراسل الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وطلب فدية مالية لإطلاق سراحه قبل أن تتمكن حماس من تسوية الأمر.
لعب جيش الإسلام لعب الدور الأكبر في نشر الفكر الجهادي في سيناء، بل أن قائده ممتاز دغمش ترك غزة تقريباً وبات مقيماً بشكل شبه دائم في سيناء؛ للتجهيز لعمليات ضد الإسرائيليين، سواء كان ذلك أثناء حكم النظام السابق في مصر قبل الثورة أو حالياً لأن الرجل يرى أن الجميع لا يطبقون شرع الله.(5)

3- القاعدة في أرض الكنانة:
في عام 2007 أعلنت القاعدة تأسيس فرعها في مصر بقيادة محمد خليل الحكايمة، مؤسس فرع الجماعة الإسلامية في أسوان، والذي انضم للتنظيم في نفس العام (6)، لتخالف القاعدة بذلك الإعلان نهجها باعتماد تنظيم أو جماعة – بعد أن يبرهنوا من خلال عدة عمليات وعلى مدار زمني طويل أحقيتها بأنها جديرة بأن تكون ذراع التنظيم في دولة ما أو إقليم محدد.
وأطلق "الحكايمة" بيان التنظيم الأول في 24 يونيو من عام 2007، قال فيه: " إن إخوانكم في فلسطين قد أعلنوا الجهاد ضد الصهاينة المحتلين منذ أكثر من خمسين عاماً، ليتسع جهاد فرض العين ليشمل جميع شعوب الدول المتاخمة لفلسطين، فلا مناص من جهاد الصهاينة المحتلين في كل مكان حتى تحرير کامل الأراضي الفلسطينية، أيها المجاهدون الثابتون قوموا فاجتثوا التواجد الصهيوني من أرض الكنانة، قوموا وأشعلوها عليهم حرباً في كل مكان، ولا تفرقوا بين مدني وعسكري فكما قصفوا أطفالنا ونساءنا سنقتل أطفالهم ونساءهم، قوموا بسواعدكم الفتية و بكل الوسائل الشرعية المتاحة لديكم، بضرب كل الأهداف الصهيو- صليبية على أرض الكنانة مع أخذ الحيطة لدماء المسلمين المعصومة".(7)

4- جماعة جند الله:
هو تنظيم فلسطيني في المقام الأول نشأ مع سيطرة "حماس" على غزة عام 2007، وبداية عمله الحقيقي كان في عام 2006 داخل غزة، بعد أن تأسست في قطاع غزة على يد محمود طالب- الملقب بـ«أبو المعتصم» في مايو 2008، وتنتمي "جند الله" إلى تيار السلفية الجهادية، إذ اتخذت فكر القاعدة منهجًا لها، بات له أصول في الأراضي المصرية عقب الانفلات الأمني الذي صاحب ثورة 25 يناير 2011، وبرغم قبولها الانضمام بعد أحداث ثورة يناير إلى مجلس شورى المجاهدين – أكناف بيت المقدس – إلا أن استمرارها لم يدم أكثر من شهرين، لتعاود الاستقلال عن التنظيم، وتبدأ مرحلة التكوين، استعدادا للظهور مرة أخرى.(8)
زاد من قوة "جند الله" سيطرة محمد فريج زيادة، والتحول الفكري للتنظيم، ليمر التنظيم بما سموه بـ"مرحلة الفتنة"، والتي تزامنت مع انفراط عقد الجماعات الجهادية في غزة أمثال جيش جلجلت وجيش الإسلام وغيرهما من الجماعات المنتمية للسلفية الجهادية، كل هذه العوامل ساعدت لـ "جند الله" في تكوين قاعدة جيدة من العناصر الجهادية المدربة جيدًا على السلاح.

خلاصة وضع «القاعدة» قبل 25 يناير 2011
احتضنت سيناء مع بداية الألفية الثالثة 11 جماعة تكفيرية، أبرزها على الإطلاق جماعة «التوحيد والجهاد» التي أسسها الدكتور خالد مساعد، وكانت تتّخذ من قرى «اللفيتات والزورعة والمهدية والثومة»، منطقة تمركز لها، و«أنصار الجهاد»، وهي جماعة تعتبر فرعاً مباشراً لتنظيم القاعدة في سيناء، وتمركزت في رفح بقرى «الماسورة والوفاق»، بالقرب من الشريط الحدودي مع قطاع غزة.
كما تعد جماعة «التكفير والهجرة» و«جند الإسلام»، من أبرز الجماعات التي تواجدت في سيناء قبل ثورة يناير، والأخيرة كانت تطلق على نفسها "أصحاب الرايات السوداء".
كما انتشرت في سيناء، أفرع من الجماعات التكفيرية الفلسطينية، من بينها «جيش الإسلام»، الذي يقوده التكفيري الفلسطيني ممتاز دغمش، المتهم الرئيسي في مذبحة رفح الأولى، وجماعة «مجلس شورى المجاهدين»، التي أسّستها السلفية الجهادية بقطاع غزة، وانضم إليها عدد من عناصر جماعة السلفية الجهادية في سيناء.(9)

ثالثًا: القاعدة بعد ثورة يناير 2011:

في أعقاب ثورة يناير تغيّرت خريطة الجماعات التكفيرية بسيناء بصورة كبيرة، حيث اختفت تلك الجماعات وتقلصت إلى 4 جماعات فقط، أبرزها جماعة «جند الإسلام»، التي نفّذت عملية تفجير مبنى المخابرات الحربية برفح من خلال سيارة مفخّخة يقودها انتحاري في 11 سبتمبر 2013، وأسفر الحادث عن استشهاد 6 مجندين وإصابة 17 آخرين، وجماعة «الأنصار والمهاجرين»، والتي أسّسها عادل حبارة، واندثرت تلك الجماعة عقب إعدام قادتها، كما تلاشت جماعة «أنصار الشريعة»، التي تأسست في مصر عام 2012، وكان يقودها هاني أبو شيتة بعد القبض على معظم عناصرها، هذا بجانب إلى جماعة السلفية الجهادية التي اندمج عناصرها في تنظيم أنصار بيت المقدس بعد ثورة يناير.
وسمحت حالة الانفلات الأمني الذي واكب ثورة يناير، ومع حالات هروب الإرهابيين من السجون وعودة المحبوسين على ذمة قضايا إرهابية، بدأت تتشكل جماعات وخلايا صغيرة نسبيًا مثل تنظيم "الفرقان" بقيادة شادي المنيعي، والذي رفض أن يكون تحت إمارة جماعة "التوحيد والجهاد"، ومن أبرز هذه الجماعات التي تكونت بعد الثورة:

1- مجلس شورى المجاهدين:
نجح الإرهابي محمد حسين مجاهد، المعروف بـ"أبو منير" في تجميع الفارين من السجون، وبقايا الجماعات الإرهابية المنفرط عقدها تحت مظلة تنظيم مجلس شورى المجاهدين – أكناف بيت المقدس – وتوزيع مناصب قيادية على كل أمراء المجموعات.

2- أنصار بيت المقدس – من القاعدة إلى داعش:
لم يستمر "أكناف بيت المقدس" كثيرًا، إذ نجح محمد فريج زيادة، في عام 2013، من سحب بساط الإمارة من تحت أقدام "أبو منير"، وأقنع الجميع بفكرة تدشين جماعة "أنصار بيت المقدس"، على بنية فكرية جديدة لا تتبع القاعدة – على غرار أبو بكر البغدادي في نقض بيعة القاعدة، وإعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش – لكن تنظيم أنصار بيت المقدس كان له موقف خاص، حيث لم يعلن نقض البيعة ولا مبايعة أبو بكر البغدادي.
مع اشتباك وتصاعد وتيرة الخلافات بين الظواهري والبغدادي، وجدت الجماعات المتطرفة في سيناء نفسها في موقف لا تحسد عليه، خاصة في أعقاب نقض البغدادي بيعته للظواهري وإعلانه ما سماه بـ "تنظيم دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام"، والمعروف إعلاميًا بتنظيم داعش، في الوقت الذي أخذت أوساط المتطرفين ترى أن تنظيم القاعدة أصابه الوهن والضعف والتفكك، بينما كان البغدادي وتنظيمه الجديد يحقق بطولات في العراق بالاستيلاء على المدن والأراضي العراقية، مما دعا جماعة أنصار بيت المقدس إلى الانسلاخ من القاعدة، ومع اشتداد الضربات الأمنية للقوات الجيش المصري أعلنت في 2014 عن مبايعتها لتنظيم داعش الإرهابي، فيما عرف باسم "ولاية سيناء".

3- جند الإسلام:
عقب ثورة يناير انضمت جماعة "أنصار الجهاد" لتنظيم «أصحاب الرايات السوداء» وأطلقوا على أنفسهم تنظيم "جند الإسلام"، وهذا التنظيم ينتشر انتشارًا واسعًا في سيناء حتى أعلنوا عن تحويل سيناء لإمارة إسلامية عقب ثورة يناير، وهو ما سنتناوله بالتفصيل فيما بعد.(10)
للمزيد عن التنظيمات الإرهابية في سيناء اضغط هنا

القاعدة والإخوان.. ارتباط تاريخي لا ينتهي

ارتبط ميلاد تنظيم القاعدة تاريخيًا بجماعة الإخوان الإرهابية، والتي يعد عبد الله عزام عضو الجماعة، أحد أهم مؤسس التنظيم الإرهابي، الذي انضم لصفوف الجماعة في وقت مبكر من عمره، وهو دون الخامسة عشرة، وكان لمؤسس الجماعة حسن البنا أثره الكبير في تكوين شخصيته، ويعتبر "عزام" أن رسائل البنا تمثل منهجا عاما لتحديد الأسس التي تقوم عليها الحركة الإسلامية في كل مكان وزمان.
استطاع "عزام" أن يمارس نشاطه الإخواني أثناء عمله بالتدريس في الجامعة الأردنية من خلال الخطب الحماسية التي كان يلقيها، ثم بدأ خطوته الثانية بتجنيد الشباب الملتفين حوله في صفوف الإخوان بالأردن، قبل أن يغادر المملكة الهاشمية متوجها إلى السعودية، حيث عمل - بفضل نفوذ الإخوان آنذاك بالمملكة - في جامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1981.
في السعودية التقى عزام بكمال السنانيرى، أحد أهم رجال النظام الخاص في جماعة الإخوان، والذي كان مسئولاً عن ملف الجهاد في أفغانستان داخل الجماعة في ذلك الوقت، والذي طالب الأستاذ الجامعي بالذهاب إلى أفغانستان لتمثيل جماعة الإخوان هناك، وتنفيذ أجندتهم الرامية إلى استقبال الشباب الوافد من فلسطين ومصر والسعودية والأردن وباقي البلدان العربية والإسلامية، ممن يرغبون في الجهاد، وإعدادهم وشحنهم معنويا وتشجيعهم على المضي في هذا الطريق. وافق عزام بلا تردد، وطلب من مدير جامعة الملك عبد العزيز ندبه للعمل في الجامعة الإسلامية الدولية في إسلام آباد، حيث أُنتدب بالفعل في أواخر عام 1981.
كانت مهمة عزام - المكلف بها من قبل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين- هي استغلال طلائع الشباب المسلم الذين يفدون إلى أرض الجهاد في بناء كيان كبير ومؤثر، ليس في أفغانستان وحسب، وإنما في كل بقعة من بقاع العالم، "قوة انتشار سريعة مهمتها تقديم المساعدة القتالية لأي فئة مسلمة تُضطهد من قبل قوى غاشمة على أي شبر من الكرة الأرضية، وبخاصة الدول التي يمثل فيها المسلمون أقلية دينية ".
وفي أفغانستان بدأ عزام تنفيذ خطته في أبريل من عام 1986، وفي مايو من نفس العام 1986 أنشأ "عزام" أول معسكر تدريب لتنظيم القاعدة داخل الأراضي الأفغانية، أطلق عليه اسم "عرين الأسد"، كان عدد الشباب الذين معه لا يتجاوز أصابع اليدين وسرعان ما بلغ العدد - في أول معركة يخوضها المتطوعون العرب في السابع عشر من أبريل عام 1987، أي بعد تأسيس أول معسكر تدريبي بعام واحد - مائة وعشرين شاباً. كان عزام يتابع بنفسه المعارك من أجل رصد السلبيات ومعالجتها، وبالفعل كثف عزام التدريب في اتجاه أعمال التخطيط العسكري للعمليات، واستقدم لأجل هذه المهمة خبراء من جميع أنحاء العالم.
بدأ عزام العمل وسط هؤلاء الشباب حيث أنشأ "مكتب خدمات" المجاهدين (عام 1948)، الذي كان يوجه العرب في خدمة الجهاد الأفغاني، وتفرغ للعمل في المكتب الذي استقطب معظم المجاهدين القادمين لأفغانستان وقام بنشاطات كثيرة في كل أنحاء أفغانستان – تقريبا – بين المجاهدين ما بين تعليمية وتربوية وعسكرية وصحية واجتماعية وإعلامية.
"وقد نبعت الفكرة من رؤية عزام "الإخوانية" لإمكانية تلاحم البلدان العربية والإسلامية مع هذا الجهاد ، وأن طلائع الشباب المسلم الذين سيفدون إلى أرض أفغانستان يمكن استغلالهم في بناء كيان كبير ومؤثر، ليس في أفغانستان وحسب وإنما في كل بقعة من العالم.(11)

رابعًا: 2012- 2013.. و اتفاقات القاعدة والشاطر

بدأت علاقة تنظيم القاعدة بالإخوان المسلمين تظهر جلياً، حينما قام الرئيس المعزول «محمد مرسي» بتعيين السفير محمد رفاعة الطهطاوي رئيسًاً لديوان رئيس الجمهورية، والذي يرتبط بصلة قرابة من الدرجة الثانية بالرجل الأول بتنظيم القاعدة فهو ابن خالة أيمن الظواهري، مما أتاح له ترتيب العلاقات وفتح قنوات الاتصال بين تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين.
رصدت أجهزة الأمن المصرية عدة اتصالات تمت ما بين «محمد مرسي» و«أيمن الظواهري»، تكشف العلاقة بين مؤسسة الرئاسة في عهد المعزول وتنظيم القاعدة، حيث اتفق الطرفان خلالها على إصدار المعزول عفوًا رئاسيًا عن 20 إرهابيًا، بينهم شخص ارتبط بالظواهري منذ الصغر، وآخر يدير تنظيم (أنصار بيت المقدس) من غزة، إضافة إلى فتح باب الجهاد في سوريا.
انتهت المكالمة الأولى باتفاق الطرفين على دعم تنظيم القاعدة للإخوان، خاصة مع تواصل «التنظيم الدولي للإخوان» مع أعضاء تنظيم القاعدة، وكانت قناة الاتصال خيرت الشاطر، نائب مرشد تنظيم الإخوان، ومحمد الظواهري اللذان التقيا أكثر من مرة بعد ذلك.(12)
في أعقاب المكالمة الثانية أعد محمد الظواهري قائمة بأسماء المعتقلين بالتنسيق مع أخيه أيمن الظواهري، شملت بعض ممن يطالبون بالإفراج عنهم، صدقت عليها الرئاسة ومنحتهم العفو.
عقب عودة مرسي من باكستان أصدر قائمة جديدة بالعفو الرئاسي عن عدد من الإرهابيين، على الرغم من التحذيرات الأمنية وتقارير الأجهزة السيادية، وضمت قائمة الأسماء 20 شخصاً خطرًا على الأمن القومي، كما تم الموافقة في هذا التوقيت على رصد التنظيم الدولي للإخوان مبلغ 50 مليون دولار «لقيادات تنظيم القاعدة»، مقابل مساندة الإخوان.
أما المكالمة الأخيرة بين مرسي والظواهري، فكانت فجر 30 يونيو 2013، بحضور أسعد شيخة نائب رئيس الديوان، ورفاعة الطهطاوي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، وشملت المكالمة تحريضاً على المؤسسة العسكرية في سيناء، ومطالبته بدعم شرعية الرئيس وإثارة الفوضى، وقال له: "فيه ناس عايزة تنقلب على الشرعية، ويجب القضاء على المعارضة، بنطالب الجهاديين في كل مكان بمساعدتنا"، وفي هذا الوقت أعطى مرسي إشارة لبدء العمليات الإرهابية في سيناء، وأكدت القاعدة أنها لن تسمح بسقوطه، وقال الظواهري في تلك المكالمة: "سنحارب الجيش والشرطة، وسنشعل سيناء".(13)
مع بدء ثورة 30 يونيو التقى أسعد الشيخة - بعد اتمام الاتفاق - محمد الظواهري، وطلب تفعيل دعم الجماعات الجهادية للرئاسة لقمع المعارضة بأي شكل.
وبحسب تحقيقات النيابة العامة مع محمد الظواهري الذي ألقي القبض عليه صباح يوم السبت 17 أغسطس 2013، واعترف "الظواهري" بأنه تلقى 15 مليون دولار من خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للجماعة الإرهابية، قبل القبض عليه بيوم فقط؛ من أجل شراء أسلحة للجماعات الجهادية في سيناء، وأنه سلم هذه الأموال إلى الدكتور رمزي موافي، المعروف بطبيب بن لادن والذي أرسله أيمن الظواهري إلى مصر بعد ثورة يناير 2011.
وقال "الظواهري": "إن تنظيم بيت المقدس خلية عنقودية يمتلك 15 خلية متفرقة، كل خلية تتكون من 16 فردا، ولها أمير، ويقود كل هذه الجماعات مفتى عام للجماعة يرأسه قائد عام لها، كما كشفت التحقيقات أن القائد العام لهذه الجماعة هو شادي المنيعي، ولكن مفتيها العام غير معروف حتى الآن".
واضاف الظواهري، أن «عملية شراء الأسلحة تمت بالفعل من ليبيا واليمن»، وقال إنه «أعطى صلاح شحاته، أمين عام تنظيم القاعدة في ليبيا جزءًا من هذه الأموال، وقام شحاته بتهريب الأسلحة إلى مصر، وتخزينها في أحد المخازن التابعة لممتاز دغمش، قائد تنظيم جيش الإسلام الفلسطيني، وتم استخدامها فيما بعد». (14)

خامسًا: القاعدة بعد ثورة 30 يونيو 2013:

كان سقوط جماعة الإخوان الإرهابية في أعقاب ثورة 30 يونيو تداعيات كبيرة على الحركات التكفيرية في مصر عامة، وسيناء خاصة، لا سيما أن الجماعة الإرهابية فتحت أرض سيناء كحاضنة رسمية لاستقبال المتطرفين سواء ممن تم العفو عنهم بمرسوم رئاسي من المعزول محمد مرسي، أو ممن فروا من السجون في ثورة يناير، فضلًا عن استقبال سيناء للمتطرفين من كل حدب وصوب، ولا ننسى الاتفاق الذي أبرمه مهندس جماعة الإخوان خيرت الشاطر مع حماس والجماعات التكفيرية بفتح سيناء أرضا لما أسموهم الجهاديين ، والذي أسلفنا ذكره في المبحث السابق.

ويمكن أن نلخص الوضع في سيناء بعد ثورة 30 يونيو إلى ما يلي:
1- اندمجت بعض التنظيمات الجهادية في سيناء التي تمتعت بشهرة وتواجد قوى في الماضي، مثل تنظيم "أنصار الجهاد" القاعدي، وكذلك تنظيم "مجلس شورى المجاهدين أكناف بيت المقدس"، مع تنظيم "أنصار بيت المقدس"، وبدأت تعمل تحت لواء الأخير على الأقل.
2- اختفاء دور تنظيم "جيش الإسلام" نهائياً من سيناء، بعد هدم أكثر من 85% من الأنفاق عقب العملية العسكرية التي قام بها الجيش في سيناء في الفترة الأخيرة.(15)
3- أدى تحالف الجماعات التكفيرية في ذلك الوقت، في شن هجمات نوعية لاستهداف منشآت رسمية خاصة مؤسسات الجيش والشرطة، وأيضًا استهداف شخصيات عامة، منها عبد المجيد محمود النائب العام، ووزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم.
4- كما تنامى معدل العمليات الإرهابية، التي أخذت مستويات وأنماط مختلفة٬ بجانب اتساع رقعتها لتخرج من حيز سيناء لتنتقل للعمق المصري في الوادي والدلتا٬ ووصلت عدد العمليات الإرهابية خلال الفترة من ٤ يوليو ٢٠١٣ إلى ٧ يونيو ٢٠١٤، حوالي (٢٢٢) عملية إرهابية٬ اتسمت بالقوة والاتساع وتنوع المستهدفات، حيث سعت بعض لاستهداف اللواء أركان حرب أحمد وصفي قائد الجيش الثاني أثناء تفقده القوات بمنطقة الشيخ زويد في ١١ يوليو ٢٠١٣، وهي أول محاولة لاستهداف أحد القيادات العسكرية بالجيش المصري٬ ثم جاءت العملية الإرهابية الأكبر من حيث عدد الضحايا باستشهاد ٢٥ ضابط وجندي في ١٩ أغسطس ٢٠١٣ والتي عرفت بمذبحة رفح الثانية.(16)

سادسًا: القاعدة من 2014 حتى الآن:

1- جماعة المرابطين / جند الإسلام/ أنصار الإسلام:
كما ذكرنا في بداية الملف فإن تنظيم القاعدة كيان لا مركزي، فتجد لها أسماء متنوعة تلي كلمة (أنصار)، خاصة وأنها ركزت خلال السنوات الثلاث الماضية على الانتشار في الصحاري، لدعم شبكة لا مركزية من قادة العنف، ولذلك من الصعب الفصل بين كل من "المرابطون"، و"جند الإسلام" و"أنصار الإسلام" الذي أعلن مسؤوليته عن حادث الواحات البحرية، الذي وقع في 20 أكتوبر 2017، خاصة وأن التنظيمات أو الجماعات الثلاثة مرتبطة بـ"هشام العشماوي"، ضابط الصاعقة بالقوات المسلحة والذي تم فصله من الجيش في 2009، بعدما تأكد للمخابرات الحربية عن ميوله المتطرفة.
في البداية يجب الإشارة إلى جماعة "المرابطين" الأم، والتي تأسست في نهاية عام 2013، بعد اندماج تنظيمين هما كتيبة «الموقعون بالدم» التي يقودها الجهادى الجزائري مختار بلمختار، القائد السابق لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، والمخطط لعملية احتجاز الرهائن في حقل عين أميناس للغاز جنوب الجزائر 16 يناير 2013، و وجماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، وينشط تنظيم «المرابطين» في شمال مالي والساحل الإفريقي، حيث نفذ عدة عمليات إرهابية بالمنطقة.

ولكن ما علاقة "المرابطين" الأم، بالجماعة الموجودة في سيناء؟!
في 27 أبريل عام 2013 حيث سافر "هشام عشماوي إلى تركيا عبر ميناء القاهرة الجوي، ومنها تسلل إلى سوريا، وهناك انضم لمجموعات تقاتل ضد نظام بشار الأسد، ثم عاد عشماوي إلى مصر بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، وشارك في اعتصام رابعة العدوية.
ظهر اسم هشام العشماوي لأول مرة بعد مذبحة كمين الفرافرة التي وقعت في 19 يوليو 2014، وذكرت التحقيقات أنه أحد منفذي العملية، التي أسفرت عن استشهاد 22 مجندًا بالقوات المسلحة، في «كرم القواديس» كان حاضرًا، فقاد العملية هو وصديقه المقرب عماد عبدالحميد، الضابط المفصول من القوات المسلحة برتبة «رائد»، كما شارك العشماوي في محاولة اغتيال وزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، في 5 سبتمبر 2013، وتذكر التحقيقات أن «هشام» تولى عملية رصد تحركات الوزير بالتنسيق مع المنفذين للعملية عماد عبدالحميد، ووليد بدر الذي استقل السيارة المفخخة.
ولم يغب « عشماوي» عن حادث اغتيال النائب العام، المستشار هشام بركات، حيث تشير التحقيقات إلى أنه خطط بنجاح لتفجير موكب النائب العام على بعد خطوات من سور الكلية الحربية، وكشفت التحقيقات أن هشام قاد السيارة المفخخة متنكرًا ليركنها (صف ثاني) في مسار الموكب قبل التفجير بدقائق.(17)
في نوفمبر 2014 أعلن تنظيم أنصار بيت المقدس بيعته لتنظيم الدولة الإسلامية؛ وهو الأمر الذي رفضه هشام العشماوي مسئول التنظيم بالوادي، وجاء الإعلان الأول عن تنظيم المرابطين عبر منتديات الفداء الإسلامية القريبة من تنظيم القاعدة بعد شهرين من بيعة أنصار بيت المقدس لتنظيم الدولة. (18)
بعد انفصال العشماوي عن "بيت المقدس"، سافر إلى درنة الليبية، وتدرب في معسكرات جماعة "المرابطون"، بقيادم الجزائري مختار بلمختار، التابع لتنظيم القاعدة هناك، بإشراف عبدالباسط عزوز، مستشار أيمن الظواهري، وزعيم تنظيم القاعدة، وتعد ليبيا هي المحطة الأهم في مسيرة هشام عشماوي، حيث أنشأ جيشه في معسكرات درنة استعدادًا لاجتياح البوابة الغربية لحدود مصر، وهناك أيضًا كان يتلقى العلاج نتيجة لإصابته.
وهو ما ظهر لاحقًا في الإصدار الذي نشره بتاريخ 30 يونيو 2016، بعنوان «انصروا بنغازي» دعا فيه للنفير ونصرة «المجاهدين» المدافعين عن بنغازي، ممتدحًا توحد التنظيمات المدافعة عن المدينة تحت لواء واحد؛ يقصد سرايا الدفاع عن بنغازي؛ وهو ما يعكس دلالتين أولهما أهمية ليبيا كمرتكز للتنظيمات القريبة من القاعدة في مصر.
والثاني تفهم "عشماوي" للتعاطي السياسي والتحالفات التي تبنتها تنظيمات قريبة من القاعدة في بنغازي وهو ما قد يعمل عليه في مصر. (19)
ظهر الإصدار الأول «ويومئذ يفرح المؤمنون» لهشام العشماوي الملقب بأبي عمر المهاجر المصري على اليوتيوب بعنوان بداية انشقاق ضباط الجيش المصري، والذي تم حذفه لاحقًا، وتم تعريفه في التسجيل بأمير جماعة المرابطين في 21/7/2015.(20)
وجاء الترويج للتنظيم الجديد عن طريق كلمة بثها العشماوي، ظهر فيه صورة أيمن الظواهري زعيم القاعدة، حيث بدأ التسجيل الصوتي في التحريض ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والجيش في كلمة بلغت مدتها نحو 6 دقائق.
لمعرفة المزيد عن جماعة المرابطين اضغط هنا
2- تنظيم جند الإسلام:
تضاربت الأقاويل حول نشأة جند الإسلام فالبعض يعزي الظهور الأول في أعقاب ثورة يناير 2011، بعدما انضمت جماعة "أنصار الجهاد" لتنظيم «أصحاب الرايات السوداء» وأطلقوا على أنفسهم تنظيم "جند الإسلام"، بينما يرى بعض الخبراء أن الظهور الأول للجماعة من خلال بيان أطلقته على منتدى "شموخ الإسلام"، القريب من القاعدة في 12 سبتمبر 2013، تبنى فيه التنظيم تفجير مبنيين أمنيين من بينهما مبنى المخابرات الحربية برفح، ووعد بنشر تفاصيل العملية في إصدار مرئي، وهو ما لم يحدث إلا في 8/8/2015، وذلك من خلال نشر إصدار "سبيل العزة الثاني: غزوة رفح"، نشر فيه كلمات وتوصيات «الاستشهاديين» اللذين قاما بالعمليتين، وتسجيل لرصد مبنى المخابرات الحربية برفح قبل العملية، وتسجيل آخر لوقت التفجير. (21)
شهد عام 2015 نشاطًا وتواجدًا إعلاميًا لجماعة "جند الإسلام" إذ أصدرت  في خمسة أشهر أربعة إصدارات مرئية كان أولها بعنوان "سبيل العزة 1"، وذلك في 5 مايو 2015، والثاني كان بعنوان "سبيل العزة 2"، في 8 أغسطس 2015، والذي شرح فيه عشماوي  تفاصيل عملية تفجير مبنى المخابرات الحربية في 11 سبتمبر 2013، أما الثالث فكان بعنوان "يومئذ يفرح المؤمنون"، والذي بدأ بكلمة لأيمن الظواهري أعقبها كلمة للعشماوي، أما الرابع والأخير فكان بتاريخ 31 أكتوبر بعنوان "واعدوا لهم".

هشام العشماوي:
إذا هل بمعاودة ظهور تنظيم "جند الإسلام" اختفى تنظيم المرابطون؟
لا لم يختف وهذا وضح في الإصدارات التي بثها تنظيم "المرابطون" عام 2016، ففي 2 مارس 2016  بث التنظيم الإصدار الثالث للجماعة، وهو عبارة عن الحلقة الأولى من سلسلة «الطريق إلى الثورة الإسلامية لتحكيم الشريعة الإسلامية» تحت عنوان «العلماء ورثة الأنبياء»، وهو تسجيل صوتي عبارة عن محاضرة منهجية دعوية عن أهمية دور العلماء في مواجهة النظام وإعلان «الجهاد ضده»، ولم تظهر الحلقة الثانية للسلسلة والتي جاءت بعنوان «أعيدوا حق الله» إلا في 18 يناير 2017، وهي محاضرة منهجية أيضًا عن ضرورة تحكيم الشريعة الإسلامية.
وفي الفترة بين هاتين الحلقتين تم نشر تسجيلين آخرين لعشماوي، الأول بتاريخ 6/6/2016 تعزية في الملا أختر منصور زعيم طالبان الذي قتل في أواخر مايو 2016، فضلًا عن إصدارات أبو حمزة الأنصاري، منظر التنظيم، الذي تفوق على عشماوي في عدد تسجيلاته بأربع سلاسل منهجيه ودعوية، بلغ مجموع عدد حلقاتها 71 حلقة، بدأ نشرها في 14 مايو 2016 وكان آخر ما نشر له في 19 أكتوبر 2017.(22)

3- تنظيم "أنصار الإسلام":
يعد "أنصار الإسلام" أحدث نسخة لتنظيم القاعدة في مصر، والذي أعلن عن مولده في 19 أكتوبر 2017، أي قبل يوم واحد فقط من عملية الواحات، كما تم إُنشاء قناة حراس الشريعة «مصر الكنانة»، ووصفت نفسها بأنها "قناة جهادية تحريضية"، كما وصفت نفسها بأنها أول قناة جهادية عاملة من مصر الكنانة يكتب بها "أسود من ثغور العز"، مبشرة  متابعيها «بمضي سفينة الجهاد في مصر نقية صافية خفاقة حتى تحرير بيت المقدس»، وبعد الحادثة بعدة أيام أعلن التنظيم مسؤوليته عن حادثة الواحات.

الخلاصة:

نستنتج مما سبق الآتي:
أولًا: في الفترة التي تلت عام 2013، وبالتحديد بعد تفجير مبنى المخابرات وحتى حادثة الواحات البحرية في 2017، لم يتوقف تنظيم القاعدة بمسمياته الثنائية (المرابطون/ جند الإسلام)، وحتى في أحدث نسخة له (أنصار الإسلام) عن العمل وتوسيع قاعدة عمله سواء في سيناء، أو في الصحراء الغربية، خاصة وأن الحدود الغربية بامتدادها مع ليبيا تعد من أهم الجهات التي يستمد التنظيم منها الدعم اللوجيستي والمعلوماتي والعسكري، لتنفي القاعدة بنسخها الثلاثة ما يردده المتخصصون في الجماعات الجهادية والتكفيرية بثمة تعاون أو اتفاق بين "ولاية سيناء" التابعة لداعش ، وبين التنظيمات الجهادية التابعة للقاعدة، خاصة تلك المتواجدة في سيناء، بعد أن وحدوا رؤاهم وأهدافهم في استهداف الجيش المصري. وذلك لعدة أسباب وجيهة هي:
- وصول الخلافات بين الظواهري والبغدادي إلى ذروتها في السنوات الثلاثة الماضية إلى حد قيام البغدادي بتكفير الظواهري، بل ووصل الأمر إلى الإفتاء بإهدار دم الأخير.
- أن الظواهري لن يقبل أبدًا انضمام أحد أذرع التنظيم والانضواء تحت راية داعش لما يحمله من اعتراف ضمني من التنظيم العجوز بقوة وسيطرة التنظيم المنشق، مما يسيء لسمعة القاعدة في سوريا وإفريقيا وبين التنظيمات الجهادية المتفرقة التي تفاضل في الانضمام ما بين داعش والقاعدة.
- عملت القاعدة من خلال عشماوي في الأربعة أعوام المنصرمة من 2013 حتى 2017، على تجنيد الضباط الذين تم فصلهم من الخدمة سواء من الجيش أو من الشرطة، وهذا وضح في عملية محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، بعدما أدرجت تحقيقات النيابة 3 أسماء لضباط سابقين متورطين في عمليات إرهابية وهم: رامي الملاح، ووليد بدر (قتل في حادثة الاغتيال الفاشلة)، وعماد عبدالحميد.

ثانيًا: ظهور التسجيل الصوتي لحمزة بن لادن في كلمة تحريضية له مطلع شهر نوفمبر الحالي، بعد 18 يوم من عملية الواحات، وقبل إصدار جند الإسلام لبيانها الصوتي باستهداف عناصر داعش يعكس أمران:
- أن أرض العمليات القادمة للتنظيم الأم ستكون في إفريقيا بدءًا من مصر وصولا لوسط إفريقيا نهاية بنيجيريا، وستكون بقيادة حمزة بن لادن.
- أن التنظيم العجوز استطاع من تجديد قوته العسكرية البشرية بعد أن ضخ دماء جديدة في التنظيم، وبعد أن أعاد بناء هيكله في إفريقيا.
- أن القاعدة من القوة لتفتح جبهتين في البلدان التي تستهدفهم الأولى محاربة الأنظمة الحاكمة، والثاني محاربة تنظيم داعش والمنتمين له، مما يعني أنه يريد أن يثبت قوته وبأسه؛ ليبرهن أن أصل الحركة الجهادية تعود له، وعلى من يريد الجهاد الانضمام له هو، وليس لغيره من التنظيمات المنشقة.

قائمة المصادر والمراجع:

1- الدكتور عبد الرحيم علي، داعش والخروج من رحم الإخوان، المعهد العربي للدراسات، القاهرة، مارس 2017، ص 38.
2- نفس المرجع السابق، الدكتور عبد الرحيم علي، داعش والخروج من رحم الإخوان، ص62
3- من هم "جند الإسلام" في سيناء.. ولماذا عادوا إلى الظهور؟ (تقرير تحليلي)، هشام السروجي، موقع صوت الأمة، الأحد، 12 نوفمبر 2017، http://www.soutalomma.com/Article/708329/%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%85-%D8%AC%D9%86%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%88%D8%A7-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B8%D9%87%D9%88%D8%B1 .
4- نفس المرجع السابق
5- علي بكر، التنظيمات الجهادية في سيناء والأمن القومي المصري، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، العدد 62، القاهرة، http://ncmes.org/ar/publications/middle-east-papers/163 
6- منبر التوحيد والجهاد، صفحة محمد خليل الحكايمة، http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_2569.html
7- تنظيم القاعدة في أرض الكنانة،  محمد خليل الحكايمة، شبكة فلسطين للحوار، 24 يونيو 2007، https://www.paldf.net/forum/showthread.php?t=146949 
https://www.paldf.net/forum/showthread.php?t=146913
8- "جند الله" تنظيم تكفيري برعاية "أنصار بيت المقدس" و"أجناد مصر"، بوابة الحركات الإسلامية، 7 مارس 2015، http://www.islamist-movements.com/26361 
9- مصدر سبق ذكره، هشام السروجي، من هم "جند الإسلام" في سيناء.. ولماذا عادوا إلى الظهور؟.
10- محمد مقلد، جهود مكافحة الإرهاب تغير ملامح خريطة الجماعات الإرهابية في سيناء، موقع جريدة الوطن، 16- نوفمبر 2017، العدد 2027، https://www.elwatannews.com/news/details/2714645 .
11- الدكتور عبد الرحيم علي، داعش والخروج من رحم الإخوان، المعهد العربي للدراسات، القاهرة، مارس 2017، ص 12،13.
12- خالد عكاشة، أمراء الدم.. صناعة الإرهاب من المودودي إلى البغدادي، دار سما للنشر والتوزيع، القاهرة، 2015، ص 401.
13- خالد عكاشة، نفس المرجع السابق، ص 410
14- خالد عكاشة، نفس المرجع السابق
15- علي بكر، التنظيمات الجهادية في سيناء والأمن القومي المصري، مصدر سبق ذكره.
16- أحمد كامل البحيري، العمليات الإرهابية: المسارات والخصائص منذ يناير ٢٠١١، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 25 يناير 2017، http://acpss.ahram.org.eg/News/5669.aspx 
17- جماعة المرابطون، موقع بيلويار، موقع العمليات، http://beloyar.org/%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7%D9%88%D9%86/
18- عمار شرف، خطاب القاعدة الإعلامي في مصر من المنتديات إلى التليجرام، مركز إضاءات للدراسات، 9 نوفمبر 2017، https://www.ida2at.com/al-qaeda-in-egypt-from-forums-to-telegram/
19- عمار شرف، نفس المرجع السابق.
20- نفس المرجع السابق.
21- نفس المرجع السابق.
22- نفس المرجع السابق.

شارك