«داعش المركزي».. ماذا بعد تحطم "كرسي الخلافة" المزعومة؟

السبت 06/يناير/2018 - 05:33 م
طباعة «داعش المركزي»..
 
يبقى تنظيم «داعش» هو الأساسى فى مستقبل منطقة الشرق الأوسط والإرهاب العالمي، فرغم تفكيك ما يسمى بـ «الخلافة المزعومة» فى سوريا والعراق، فإن هذا لا يعنى نهاية إرهاب تنظيم «داعش» بقيادة أبو بكر البغدادي، فمن المرجح أن يشهد الشرق الأوسط والعالم خلال ٢٠١٨، تغييرات جديدة فيما يتعلق باستراتيجيات التنظيمات الإرهابية والتكفيرية المسلحة، بل وخريطة الإرهاب كليًا، ومن المحتمل وقوع هجمات استراتيجية فى ظل تنامى ظاهرة «العائدين» و«الترانزيت الجهادى»، ومحاولاتهم المستميتة فى زعزعة الاستقرار والأمن فى كل المناطق التى تصل إليها أياديها. والحديث هنا يخص التنظيم الأكثر شراسة فى التاريخ المعاصر، ألا وهو «داعش» الذى أعلنت أغلب القوى الرئيسية فى العراق وسوريا، انتصارها عليه، وإلا أنه فى المقابل يوجد ما يؤكد أن هذا التنظيم لم- ولن- يختفى بسهولة، وإن جرى استعادة الأراضى التى سيطر عليها يومًا ما، وبحسب ما توارد من أخبار وتقارير على مدار الأسابيع الماضية، عن معارك وتحركات قام بها «داعش» فى مناطق متعددة، وما تحدث منها عن أحراز عناصر «داعش» لعمليات مؤثرة أو تقدمًا فى بعض المعارك، يشير إلى أن الحرب على التنظيم لم تحقق انتصارًا حاسمًا حتى الآن، وأن العام الجديد سيشهد معارك جديدة ولو بصورة مختلفة.
وطبقًا للمعطيات الميدانية، فيما يخص شكوك البعض فى مسألة الانتصار الحقيقى على التنظيم، أشارت تفاصيل عدد من المعارك إلى انتشار الآلاف من عناصر التنظيم فى وحدات إرهابية، وثمة آلاف أخرى قد تنخرط ضمن خلايا نائمة للتنظيم، تعمل على إعادة ترتيب الصفوف لاستئناف المعارك فى سوريا والعراق وغيرها من المناطق التى تضم مجموعات تابعة للبغدادي.
وبعض من الشواهد فى الحرب على «داعش»، تقول إن ما وقع لم يكن هدفه حسم الصراع مع «داعش» أو تصفيته، بقدر ما كان هدفه تحجيم التنظيم فقط، ومسألة إخلاء الموصل والرقة من «الدواعش»، لن تكون هزيمة نهائية للتنظيم، وإنما ستمثل عودة إلى مستوى آخر، وشكل مختلف من التمرد، بما يشير ضمنًا إلى فرضية استغلال التنظيم للصراعات والأزمات المتوقعة مستقبلًا فى العراق وسوريا، كما حدث خلال الفترة ما بين ٢٠٠٩ و٢٠١٢، أى الفترة الممتدة بين هزيمته كتنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق» وإعادة بروزه فى إبريل ٢٠١٣.

«داعش العراق» يبحث عن فرصة جديدة

«داعش العراق» يبحث
بالنظر إلى الدولة العراقية، سنجد أنها قد تبدو على قدر من الاستطاعة لتحقيق شىء من الاستقرار ولو نسبيًا، خلال العام ٢٠١٨، خاصة مع الانتصار السياسى الذى حققه رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادي، بفوزه على تنظيم «داعش»، وإحباط استفتاء استقلال كردستان. وفى حين ذلك تتنبأ الشواهد العامة، أن تنامى الأذرع الإيرانية بالداخل العراقى سيؤدى إلى إفشال الحكومة العراقية، وعدم قدرتها على التعامل مع الأزمات السياسية، والاجتماعية، والإيديولوجية.
وبالتالى الحديث على اختفاء «داعش» نهائيًا من العراق، قد يكون من المستبعد إلى حد ما كبير، وعلى الأقل قد يؤجل التنظيم، التفكير بالشروع فى حملة إرهابية فعالة داخل الأراضى العراقية قريبًا، وهذا لعدة أسباب، أبرزها أنه يعيش حاليًا حالة من الصراع على زعامة «حماية أهل السنة»، عقب ظهور منافسين جددًا له حول هذه المسألة من داخل الحركة السلفية الجهادية، وربما قد تظهر فرق وتيارات من داخل التنظيم نفسه على إثر انقسامات قد تحدث فيما بعد، واقتتال داخلى بين تيارات مختلفة يسعى كل منها لفرض رؤيته على التنظيم.
ومن الأسباب أيضًا، ما يتعلق بملف العناصر العربية، والأجنبية، التى لم يعد التنظيم قادرًا على حمايتها، فبدأ فى طردهم، وهى القوة التى كانت حتى وقت قريب قسمًا كبيرًا من قوة داعش البشرية، أصبحت اليوم نقطة ضعف رئيسية للتنظيم، نظرًا لأن جزءًا كبيرًا من هذه العناصر لن يتمكن فى الغالب من العودة إلى بلاده الأم، ومن حيث وضع معظمهم على قوائم ترقب الوصول لدى كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية لأوطانهم وغير أوطانهم أيضًا، وهنا تجدر الإشارة إلى خطورة بقائهم داخل الأراضى العراقية أو تسللهم داخل بلدان الشرق الأوسط.
وفى هذه الحالة قد يندمجون داخل تنظيمات أخرى، أو تجنيدهم من قبل الأجهزة الأمنية، ومن المرجح فشله فى حماية عناصره العرب والأجانب، ممن هاجروا إلى «دولة الخلافة» المزعومة على قدر استطاعته، وطردهم هو الأساس بالنسبة له رغم صعوبة تحقيقه، بما يشير إلى أنه سيحتاج بعضًا من الوقت لحسم هذه المسألة، وإعادة ترتيب أوضاعه من جديد، إن بقى دون مواجهات مستمرة.
ومما لا يجب إغفاله، أن العراق ستشهد عمليات نوعية تنفذها عناصر عراقية تختبئ وسط الأهالي، وهذا استنادًا إلى تلك المعارك التى نفذها التنظيم فى الموصل، قبل هزيمته الأخيرة، بعدد من العمليات الانتحارية يقترب من الألف، معظم منفذيها كانوا عراقيين من الموصل، متأثرين بالفكر الداعشى بعد سيطرة التنظيم على المدينة. 
وهذا يعنى أن «داعش» بات لديه قاعدة شعبية، لا يُستهان بها فى الموصل أو العراق بشكل عام، ومن المفترض مبدئيًا أن التنظيم قد يلجأ إلى الانتظار، ليعيد تسليح نفسه وتدريب من تبقى من أذنابه وعناصره، وتحين الفرصة للقيام بضربات جديدة.
وفيما يخص ملف «حماية أهل السنة» فى العراق، وهى المعضلة القديمة، والسابقة على وجود «داعش»، ولا تزال مستمرة على ما يبدو رغم محاولات التقريب بين المناطق السنية والحكومة المركزية الشيعية العراقية، وهذه تعد المدخل الذى استثمره «داعش» فى البدايات، بهدف التمدد وتوسيع نطاق النفوذ، وبحلول العام ٢٠١٤، رحبت قطاعات من العراقيين السنة بتنظيم داعش، نكاية فى النخب غير المسئولة، والمتهمة بالفساد، وحكومة المالكى وممارساتها، وأخيرًا حكومة العبادي.
ويبقى سؤال ربما قد تكون إجابته صادمة، ألا وهو: من سيملأ الفراغ بعد رحيل داعش؟! لتكون الإجابة عنه أن هذه المسألة فى الغالب- إذا لم تنضبط الأوضاع بشكل مغاير عن المعمول به- ستكون سببًا فى أحد الخيارين، إما تشكيل تنظيم جديد بديلًا عن «داعش»، أو انبعاث «داعش» نفسه من جديد مستقبلًا، بدعوى التصدى للفساد، وعدم الثقة بين السنة والحكومة المركزية، والإيديولوجيات المتطرفة، ورفض السنة المستمر لهيمنة الشيعة.

«البغدادى» يختفى فى 2018

 «البغدادى» يختفى
من المؤكد أن الشهور المقبلة ستجيب بشكل قاطع عن المكان الذى يعيش فيه أو يختبئ فيه، أبو بكر البغدادى وباقى قيادات الصف الأول للتنظيم، ففى الفترة الأخيرة، تناول البعض رواية تفيد بإلقاء قوات أمريكية القبض على أبو بكر البغدادى مؤسس تنظيم «داعش» الإرهابي، وهى الرواية التى ساهم فى تضخيمها ممثل البنتاجون «أدريان رانكين»، عندما رفض التعليق عليها عندما تلقى سؤالًا بشأن احتجازه داخل قاعدة «رميلان» التابعة للولايات المتحدة بمحافظة الحسكة شمال سوريا.
وهى الرواية التى زعمتها مصادر سورية، وأضافت، أن عملية القبض عليه تمت وبرفقته ٧ من قيادات «داعش»، بينهم عراقى والآخرون أجانب، وفى وقت سابق صرح المتحدث الرسمى لوزارة الدفاع العراقية، يحيى رسول- استنادًا إلى تقرير للمخابرات العراقية- أن زعيم تنظيم «داعش»، لا يزال على قيد الحياة ويختبئ بالقرب من الحدود العراقية السورية، وإضافة إلى ذلك صرحت قيادات بالحشد الشعبى العراقى أن البغدادى محتجز لدى القوات الأمريكية.
وعلى مدار السنوات السابقة أثير حول «البغدادي» العديد من التساؤلات حول مكان اختبائه، فمنذ ظهوره الأول، فى تسجيل مصور بالجامع الكبير فى مدينة الموصل العراقية، الجمعة ٤ يوليو ٢٠١٤، لم يعلم أحد مكانه.
وقد ظهرت العديد من السيناريوهات المحتملة، عن المكان الذى يحيا فيه؛ فإن لم يكن فى قبضة الأمريكان؛ فإنه على الأرجح يتواجد إما فى «جبال حمرين» بمحافظة ديالى، التى تتمتع بطبيعة جبلية وعرة، أو فى منطقة الحدود (السورية- العراقية)، وهى المنطقة التى يسميها التنظيم «ولاية الفرات»، أو بمدينة البوكمال شرق سوريا، بحسب ما تناقله البعض عن رؤيتهم لاثنين من مساعديه فيها.
كما ظهرت أيضًا على السطح روايات عدة، تحدثت عن احتمالية هروبه إلى تركيا، وأخرى أشارت إلى إمكانية وجوده فى ليبيا، استنادًا إلى واقعة العثور على رسائل له فى الجنوب الليبي، وذكرت صحيفة إنجليزية فى وقت سابق إن البغدادى فر إلى مدينة سرت فى ليبيا عقب نجاته من غارة جوية فى العراق، واختفاء الرجل الأول فى التنظيم بأى حال سواء تم قتله أو القبض عليه أو اختبائه؛ فإن فشل التنظيم مؤخرًا يعنى أنه لم يعد لديه دور خلال العام ٢٠١٨، وإن بات له دور، سيكون بتأثير أقل من ذى قبل.
وبحسب آخر المستجدات، فمن المتوقع بالنسبة للقيادة المركزية لـ «داعش»، وعلى رأسها البغدادي، أنها ستعمل على إعادة تشكيل التنظيم من جديد داخل إحدى ولاياته، فى إطار سيناريو محتمل من ناحية، أو قد تتبنى سياسة اللامركزية، بالسماح لكل فرع يعمل تحت لافتة التنظيم وحلم الخلافة، دون الالتزام بالقواعد الرئيسية للتنظيم المركزي، وفى كلتا الحالتين يجدر بنا التأكيد من جديد على استمرار بقاء إرهاب «داعش» على قدر أوضاعه الجديدة.
وبالنظر فى الهيكل التنظيمى العام لـ «داعش» يتبين أولًا أن النخبة القيادية للتنظيم هى تقريبًا عراقية بالكامل، بما فيها رءوس الفروع فى كل من سوريا وليبيا وشمال سيناء، بما يجعله تنظيمًا عراقيًا، أكثر منه تنظيمًا دوليًا.
وثانيًا، بالعودة إلى تاريخ تشكيل هيكل القيادة المركزية أواخر عام ٢٠١٠، مع تولى أبو بكر البغدادى القيادة، ظهر أنه رحب بانخراط عدد من رجال الأمن العراقى ممن كانوا خارج الخدمة أو من تركوها فيما بعد، لرفع كفاءة قدرات التنظيم العسكرية، رغم عدم اعتقادهم بالفكر الدينى للتنظيم، وانضمامهم كان للثأر من النظام العراقى الحاكم، ومحاولة استعادة هيمنة السنة على النظام السياسي، وهى العناصر التى تعتبر العمود الفقرى للتنظيم، ويستبعد تخليهم عن بلدهم العراق. وهذان الأمران يشيران مبدئيًا إلى أن المستقبل قد يحمل تغييرات جذرية فى البنية الإدارية للتنظيم المركزي، إذا أراد أو استطاع الحفاظ على وجوده.

سوريا.. معركة بقاء «الأسد»

سوريا.. معركة بقاء
ليس من المُعتقد أن يشهد الملف السورى اختراقًا واسعًا من «داعش» كما حدث من قبل نتيجة الصراع السياسى داخل الأراضى السورية بين الجيش النظامى وكتائب المعارضة المعروفة بالجيش الحر، فبات الأمر مختلفًا فى الوقت الراهن، نظرًا لوجود «تفاهمات سياسية»؛ حيث روسيا التى تحدد قواعد اللعبة فى الملف السوري، بجانب قوى فاعلة إقليميًا وعالميًا، لديهم إجماع ضمنى على بقاء بشار الأسد فى السلطة للمرحلة المقبلة، وهذا يأتى فى ظل تمدد الأذرع الإيرانية بالداخل السورى.
بالمقابل، كشفت استطلاعات رأى وتقديرات، أن عددًا قليلًا يحدوه التفاؤل بأن الحرب السورية ستنتهى خلال العام الجديد، رغم اعتقاد الكثيرين أنها لن تستمر إلى ما بعد السنوات الخمس المقبلة، وفى كلتا الحالتين، بات خروج أغلب قيادات داعش من الأراضى السورية أمرًا واقعيًا، فربما مضوا إلى مكان آخر على الحدود السورية أو العراقية، أو تم نقلهم إلى تركيا أو ليبيا أو شبه جزيرة سيناء بتدخل تركى وقطري، مما اضطر إلى إعادة اختراق مناطق فى العراق من بينها محافظة ديالى التى يتردد أن عدة آلاف من الدواعش يختبئون بها.
ومن تبقى قد يشكل خلايا نائمة داخل سوريا، وبالإمكان هنا الاستمرار فى العمل بموارد مالية ضعيفة، تشبهًا بنهج سلكته القاعدة منذ ١٨ عاما، ففى سوريا سيستفيد تنظيم «داعش» من الاضطرابات المتوقع استمرارها، حيث إن نظام الأسد لن يتمكن- إلى حد كبير- من السيطرة على المعاقل السنية شرق سوريا فى أى وقت قريب، مما سيجعل من التنظيم أحد الجماعات القليلة القادرة والراغبة فى تقديم من الخدمات لأهالى هذه المناطق، رغم نجاح جهود استعادة الرقة وما حولها بالكامل. وبالقطع، سيحمل ٢٠١٨، تحديات جديدة للتحالف المضاد لداعش فى سوريا، أهمها تحدى إدارة الأراضى التى خضعت لسيطرة التنظيم فى الفترات السابقة، بما يجعل دراسة العوامل الثلاثة التى ستؤثر بشكل كبير فى مسارات داعش المستقبلية أمرًا ضروريًا، وتتلخص هذه العوامل فى وضع أهل السنة فى سوريا، وخيارات الحكومة السورية، وخيارات الفواعل الخارجية المنخرطة فى الحرب ضد داعش أو تدعمه بشكل مباشر أو غير مباشر، وهى نفسها العوامل التى تنطبق على العراق.

تركيا.. مواجهة الأكراد بتمويل «الدواعش»

تركيا.. مواجهة الأكراد
أما بالنسبة للأكراد فى سوريا، فمسألة مواجهتها كانت أحد الدوافع وراء تسامح وتعاون تركيا ودعمها للتنظيمات السلفية الجهادية النشطة فى سوريا وعلى رأسها «داعش»، وربما وجدت فى هذه التنظيمات حليفًا طبيعيًا ضد خصومها من الأكراد، ثم بعد أن تحول تنظيم داعش إلى خطر وتهديد لها، شاركت تركيا بالفعل فى التحالف الدولى ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة، ولكنها لم تتخل عن نظرتها تجاه قوات سوريا الديمقراطية الكردية- الشريك الأمريكى على الأرض- والتى تعتبرها تركيا تهديدًا أكبر من تهديد «داعش»، وترى أنقرة أن إضعاف تنظيم داعش بدرجة كبيرة سيخلى الساحة أمام قوات سوريا الديمقراطية، بما يمنحها فرصة التمدد بشكل أكبر واستعراض نفوذها فى مواجهة تركيا.

شارك