تقرير أمريكي.. مكافحة مصر للإرهاب ممتد إقليميًا

السبت 06/يناير/2018 - 10:32 م
طباعة تقرير أمريكي.. مكافحة
 
نشر موقع "فورين أفيرز" الأمريكي تقريرًا مطولًا بعنوان "مصر أولاً.. في عهد السيسي سياسة خارجية أكثر استقلالًا"، كتبه كل من مايكل وحيد حنا، ودانيال بنيام، تناولا فيه السياسة الخارجية للدولة المصرية وبالتحديد في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكيفية تأثر هذه السياسة بالسياسة الداخلية التي اعتمدت على محاربة المتطرفين الإسلاميين، وبتر الحركات الإرهابية، وما تناقض من هذه السياسة مع بعض الدول في الإقليم، المقال الذي ترجمه بوابة الحركات الإسلامية.
ويرى كل من وحيد حنا وهاني بنيام أن الأزمة اللبنانية هي النقطة الفاصلة التي عبرت عن موقف سياسة مصر الواضحة تجاهه الإقليم، ففي نوفمبر 2017، قام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان – في محاولة متهورة لعزل إيران - إجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على تقديم استقالته أثناء زيارة الأخير للرياض، اعتمد ولي العهد وقتها على دعم حلفائه العرب من السنة، إلا أن مصر كانت الدولة العربية التي امتنعت عن التصويت، وبدلا من دعم أكبر حليف إقليمي ورئيسي لها، سعت مصر على الفور بالتعاون مع فرنسا لإيجاد حلًا دبلوماسيًا، وقامت باستضافة الحريري في القاهرة، مطالبة بعودته إلى لبنان كرئيس للوزراء، موقف مصر ركز على "أهمية الحفاظ على استقرار لبنان ورفع المصالح الوطنية له"، لتضرب بشعار الرياض الذي رفعته مؤخرا "من ليس معنا فهو ضدنا"، في محاولة منها لإعادة ترتيب الشرق الأوسط إلى قسمين إما مع سلمان أو مع طهران.
ولم يكن الحريري هو الزائر الوحيد البارز للقاهرة لرفع المخاوف لدى حلفاء مصر منذ زمن طويل، ففي 11 ديسمبر 2017 زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين البلاد؛ لتسليط الضوء على تعميق العلاقات بين مصر وروسيا، بما في ذلك الاتفاق المحتمل الذي يسمح للطائرات الحربية الروسية استخدام القواعد العسكرية المصرية، وهذا على الرغم من عقد مصر للدفاع لمدة أربعة عقود، و 50 مليار دولار مع واشنطن.
قد يؤدي هذا الاستقلال إلى إحباط حلفاء القاهرة، والمتابع لسياسة مصر منذ يوليو 2013، وبالتحديد بعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، سيجد أن سياستها الخارجية اتسمت بالسير على طريقتها الخاصة، وفي ظل رئاسة عبد الفتاح السيسي، قامت القاهرة تدريجيا بصياغة مبدأ جديد لسياستها الخارجية يقوم على الالتزامات الأيديولوجية لمكافحة الإسلاميين، واحترام مفاهيم السيادة وعدم التدخل التقليدية في كثير من الأحيان، وبتأكيد وطني قاطع على حرية مصر في المناورة داخل المنطقة، وإذا ما أخذنا معا هذه الرؤى فلا عجب إذن أن تقودها بعيدا عن حلفائها التقليديين نحو مستقبل أكثر استقلالا.

نحو نظرة عالمية جديدة:
تعود جذور السياسة الخارجية المصرية الجديدة إلى ثورة 25 يناير عام 2011، والتي أدت إلى الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، لتتحول مصر من دولة قائدة للعالم العربي وقوة بارزة على الساحة العالمية، بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر، ولكن في عهد مبارك، وخلال فترة حكمه التي بلغت قرابة 30 عاما، حول البلاد إلى حليف للولايات المتحدة موثوق به، ويمكن التنبؤ به إلى حد كبير، وحليف وثيق للشركاء الأمريكيين مثل المملكة العربية السعودية، وافتقدت جزءًا كبيرًا من تأثيرها الإقليمي.
وعلى الرغم من أن القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية كانت ثانوية بالنسبة لمثيلاتها المحلية التي أثارت الانتفاضة، إلا أن مطالب المتظاهرين تضمنت فكرة واضحة عن استعادة الكرامة الوطنية التي تمتد إلى نطاق السياسة الخارجية، ونجحت طوال فترة الانتقال المضطربة في مصر.
وطوال فترة ما بعد مبارك المبكرة، ناقشت النخب المصرية وأفراد الجمهور كيفية استعادة استقلال بلادهم للعمل وتنويع علاقاتهم مع الخارج، وقد شهدت رئاسة مرسي، على سبيل المثال، زيارات إلى بكين وموسكو، هذا التوجه للسياسة الخارجية بعد ثورة يونيو 2013، كان جزءًا من الاحتياجات الاقتصادية والسياسية والأمنية الملحة في الداخل، ولكن ظلت معركة البلاد ضد الإسلاميين ونقص ميزانية الدولة الشاغل الأكبر للمسئولين، وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، استقرت الحياة الاقتصادية والسياسية في مصر جزئيا في ظل السيسي، تطورت هذه الاتجاهات المتناثرة في البداية بشكل متزايد إلى نظرة عالمية متماسكة.
أول ملمح من ملامح سياسة السيسي والأهم هو معاداة الإسلاميين، كانت المعارضة الصارخة والمتشددة لجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها هي مبدأ ترتيب نظام السيسي، وأصبحت الآن السمة الأكثر سيادة للحياة السياسية المصرية، رغم أن نظام السيسي استهدف جميع أشكال التعبير السياسي والمعارضة، فقد ركز بشكل خاص على جماعة الإخوان المسلمين، وقد لجأت الحكومة، في جهودها الرامية إلى القضاء على التنظيم، إلى قمع واسع لعناصر التنظيم الإرهابي، لتدرجها على قوائم التنظيمات الإرهابية، ولم تقتصر جهود مصر في حملتها ضد الإخوان داخليا، خاصة وأن التنظيم الدولي يعد تهديدًا دوليًا، وسعت مصر إلى الضغط وإضعاف الجماعات التي تعتبرها فروع تابعة للإخوان في ليبيا وقطاع غزة، (تعتبر التحركات الأخيرة التي قامت بها مصر لتحسين العلاقات مع حماس، وهي فرع فلسطيني من جماعة الإخوان، استثناء براجماتيا نادرا عن عداءها المتواصل عادة للإسلام السياسي)، كما كان موقف مصر حاسمًا في رفضها استخدام المسلحين الإسلاميين المتشددين كوكلاء حرب، وأداة في أي من صراعات المنطقة ، وهو ما عبر عنه أحد المسؤولين في مقابلة صحفية من الوقوع في هذا "المستنقع" الخطير، لأن مثل هذا النهج سيؤدي إلى المشهد السوري، وقد أدت هذه المعادية للإسلاميين إلى انحياز مصر بهدوء مع حكومة الرئيس بشار الأسد ومؤيديها الروس، الذين يتشاطرون نظرة مصر حول المتطرفين الإسلاميين، وإيمانهم بالاستقرار من خلال القمع السيادي بدلا من الجهود التي يقودها السعوديون لزراعة قوات المتمردين والإطاحة بالأسد.
أما الملمح الثاني لسياسة السيسي فهو ربط الاستقرار المستمد من سيادة الدولة، ومع تدخل دول الجوار لإعادة تشكيل المنطقة على أسس طائفية أو إسلامية، برزت مصر في هذا الصدد كأبرز لاعب في الشرق الأوسط، ويمكن رؤية اللمحات المبكرة لهذا النهج في تعامل مصر مع العراق خلال صعود تنظيم الدولة الإسلامية، عندما دعم السيسي علنا رئيس الوزراء الشيعي العراقي نوري المالكي، وقد كان موقف مصر أكثر وضوحا مقارنة بالمملكة العربية السعودية كقوة تنقيحية لا يمكن التنبؤ بها، كما هو الحال في لبنان وسوريا واليمن، إذ تركزت السياسة الخارجية للمملكة على التمييز والفصل في خدمة التنافس مع إيران، الأمر الذي عارضته مصر بشدة، رافضة اتباع خطى المملكة المتشددة، رافضة الاستقطاب الطائفي الذي زعزع استقرار المنطقة في السنوات الأخيرة.

دور مصر المستحق:
أما الملمح الثالث والأخير لسعيها في الحصول على سياسة مستقلة جديدة، هو عودة القومية التي تسعى إلى إعادة البلاد لتلعب دورها الصحيح في المنطقة، وعلى الرغم من أن هذا قد ارتبط في بعض الأحيان بنظريات المؤامرة، ومع رغبة مصر في جعل لنفسها دورًا إقليميًا، تزايدت الشكوك حول الصحف الممولة من دول أجنبية، خاصة في ظل وجود قوى خارجية تسعى إلى زعزعة استقرار ابلاد، هذه العوامل أدت إلى توترات دبلوماسية خطيرة ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن مع إيطاليا وروسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أيضا.
في السنوات التي تلت عام 2011، تحدث القادة المصريين، بما في ذلك الرئيس السيسي، بصراحة عن ضرورة التركيز على مواجهة التحديات الداخلية، إلى جانب تعاظم الشعور بدور مصر إقليميًا، وقناعتها بأنه لا يمكن حل أي نزاع إقليمي كبير بدون القاهرة، إذ واصلت مصر القيام بدور مهم في ليبيا وغزة، ولكن في أماكن أخرى سعت القاهرة إلى تحويل ضعفها النسبي إلى عملة دبلوماسية – من خلال أن تكون ضمن المبادرات الدبلوماسية لحل بعض الأزمات، مثل أن تكون وسيطًا بين الفصائل الإقليمية المتنافسة، كما حدث خلال الأزمة اللبنانية.
وكلما زاد استقلال السياسة الخارجية لمصر، كلما كان من الصعب التوفيق بين التناقض في صميم السياسة الخارجية المصرية المعاصرة، فمن ناحية، تسعى مصر للحفاظ على مواءمتها التقليدية مع الرياض وواشنطن، إذ تتلقي المال من الأول، والأسلحة من الأخير، ومن ناحية أخرى، فإن القاهرة ترفض بشكل متزايد اتباع الخط الإقليمي للسعودية، ومع سياسة متوائمة مع منظور روسيا، ومن المحتمل أن تفتح قواعدها للمنافس الجيوستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، وإذا استمرت مصر في انتهاج هذه السياسة ذات المسارين، فقد تقدم الرياض أو واشنطن في وقت ما إلى مصر خيارا أكثر وضوحا، مما يضع مصر في تحدي حقيقي واختبار لقدرتها الدبلوماسية.

شارك