بحجة دعم "طالبان".. أمريكا تعنف باكستان بالعقوبات
السبت 27/يناير/2018 - 05:59 م
طباعة
لاتزال الأزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وباكستان تلقي بظلالها على المشهد العام في جنوب آسيا خاصة في أفغانستان التي ما زالت تشهد نشاطًا ملحوظًا لحركة طالبان المتشددة على الرغم من الضربات النوعية التي تنفذها القوات الأمريكية ضد قيادتها.
وفرضت أميركا عقوبات على ستة رجال على صلة بحركة طالبان الأفغانية، وشبكة حقاني المرتبطة بها، وذلك بعد أقل من شهر على أمر أصدره "البيت الأبيض"، يقضي بخفض كبير في المساعدات الأمنية لباكستان، قائلا إنها لم تتخذ خطوات كافية للسيطرة على المتشددين.
وتمنع الإجراءات، التي أعلنتها وزارة الخزانة الأميركية، الستة، وهم باكستانيان وأربعة أفغان مقيمين في باكستان، من التعامل مع النظام المالي الأميركي. ورغم أن الخطوة لن تسفر عن مشاكل كثيرة للأشخاص المستهدفين فإنها تبرز ضيق واشنطن من إسلام آباد.
وتحظى باكستان بأهمية استراتيجية لما تتمتع به من موقع جغرافي وطبيعة جيوسياسية متميزة، باعتبارها تمثل حلقة وصل بين دول مهمة في المنطقة بينها الصين والهند وإيران، واللافت أن واشنطن تتجه إلى رسم سياسة جديدة لتغيير محور "آسيا - المحيط الهادي" إلى محور "الهند - المحيط الهادئ" من خلال الضغط على باكستان ودول أخرى في المنطقة بحجة محاربة الإرهاب، وحتى وقت قريب كانت باكستان تعد من الدول الحليفة لأمريكا، ونتيجة ذلك حصلت على دعم مالي وتسليحي من واشنطن، إلّا أن ذلك لم يمنع من بروز خلافات وتحديات سياسية بين الجانبين.
وترامب على قناعة بأن باكستان وعلى الرغم من حصولها على دعم أمريكي (مالي وتسليحي) تنتهج سياسة مزودجة في مجال محاربة الإرهاب، لذا يسعى الرئيس الأمريكي إلى الضغط على إسلام آباد لإرغامها على مواصلة الوقوف إلى جانب واشنطن في مختلف الميادين.
ترامب عبرعما في داخله بالتغريد على "تويتر" إن بلاده قد ارتكبت حماقة بمنحها 33 مليار دولار لباكستان خلال الـ 15 عاماً الماضية، لكنها لم تحصل على شيء سوى الكذب والخداع على حد تعبيره، متهمًا في الوقت ذاته إسلام آباد بتهيئة ملاذات آمنة للجماعات المسلحة المناهضة لأمريكا في أفغانستان.
من جانبها أعلنت مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة "نيكي هايلي" أن بلادها قررت قطع 225 مليون دولار من مساعدتها المالية لباكستان بسبب ما أسمته إخفاقها في التعاون مع أمريكا. وقالت هايلي في مؤتمر صحفي "إن إسلام آباد تلعب دورا مزدوجا في التعاطي مع الجماعات المسلحة التي تهاجم القوات الأمريكية في أفغانستان".
وأدانت سفيرة باكستان لدى الأمم المتحدة "مليحة لودهي" التصريحات الأمريكية ضد بلادها، مؤكدة: "إن إسلام آباد يمكن أن تراجع تعاونها مع واشنطن إذا لم تحظ بالتقدير". وحذّرت لودهي من إلقاء اللوم في الأخطاء والإخفاقات الأمريكية على دول أخرى. وأضافت أن مواقف باكستان لا تعتمد على المساعدات الأمريكية بل على المصالح والمبادئ الوطنية.
اللافت للنظر أن التطورات الأخيرة بين أميركا وباكتسان جاءت بعد تقارب إسلام آباد من موسكو وبكين، والذي ظهر بشكل واضح من خلال موافقة روسيا والصين على ضم باكستان إلى منظمة "شانغهاي" للتعاون كعضو دائم، بالإضافة إلى ما قامت به بكين من تنفيذ مشاريع استثمارية تصل قيمتها إلى أكثر من 60 مليار دولار في باكستان وذلك في إطار مساعيها لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
واشنطن لم يكن بوسعها إلا أن سعت لتعزيز علاقاتها مع الهند في إطار استراتيجيتها الأمنية الرامية إلى إخضاع منطقة جنوب آسيا إلى محور جديد أطلق عليه المراقبون اسم محور (الهند - المحيط الهادئ). وطلبت واشنطن من نيودلهي لعب دور أكبر في أفغانستان للتعويض عن دور باكستان في هذا البلد، وذلك بعد تصاعد حدّة التوتر بين الأخيرة وأمريكا في الأسابيع الماضية.
ويبدو أن منطقة (آسيا - المحيط الهادئ) ستتحوّل إلى ساحة صراع على المصالح بين واشنطن وبكين، وتعول أميركا عليها في خنق واحتواء الصين، لذلك فإنها تسعى وبكل قواها إلى خلق وضع جيوسياسي لحرب باردة جديدة، إلى جانب مساعيها لتعزيز تحالفاتها العسكرية القديمة، والتي أظهرت خصائص جديدة تتناسب مع التغييرات الطارئة على المنطقة، حيث تعمل مختلف القوى على إعادة تحديد مكانتها في هذه البقعة التي تشكل امتدادًا استراتيجيًا لمنطقة الشرق الأوسط بالنسبة لواشنطن.
ويعتقد الكثير من المراقبين بأن منطقة الباسيفيك ستحظى بأهمية خاصة طيلة القرن الحالي، خصوصًا وأن واشنطن تتحرك باتجاه تعزيز مواقعها في الدول المتاخمة لهذه المنطقة وفي مقدمتها اليابان واستراليا والهند، وهذا ما صرّح به وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في أكثر من مناسبة.