ليبيا.. هل ستنجح المحليات في القضاء على الإرهاب والتطرف؟

الثلاثاء 30/يناير/2018 - 06:05 م
طباعة ليبيا.. هل ستنجح
 
على الرغم من مرور شهور عدة على استلام غسان سلامة، مهام رئاسة بعثة منظمة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وطرحه خريطةَ طريق لحل الأزمة السياسية والمؤسساتية في ليبيا، تحت مسمى "خطة العمل من أجل ليبيا"، إلا أن الوضع السياسي في ليبيا مصاب بالجمود، بعد أن باتت الخطة من أهم عوامل الجدل والخلاف في الداخل الليبي، الذي يشهد انشقاقات متعددة، وانفلاتًا أمنيًّا، وأزمات اقتصادية ومالية تنذر بالأسوأ.
وليس من الصحيح، الإدعاء بأن خارطة الطريق التي تم طرحها خالية من حلول للواقع الليبي، بل تضمنت سلسلة من الخطوات والإجراءات الأمنية والتشريعية والسياسية، تسمح بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، كأمر أولي بالنسبة للفاعلين والمهتمين في ليبيا .

ليبيا.. هل ستنجح
وفيما يخص حالة الجمود،  اعتبر مركز رفيق الحريري للدراسات أنه لا يمكن إنكار غياب أي تحرك مثمر من جانب اللاعبين الوطنيين في ليبيا، بالنظر إلى الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة تترنح، ولم تحرز الحكومة الانتقالية في طرابلس التقدم الكافي، بينما يبقى مجلس النواب في طبرق غير قادر على أداء مهامه، في ظل استمرار عدم اكتمال نصابه القانوني. يواجه مجلس النواب الاتهام المعتاد بأنه واقع تحت سيطرة الجنرال خليفة حفتر والجيش الوطني الليبي التابع له. الجنرال حفتر نفسه لا يتحرك كثيرا أبعد من مجموعة من المقابلات والتصريحات التي يؤكد فيها للمجتمع الدولي قبوله وساطة الأمم المتحدة، ويشير فيها في الوقت ذاته إلى تشاؤمه فيما يخص فرص نجاح هذه الوساطة، مهددًا بالتدخل مباشرة والاستحواذ على الحكم و"إنقاذ" البلاد.
ويعتقد تقرير "الحريري" أن تحويل بسيط في زاوية النظر سيكشف عن تحرك مثمر على المستوى المحلي، فقادة المجالس المحلية ورؤساء البلديات على مستوى ليبيا يعملون من أجل توفير الاحتياجات والخدمات الأساسية لمجتمعاتهم. كما أنهم يتحينون الفرص للالتقاء والتعاون مع السلطات المحلية الأخرى، في جهد يهدف إلى تحسين تقديم الخدمات، وتوفير الأمن والاستقرار.
واستشهد هنا بعد أمثلة أوردها تباعا، أولها استضافة قرية شحات الساحلية بشرق ليبيا منتدى لرؤساء البلديات، صدر عنه بيان يؤكد على وحدة ليبيا، ويدين الإرهاب والتطرف. ودعا البيان إلى إجراء الانتخابات العامة، وحث على تنشيط مبادرة الأمم المتحدة لكسر الجمود السياسي، كما دعا مجلس النواب ومجلس الدولة للقيام بمسئولياتهما وتشكيل حكومة موحدة. وبينما يعد عقد هذا المنتدى تطورا مبشرًا، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن المشاركين لم يتضمنوا ممثلين عن كل البلديات الليبية. حيث سرت تقارير عن مقاطعة البعض للمنتدى اعتراضًا على مشاركة رؤساء بلديات لم يتم انتخابهم ديمقراطيًا.
وقد نظم رؤساء البلديات وممثلو المجالس المحلية عدد من اللقاءات على مدار العام الماضي، مما يؤشر لجهد متزايد من قبل اللاعبين المحليين للوصل إلى نقاط تلاق، والتحدث بصوت موحد بشكل أكبر حول الصعوبات التي تواجه مجتمعاتهم. ففي ديسمبر الماضي، اجتمع أكثر من تسعين رئيس بلدية من شتى البقاع الليبية في تونس، حيث ناقشوا تحديات متعددة، مثل محدودية القدرة على تقديم الخدمات العامة، غياب الأمن في الكثير من مناطق البلاد، والصعوبات الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، نتج عن ذلك الاجتماع توافق حول طرق تعزيز المجالس المحلية حتى تكون قادرة على تلبية احتياجات وآمال مجتمعاتها. وتضمنت المقترحات طرق لتقليل تمركز القوة ومركزية السلطة، خصوصا فيما يتعلق بقيام الحكومة المركزية بتحديد أولويات الانفاق في الموازنات المحلية، وتعزيز دور المحليات في أمن المناطق المحلية، وتطبيق قانون الإدارة المحلية رقم 59. وقد أقر المؤتمر الوطني العام ذلك القانون في عام 2012، وهو القانون الذي يعزز لامركزية الحكم في ليبيا عبر إعادة تخطيط البلاد إلى أكثر من مائة بلدية.
وهو ما تكرر في يوليو الماضي، حيث استضافت مدينة صبراتة لقاءا لسبع وأربعين من قيادات المحليات، خرج باتفاق على تشكيل اتحاد للبلديات الليبية ليقدم صوتًا موحدًا للبلديات في التعامل مع المؤسسات الوطنية. في ذلك الحين، اتفق المجتمعون أيضا على انتخاب مجلس قيادة من تسعة أعضاء يمثلون بالتساوي الأقاليم الرئيسية الثلاثة للبلاد: برقة وفزان وطرابلس. بالإضافة إلى تلك الجهود لجمع شمل المجالس البلدية من شتى أنحاء ليبيا، كانت هناك أيضا اجتماعات نظمت على مستوى الأقاليم، بمشاركة رؤساء البلديات والسلطات المحلية لطرح الاحتياجات المشتركة داخل نطاق كل إقليم. وتتمثل غالبية تلك الاحتياجات في غياب أو تذبذب امدادات الوقود والحصول على الرعاية الصحية ووسائل المواصلات.
وبشكل مستقل، حاولت الكثير من المجالس المحلية إيجاد حلول عملية للمشكلات التي تعاني منها مجتمعاتها، سواء عن طريق الضغط على المؤسسات الوطنية لإتاحة الموارد اللازمة، أو عبر البحث عن موارد محلية لسد الفجوة في التمويل. مثلا، في يوليو/تموز الماضي، التقى على صغير القائم بأعمال عمدة طبرق (شرق البلاد) مع رئيس المجلس الرئاسي في طرابلس، التماسا للأموال اللازمة للبلدية التي يرأسها. وبحسب المعلومات الواردة، قرر صغير التوجه إلى طرابلس لطلب التمويل بعد اجتماع للمسئولين في طبرق، اتفقوا خلاله أن “احتياجات البلدة أهم من الولاءات السياسية”. بالإضافة إلى ذلك، وعد عمدة زليتن (غرب البلاد) بإيجاد موارد على المستوى المحلي لتلبية احتياجات المستشفى هناك، عقب توجيهه انتقاد علني لوزارة الصحة في حكومة الوفاق الوطني المدعومة أمميًا لإخفاقها في تقديم التمويل الذي وعدت به للمستشفى المحلي في زليتن. أيضا، يعد عمدة بلدية سرت مختار المعداني أحد اللذين وضعوا ضغوطا على الحكومة الوطنية من أجل الحصول على موارد. فبعد طرد تنظيم داعش من سرت في أواخر عام 2016، قام المعداني بالضغط بشكل مستمر على المجلس الرئاسي المرتبط بالحكومة، وعلى الوزارات، للوفاء بتعهداتها بتخصيص أموال لإعادة الاعمار وتقديم الخدمات الأساسية، وهو الأمر الذي لم يسفر عن نتيجة بعد. تلك الإجراءات التي يقوم بها رؤساء البلديات تعكس جهودًا عملية ودؤوبة لتلبية احتياجات ناخبيهم، وتعكس أيضا وجود إرادة لمحاسبة المسئولين على المستوى الوطني حول ما قدموه من وعود بدعم لم يتحقق.

طبقا لنتائج استطلاع أجراه المعهد الجمهوري الدولي في عام 2016، سيكون اللاعبين الوطنيين في ليبيا مخطئين إذا لم يعطوا أولوية للمطالب المتزايدة على مستوى المحليات. فالليبيون ينظرون للمجالس البلدية على أنها ذات التمثيل الأكثر شرعية لمجتمعاتهم، وفي لقاءات القادة المحليين ورؤساء البلديات، يبدوا أن الخيط الذي يجمع مطالب البلديات المختلفة يتضمن الحاجة لمزيد من اللامركزية، عن طريق تطبيق القانون رقم 59، وتوفير الاعتمادات اللازمة للبلديات حتى تتمكن من توفير الخدمات العامة. وسيسفر التواصل المستمر بين رؤساء البلديات عن نشر ونقل حلول عملية للمشاكل المحلية. كما سيتيح فرصة لهؤلاء القادة المحليين كي يبرزوا الاحتياجات والأولويات المحلية بصوت موحد، بشكل أقوى تأثيرًا بين اللاعبين على المستوى الوطني في ليبيا.
وطبقا لنفس الدراسة التي أجراها المعهد الجمهوري الدولي، تنبع شرعية المجالس البلدية من الاعتقاد العام بأنه تم انتخابها بشكل ديمقراطي. هذه الجزئية هامة في ضوء أن ولاية تلك المجالس ستنتهي هذا الربيع. وقد أجريت آخر انتخابات محلية عام 2014، ولم تحظى مسألة تنظيم انتخابات محلية جديدة باهتمام كبير، وذلك بسبب استحواذ الانتخابات الوطنية العامة على اهتمام أكبر. وبينما قد يدعو البعض إلى تمديد ولاية المجالس المحلية القائمة ببساطة، لا يجب إغفال أن مثل ذلك الحل كان له تأثير سلبي على شرعية مؤسسات منتخبة أخرى في ليبيا. لذا، فإن هناك حاجة لإجراء انتخابات جديدة بدل من تمديد ولاية المجالس القائمة، من أجل الحفاظ على شرعية تلك المجالس، واستمرار فاعلية دورها. وعلى المجالس البلدية أن تعلو بصوتها للتشديد على أهمية تنظيم انتخابات جديدة.
واستنادًا إلى ما سبق، يرى المركز: إن نشاط السلطات المحلية هو علامة مشجعة على الحيوية، والرغبة في المشاركة، ووجود الدافع للعمل، ليس فقط من أجل الصالح المباشر للمجتمعات المحلية في ليبيا، ولكن أيضا من أجل صالح الكيانات الأكبر على مستوى الأقاليم والمحافظات. ولا يعني ذلك انتقاصا من أهمية الحكومة الوطنية، بل على العكس، فكلما زاد دور ومهام الحكم المحلي، كلما زادت الحاجة إلى سلطة مركزية تقوم بوضع المعايير وتنسيق الإجراءات والمبادرات المحلية، فضلا عن القيام بواجباتها الإدارية بفاعلية وشفافية. وهناك حاجة لمثل ذلك التعاون بين السلطات الوطنية والمحلية من أجل بناء شرعية الحكومة في ليبيا وتحقيق الاستقرار. ويمكن للمجتمع الدولي أن يقدم المساعدة عبر تشجيع الجهود التي تقوم بها المجالس البلدية والسلطات المحلية الأخرى للاجتماع، وتبادل الخبرات، والوصول إلى نقاط اتفاق بين البلديات. كما يمكن أيضا أن يقدم الدعم كي تتمكن الكيانات المحلية من الحفاظ على شرعيتها في المجتمعات التي تمثلها. فذلك الصوت الموحد الصادر عن المجالس البلدية لديه القدرة لا لتحسين ظروف المجتمعات المحلية فحسب، بل أيضا لدفع اللاعبين الوطنيين نحو حلول عملية لمشكلات البلاد، يمكن أن تؤدي إلى استعادة الاستقرار، وتنشيط جهود بناء الدولة.

شارك