تحذيرات دولية: الفلبين أرض الخلافة الجديدة لداعش
السبت 24/فبراير/2018 - 10:40 م
طباعة
نشر مركز "راند" للدراسات، والتابع لوزارة الدفاع الأمريكية، تقريرًا بعنوان "هل الفلبين هي الخلافة القادمة لداعش؟"، للباحثين باتريك ب. جونستين، وكولين ب. كلارك، نشر فيه الأسباب التي تدفع داعش للانتقال إلى الفلبين، بعد هزائمه المتواصلة في العراق وسوريا، الدراسة ترجمتها بوابة الحركات الإسلامية.
رغم حرص كل من القادة الغربيين والمهتمين في المنطقة على إعلان النصر وهزيمة تنظيم داعش، خاصة بعدما استطاعت قوات التحالف الدولي والقوات العراقية من استعادة المدن الكبرى مثل الموصل في العراق، مدينة الرقة في سوريا والتي يسيطر عليها التنظيم منذ عام 2013، إلا أنه من المبكر جدا أن نعد هذه الانتصارات بالنتائج المرضية، فتنظيم داعش كل ما يقوم به حاليًا هو إعادة ترتيب صفوفه من أول وجديد.
تعد دولة مثل الفلبين خير دليل على قوة التنظيم التي لا يمكن الاستهانة بها، فرغم بعد الدولة الآسيوية جغرافيًا عن مركز ميلاد تنظيم داعش في الشرق الأوسط، ولكن التنظيم استطاع من الاستيلاء على العاصمة ومحاصرتها لمدة ثلاثة أشهر، حتى استطاعت قوات الأمن الفلبينية من إعادة السيطرة على مراوي بشق الأنفس، وبعد معارك دامية سقط فيها الكثير من المدنيين وقوات الأمن.
جاء ظهور تنظيم داعش في الفلبين متأخرًا، إذ لم يول التنظيم اهتمامًا كبيرًا بالدولة الآسيوية قبل 2016، ولكن مع تعرض التنظيم لهزائم كبيرة في الشرق الأوسط – ومردود هذه الهزائم على حلم الخلافة الإسلامية - وتعرض القيادة المركزية لضغوط شديدة، أبدى التنظيم وجهته إلى الفلبين، خاصة بعد أن بايعت أكثر من ستة فصائل فلبينية مسلحة مبايعتها لتنظيم داعش، رغم أن هذه الفصائل لم تتلق أي معاملة بالمثل من جانب التنظيم الإرهابي، إذ لم يعترف داعش علنا بالولاية الرسمية أو المبايعة في الفلبين آنذاك، ولكن في نهاية يونيو 2016، أصدر المكتب الإعلامي لتنظيم داعش شريط فيديو سلط فيه الضوء على العلاقة الرسمية بينه وبين المسلحين في الفلبين، وإن لم يعلن رسميًا عن ولاية رسمية له في الفلبين.
وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن مركز "صوفان"، وهو مركز للاستشارات الدولية، فإن عدد المقاتلين الذين انضموا إلى صفوف تنظيم داعش في العراق من جنوب شرق آسيا يقدر بنحو 1600 مقاتل، وهم يمتلكون خبرة بالمعارك نتيجة خوضه للحروب مع التنظيم، وهم يشكلون 5 % فقط من إجمالي عدد مقاتلي التنظيم، الذي يقدر عددهم بـ30 ألف مقاتل.
رغم عدم أولاء التنظيم الإرهابي للمقاتلين في الفلبين اهتمامًا كبيرًا – مقارنة بفروعه الأخرى في مصر وليبيا على سبيل المثال - إلا أنهم استطاعوا أن يقوموا بعمل دعاية كبيرة للتنظيم، وتحقيق مكاسب له، إذ تمكنوا من الاستيلاء بشكل كبير على مدينة مراوي، أكبر مدينة في مينداناو الواقعة تحت الحكم الذاتي، ويبلغ عدد سكانها 200 ألف نسمة، وعلى الرغم من أن المسلحين في الفلبين لم يتم إعلانهم رسميًا كولاية تابعة للتنظيم، إلا أن ثمة روابط أيديولوجية قوية بينهم وبين داعش، الروابط التي جعلتهم يقاتلوا بشراسة ودموية وعنف أفشلت كافة الهجمات المضادة لاسترجاع المراوي، الهجمات التي شنتها جماعات مسلحة أخرى في الفلبين بما في ذلك جماعة أبو سياف ومجموعة "موت"، مما دفع التنظيم فيما بعد بتعزيز مبايعوه بدعم مادي يقدر بمليوني دولار، لدفع أجور المسلحين
وتعد الفلبين نموذجًا مثاليًا لتطبيق مشروع "دولة الخلافة الإسلامية"، في ظل سعى التنظيم إلى إثارة الصراعات العرقية القائمة، والقضاء عليها مع القضايا الطائفية، حيث يتنافس مسلمون من الجنوب مع المسيحيين من الشمال الكاثوليكي، خاصة وأن الفلبين دولة مشبعة بالتنظيمات المتطرفة التي تعود جذورها إلى فترة السبعينات، عندما بدأت جبهة "مورو للتحرير الوطني" في شن حرب على الحكومة الوطنية، من أجل الانفصال والحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتي عن الحكومة المركزية في مانيلا، ولكن مع الانشقاقات التي طالت الجبهة، ظهرت جبهة جديدة باسم "مورو للتحرير الإسلامي" في عام 1984، ولكنها لم تكن بنفس قوة الجبهة الأم، واستمرت في مناوشاتها مع الحكومة جنوبي الفلبين، ومع بداية التسعينيات ظهرت جماعة "أبو سياف"، والتي ارتبطت بعلاقات قوية مع تنظيم القاعدة، والجماعات الإسلامية الأخرى في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا بما فيها الجماعة الإسلامية.
وينذر الوضع الراهن على الأرض في جنوب الفلبين بحرب دامية جديدة، بين السكان المحليين وبين الحكومة، في ظل تزايد المتطرفين ردًا على الحملة الدموية التي تشنها الحكومة، مع استمرار حالة انعدام الأمن والأزمة الإنسانية اللذين يشكلان تحديا كبيرا لجهود إعادة الإعمار في مراوي، ويهدد التوتر بين الجانبين عملية السلام بين مانيلا وجبهة مورو للتحرير الإسلامي، في الوقت نفسه، في الوقت الذي يرجح فيه خبراء عودة المصابين من المقاتلين للمشهد القتالي خاصة وأنهم يتمتعون بالدعم المحلي مما يمنحهم فرصة لإعادة تجميع صفوفهم للقتال في المستقبل.
وتكتسب مراوي وضعًا خاصًا لدى التنظيم، الذي فقد أكبر معاقله في الشرق الأوسط، الذي قد يحول اهتمامه تجاه مراوي بعد نجاح المسلحين في إثبات قوتهم وتواجدهم ونديتهم لقوات الأمن المحلية، ليحول نظره واهتمامه إلى مناطق جديدة، في ظل مساعيه أن تمتد دولته من جنوب شرق آسيا إلى جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا، وقد يصبح المقاتلون الأجانب الذين جاءوا إلى العراق وسوريا من جميع أنحاء العالم نواة الحركات الموسعة في مناطقهم الأصلية، ولذلك فإنه ومع تفكك تنظيم داعش، فإن الفلبين تعد الدولة الأكثر احتمالية في أن تصبح أكثر فائدة للتنظيم الإرهابي باعتبارها صمام أمان خارج الشرق الأوسط.
ومن المرجح أن تكون الفلبين مكانا مثاليًا للتنظيم بسبب دعم سكانها المحليين من المسلمين لمقاتليه، ووجود حركات إسلامية متطرفة عنيفة وغير عنيفة، فضلًا عن ضعف المؤسسات المحلية.
ولذلك فإن النشاط الإرهابي مازال على قيد الحياة وبشكل جيد في جنوب الفلبين، ويعد تاريخ الفلبين كمركز رئيسي للمتمردين الحاملين لأيديولوجية إسلامية متطرفة، دليلًا على أن إخماد القتال سيكون أكثر صعوبة في الواقع، حتى ولو لم تكن الفلبين في الوقت الراهن مركزًا جديدًا لشبكة رئيسية جديدة للجهاد العالمي، فمن المرجح أن تظل أرضا خصبة لتجنيد وتمويل ونشر دعاية مستوحاة من تنظيم داعش أو دعمه المباشر لجدول أعماله العنيف.