بعد مقتل رجال أمن واعتقال مئات المتظاهرين.. الإنتفاضة الإيرانية تتجدد
الإثنين 26/فبراير/2018 - 08:41 م
طباعة
لا تزال الأحداث الراهنة على الساحة الإيرانية ساخنة وتحمل في طياتها توترات متلاحقة، فتشير الأوضاع الإيرانية إلى إمكانية عودة الاحتجاجات بشكل عاصف يُنذر بالإطاحة بالنظام الحاكم، خاصة في ظل حالة القمع والاعتقال وإعمال القتل بين المتظاهرين، التي اتخذها سبيلًا في إسكات صوتهم وإخماد جذوة احتجاجاتهم.
الأيام الأخيرة شهدت توترات جديدة بين قوات الأمن والمتظاهرين، ليرتفع عدد عناصر الأمن الإيرانيين الذين قتلوا أثناء المواجهات مع صوفيين محتجين في طهران إلى خمسة، حسب مصادر إيرانية حكومية. بينما أعلنت السلطات اعتقال أكثر من 300 شخص بينهم سائق حافلة متهم بدهس رجال شرطة، وهذا بدوره يحيلنا إجمالًا إلى عدة دلالات تفيد بأن النظام لم ينجح في إحكام سيطرته على الساحة الداخلية.
وتشير هذه الدلالات بصورة أولية إلى إصرار النظام على اتباع نفس السياسات خاصة على الصعيد الخارجي، حيث بدا واضحًا أن النظام يحاول توجيه رسائل مباشرة إلى القوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمات المختلفة في المنطقة بأن الأزمة الداخلية التي واجهها بسبب الاحتجاجات لن تدفعه إلى التراجع عن مواصلة تقديم الدعم إلى حلفائه الإقليميين من الأنظمة والتنظيمات الإرهابية المختلفة، على غرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وحزب الله، وحركة الحوثيين، وميليشيا الحشد الشعبي، والجماعات الطائفية الأخرى العابرة للحدود التي قام “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري بتكوينها وتدريبها في الفترة الماضية من أجل دعم الجهود التي بذلتها إيران للتمدد في المنطقة.
وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن التداعيات التي انتهت إليها الاحتجاجات الأخيرة، ربَّما توجه رسائل قد يفهمها النظام بشكل مختلف، على نحو يدفعه إلى الإمعان في مواصلة سياساته التدخلية في المنطقة وليس العكس، رغم أن التراجع عن تلك السياسات كان أحد العناوين الرئيسية لهذه الاحتجاجات، وهو ما بدا واضحًا في المطالبة بالتركيز على معالجة المشكلات الداخلية بدلاً من التدخل في سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية.
والدلالة الثانية هي تبني نظرية المؤامرة، من خلال الحرص على ربط الاحتجاجات بوجود مخططات خارجية لتقويض دعائم النظام، على نحو بدا جليًا في الاتهامات التي وجهها المرشد الأعلى للجمهورية، علي خامنئي، إلى المحتجين بـ”تنفيذ مشروع تمرد للإطاحة بالنظام”، وهو ما يعني أن النظام لم يقر بعدُ بالأسباب الحقيقية التي أدت إلى اندلاع تلك الاحتجاجات، وخاصة فيما يتعلق بإهمال التعامل مع المشكلات المعيشية اليومية التي يواجهها الإيرانيون على المستويات المختلفة؛ مما أدى إلى تفاقمها وتقييد قدرة الحكومات المتعاقبة على الوصول إلى حلول لها، بالتوازي مع انتشار ظواهر مثل الفساد وعمليات غسيل الأموال وتجارة المخدرات وغيرها.
ويذكر هنا زعم خامنئي، وجود “خطط” تمَّ إعدادها منذ أشهر برعاية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ومنظمة مجاهدي خلق، من أجل تعزيز فرص اندلاع احتجاجات قوية لمواجهة النظام تنتقل تدريجيًا من المدن الصغيرة إلى العاصمة طهران، وربما يتجه النظام إلى الرد على ذلك بتبني سياسة تصعيدية في المنطقة، خاصة على مستوى عرقلة أي جهود قد تبذل للوصول إلى تسويات سياسية للأزمات الإقليمية المختلفة، التي كانت التدخلات أحد أهم أسباب تفاقمها.
وعلى ذلك، فإن النظام يحاول تجاهل أو تقليص أهمية الدوافع الرئيسية للاحتجاجات التي ترتبط بالسياسات العامة التي يتبعها، سواء على صعيد انتهاكاته المستمرة للاتفاق النووي، أو على مستوى تدخلاته السلبية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودعمه للإرهاب.
كما يحاول النظام توسيع هامش المناورة وحرية الحركة المتاحة أمامه للتعامل مع الضغوط التي فرضتها الاحتجاجات، دون أن يكون هناك استعداد حقيقي لاستيعاب الدوافع الحقيقية التي أدت إلى اندلاعها، ولم تكتسب التحذيرات التي وجهها الرئيس حسن روحاني، إلى المرشد الأعلى للجمهورية، والحرس الثوري، بضرورة العمل على تجنب مواجهة مصير الشاه من خلال الاهتمام بمعالجة المشكلات الحياتية التي يعاني منها الإيرانيون، اهتمامًا ملحوظًا على الساحة الداخلية، إذ اعتبرت اتجاهات عديدة أنها تدخل في إطار “تقسيم الأدوار” بين مؤسسات النظام بهدف إضعاف زخم الاحتجاجات وتعزيز قدرة النظام على احتوائها.
وبعبارة أخرى، فإن تلك الاتجاهات باتت ترى أنه لا يوجد فارق شاسع بين مواقف الرئيس، وسياسات القيادة العليا في النظام والحرس الثوري، ولا سيَّما بعد أن بدا روحاني حريصًا على عدم فتح الملفات الخلافية مع الأطراف الأخرى في النظام، وعلى عدم توجيه انتقادات للإجراءات الأمنية التي اتخذها الأخير تجاه المحتجين.