أردوغان في غرب أفريقيا.. الدلالات والأهداف
الأربعاء 28/فبراير/2018 - 08:37 م
طباعة
أضحت القارة السمراء ساحة كبيرة للتنافس الإقليمي بين القوى الإقليمية في المنطقة، كما أنها بيئة خصبة لنشر الأفكار والأيديولوجيات لعدة عوامل داخلية تجعل من السهل نشرها بين الأفارقة، فهي ساحة جاذبة للقوى الإقليمية، وفى ظل تحركات التكالب الدولي نحو منطقة الساحل الأفريقي، من أجل استغلال الثروات الطبيعية وتعزيز النفوذ والسيطرة على المنطقة لما لها من أهمية كبيرة على كافة المستويات، يجري حاليًا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جولة داخل القارة الأفريقية، وفي منطقة غرب أفريقيا على وجه التحديد، بمرافقة زوجته، ووزراء الخارجية، والثقافة والسياحة، والزراعة، والثروة الحيوانية، والجمارك والتجارة والطاقة، والموارد الطبيعية، وعدد من رجال الأعمال والمال الأتراك.
بدأ أردوغان جولته من الجزائر في زيارة استمرت 3 أيام انتهت الأربعاء، أجرى فيها لقاء مع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، وتم خلالها إبرام العديد من الاتفاقيات في إطار تحسين حجم ونوعية المبادلات التجارية بين البلدين وتطويرها. وبعدها انطلق الرئيس التركي إلى موريتانيا، ثاني محطات جولته الإفريقية، ومن ثم يتوجه إلى السنغال ومالي.
دلالات توقيت الزيارة:
تأتي زيارة الرئيس التركي والوفد المرافق له لهذه البلدان حاليًا، في توقيت بالغ الأهمية بحسب ما يدور داخل أروقة كل دولة منها، ففي الجزائر بدأ الحديث عن إمكانية خوض المعارضة الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجرى في 2019 بمرشح توافقي، كرد فعل على ما يبدو على أنه نية من السلطة في ترشيح الرئيس بوتفليقة إلى ولاية رئاسية خامسة.
وموريتانيا تشهد منافسة ساخنة بين صفوف المعارضة وفي القلب منها حزب "تواصل" التابع لتنظيم الإخوان، على خلفية القرار المفاجىء للرئيس «محمد ولد عبد العزيز»، الإثنين الماضي، عدم الترشح لولاية ثالثة في الانتخابات الرئاسية العام المقل 2019 لينهي مسيرة احتجاج المعارضة على «النظام الحاكم»، ويضع المعارضة أمام «اختبار» حقيقي داخل الشارع السياسي، في أعقاب حالة احتقان سياسي وبرلماني وشعبي، تواصلت على مدى نحو عامين، خاصة بعد طرح تعديلات الدستور للاستفتاء العام، واتهام الرئيس ولد عبد العزيز بالتمهيد لولاية ثالثة ترسخ لقواعد نفوذ النظام الحاكم.
وفي مالي تدور معارك طاحنة في شمالها بين الجماعات والتنظيمات الإرهابية وقوات الأمم المتحدة والألأف من جنود الجيش الفرنسي، ومن المقرر أن تحمل على أراضيها جنود القوات العسكرية المشتركة والتي تضم 5 آلاف جندي، لمواجهة العناصر الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، وتتمركز في مالي والنيجر ومنطقة الصحراء الكبرى.
بينما السنغال تشهد منذ تحركات ونشاطات متزايدة من جميعات تتبع جماعة الإخوان الإرهابية، والتي تلقي دعمًا سخيًا من تركيا وقطر وإيران في محاولة للتغلغل داخل البلد الذي يقع في منطقة الغرب الأفريقي، وبالتأكيد سيلقى أردوغان ترحيبًا من العناصر الإخوانية كما حدث من جانب نظرائهم في الجزائر.
وبسبب موقعها الجغرافي، تعتبر السنغال بوابة دخول إلى منطقة غرب القارة الافريقية، وتبلغ مساحتها الإجمالية 196 ألف و722 كيلو متر مربع، وتطل على المحيط الأطلسي من جهة الغرب، وتحدها من الشمال موريتانيا ومن الشرق مالي ومن الجنوب الغربي غينيا بيساو ومن الجنوب غينيا.
الدوافع والأهداف:
توجد ثمة دوافع معلنة وأخرى تشكل المضمون العام للتحركات التركية في أفريقيا. فمن الناحية السياسية، تحاول تركيا لعب دور عالمي وتريد ترسيخ نفسها كدولة بتوجهات "إفرو-أوراسية" انسجامًا مع مبدأ تعدد الأبعاد في السياسة الخارجية، ويأتي توجهها حاليًأ للجزائر ومن ثم موريتانيا والسنغال ومالي في الغرب الأفريقي لاستشعار تركيا أنها ستكون أفضل، بفضل تحالفها مع التنظيم الدولي للإخوان وفروعه في تلك البلدان، كما أنها تحاول الاستفادة من الميراث التاريخي العثماني وربطه بالمعطيات الحالية، وتحاول ألا تترك الساحة أمام المنافسين الدوليين والإقليميين، والاستفادة من نفوذها في إفريقيا في أماكن وأقاليم أخرى.
وبالنسبة للجانب الإقتصادي، فيُعد نجاح الاقتصاد من أهم الدوافع لدى تركيا التي قد قدمت قصة نجاح خلال السنوات الماضية حيث وصل الدخل القومي التركي إلى 820 مليار دولار في 2014، ويسعى الأتراك إلى الوصول لرقم 2 تريليون في 2023، وتريد مضاعفة نجاحاتها في إفريقيا التي تعج بالفرص الاستثمارية والأسواق والموارد. فى ظل ما تقدمة تركيا من "مغريات التعاون" وذلك مثل التعاون مع البنوك الإفريقية، وغيرها من الشراكات على مستوى التجارة والإستثمار.
ومن الناخية الأمنية، فترى تركيا أهمية لأن يكون هناك موازنة في مستويات التقدم الأمني الاستخباري مع تقدمها السياسي والاقتصادي خاصة أن هناك دولًا كثيرة مثل إيران وإسرائيل وفرنسا لها علاقات أمنية كبيرة في القارة الإفريقية، وبالرغم من أن العمل الأمني يحاط بسرية كبيرة إلا أن هناك شعورًا بضعف الدور الأمني التركي في إفريقيا؛ ومن الشواهد على هذا مؤخرًا التفجيرات في محيط البعثة التركية في الصومال.
وتسعى تركيا لتكثيف تعاونها الأمني في منطقة الساحل الأفريقى؛ حيث وقَّعت عدة اتفاقيات أمنية، حتى شجع هذا بعض الكُتَّاب الأتراك على أن يقول: إن التدريب في المجال الأمني يعد من أهم الصادرات التركية لإفريقيا، وتحاول تركيا أن تستفيد من وضعها وخبرتها الأمنية العسكرية من خلال تواجدها في الناتو.
الجدير بالذكر، أن ملاحقة تركيا لنشاط جماعة فتح الله غولن التي تتهمها الحكومة بالسعي لتنفيذ انقلاب على الدولة، وقد أبدت تركيا قلقها من نشاط الجماعة في إفريقيا، وتسعى لاستمرار أعمال التنسيق مع الحكومات الإفريقية حتى تقوم بالقضاء على نفوذ الجماعة.
وتستفيد تركيا خلال نشاطها في إفريقيا من خلق فرص جديدة على كل الأصعدة لتوفير مجالات للدفاع عن مصالحها وتحقيق طموحاتها في ظل بيئة إقليمية غير مستقرة، وفي هذا السياق يشير بعض المصادر إلى أن هناك اتفاقيات عسكرية بين تركيا وعدة دول إفريقية.
مكاسب الأتراك من أفريقيا:
بنظرة عامة على مكتسبات الأتراك في قارة أفريقيا ، فنجد أن تركيا قد حصلت فى السابق على عدة مكاسب سياسية مثل إنجاح تركيا في الفوز برئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي، ونيل مقعد العضو غير الدائم في الأمم المتحدة؛ حيث صوَّتت لصالحها 51 دولة من أصل 53 دولة إفريقية. وتحصل أنقرة على فرص استثمارية وتجارية كبيرة، وقامت بعقد عدد كبير من اتفاقات الشراكة مع إثيوبيا وجيبوتي، وحققت نسبة صادرات كبيرة ولعبت دورًا مهمًّا في ملف إعمار الصومال نفَّذت خلاله مشاريع كبرى مثل المطار والميناء. وأمنيًّا نجحت الاستخبارات التركية بالتعاون مع مخابرات أجنبية بإلقاء القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في كينيا عام 1999.
على الرغم من سعى تركيا لجني قدر أكبر من المكاسب في أفريقيا لكن هذا الطموح يواجهه بعض العقبات أو التحديات، تمثلت فى المنافسة مع القوى الخارجية الأخرى في كافة المجالات، وقد فسَّر عدد من الكتَّاب الأتراك التفجير الأخير بالقرب من البعثة التركية في الصومال بأنه رسالة من أطراف خارجية لا تريد الوجود التركي هناك، واقتصاديًّا، فإن كل الأطراف تحاول سحب البساط من تحت أقدام بقية المنافسين، وفي هذا السياق فقد غضبت أنقرة في العام الماضي عندما أعلن بعض مؤشرات الثقة في الاستثمارات في إفريقيا أنقرة في المرتبة 23، واعتبر الأتراك ذلك نوعًا من الدعاية التحريضية.