اعتقال "حسين الشيرازي" .. الشيرازية وولاية الفقيه عداء في البيت الشيعي
السبت 10/مارس/2018 - 04:38 م
طباعة
في تصاعد خطير للعداء بين ولاية الفقيه الخمينية والشيرازية، اعتقل حسين الشيرازي نجل الصادق الحسيني الشيرازي بأمر مباشر من السلطات الإيرانية، وذلك بسبب محاضرة دينية اعتقد نظام الملالي أن الشيرازي قصد فيها ولاية الفقيه خامنئي، حيث تحدث عن الظالمين وحكمهم الجائر في بلاد الإسلام، ووصف الخامنئي بأنه “فرعون وظالم وديكتاتور”.
ويأتي اعتقال السلطات الأمنية الإيرانية نجل المرجع الشيعي ايه الله صادق الحسيني الشيرازي، ليكشف عن الصراع في البيت الشيعي، وكذلك مساعي" ولاية الفقيه" الخمينية للسيطرة على المذهب الشيعي تحت نظام ولاية الفقيه، وذلك عبر أذرعها القمعية والاستخباراتية.
اعتقال حسين الشيرازي:
اعتقلت الاستخبارات الإيرانية للمرة الثانية على التوالي، الثلاثاء الماضي، السيد حسين الشيرازي نجل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى صادق الحسيني الشيرازي من أمام منزله، بسبب محاضرة دينية اعتقدت السلطات أن «الشيرازي» قصد كما يسمى ولاية الفقيه خامنئي، حيث تحدث عن الظالمين وحكمهم الجائر في بلاد الإسلام.
وخلال اعتقال "حسين الشيرازي" تم التعدي عليه وضربه من قبل الحرس الثوري الإيراني بصاعق كهربائي مما أسقطه أرضا واعتقل على اثرها الى جهة غير معلومة.
وآية الله حسين الشيرازي هو نجل المرجع الشيعي العراقي البارز من الأصول الإيرانية "آية الله العظمى حسين الحسيني الشيرازي"، وهو من أحفاد المرجع التاريخي "آية الله ميرزا الشيرازي" الذي كان في نهاية القرن التاسع عشر حرّم استخدام التبغ في سياق معارضته للاستعمار البريطاني حيث استحوذت شركة "تالبوت" البريطانية على احتكار التبغ في إيران.
وتحظى أسرة الشيرازي المتمسكة بالتشيع التقليدي، وترفض ولاية الفقيه على الطريقة الإيرانية، وتدعو إلى فصل الدين عن الدولة تحظى بشعبية بين الشيعة في العراق وإيران.
وكانت السلطات الإيرانية اعتقلت أوائل شهر فبراير الماضي السيد حسين الشيرازي، كما تم استدعاؤه إلى مديرية الاستخبارات الإيرانية لأكثر من مرة خلال الأعوام الماضية، مع تعرضه المستمر للإهانة والتهديد بسبب مشكلة نظام الحكم في إيران مع المرجعية الشيرازية كونها مرجعية مستقلة وتدعو إلى استقلال الحوزة العلمية والمراجع العظام عن الحكومات.
في سنة 2013م، اعتقلت محكمة رجال الدين المرجع حسين الشيرازي، دون ذكر أي أسباب، مما أثار غضب الشيرازيين لدرجة أنهم هددوا بتنظيم مظاهرات مسلحة أمام مقر السفارة الإيرانية في بغداد، والقنصليتين الإيرانيتين في النجف وكربلاء، وهددوا بحرقها في حال تم إيذاؤه أو لم يتم الإفراج عنه خلال 24 ساعة، وهددوا بحرب مفتوحة واستهداف المصالح الإيرانية في بقاع شتى، وبالفعل أفرجت السلطات الإيرانية عنه بُعيد تهديد الشيرازيين .
وعاد المرجع الديني حسين الشيرازي ليهاجم النِّظام الإيراني بقوّة في ديسمبر 2017م، فقال: «هناك ثلاث أذرع أو عوامل لتمادي الدولة في قمعها. العامل الأول أبرزها وأوضحها، وهو القمع السلوكي، عبر السجون والمعتقلات، والتعذيب عبر جهاز المخابرات والبوليس والجيش، هذا قمع معروف. هذه من سمات الدول، رئة الدولة، مثل الأكسجين للإنسان، فالدولة من غير وسائل القمع لا يمكنها أن تعيش. العامل الثاني هو القمع الاجتماعي، عبر المجموعات الغوغائية، هذه من أهمّ ركائز الدولة، مجموعات غوغائية يحركونهم في أي وقت يحبون، ضدّ أي مشروع وضدّ أي واحد، وهؤلاء عندهم مجموعات بالآلاف، يحركونهم بوازع ديني، بتعصبات دينية أو عرقية أو أمثال ذلك. غوغائيون يحركونهم في مختلف الجهات ومختلف المجالات، يضربون سفارات، يحرقون مؤسسات، يدخلون على بيوت مراجع، يحرقون مكتبات، ويحلقون لحى بعض مراجع التقليد، هؤلاء الغوغائيون من ورائهم الدولة، تحركهم ضدّ المرجع لأنه قال رأيًا فقهيًّا لا يوافقها، لقد راقبوا كل بيوت المراجع ودنسوها.
هذا القمع الاجتماعي أقوى من العامل الأول، وإن لم يكن بهذا الظهور. العامل الثالث وهو الأهمّ: القمع الإعلامي، فالماكينة الإعلامية تصنع جوًّا هائلًا إلى درجة أن الحسين عليه السلام يصير خارجيًّا، ويُقتل قربة إلى الله تعالى، قال الإمام الصادق: (ازدلف إليه ثلاثون ألفًا، كلٌّ يتقرب إلى الله بدمه). بالإمكان أن يُجبَر الناس على قتل الحسين، لكن قربة إلى الله؟! هذا ما لا يمكن. فالقضية القلبية ما سيطر عليها يزيد، بيد أن الدعاية هي التي فعلته، وجعلته خارجيًّا، وإلى يومك هذا أكبر مراجع الطائفة يصير خارجيًّا، فيقولون هذا بريطاني وهذا أمريكي، وهكذا. ماكينة الدول تُنتج القمع الإعلامي، تسوّيه في البداية خارجيًّا ثم تقتله، وهذه قدرة الدول فقط وفقط، وهذا ما فعله معاوية مع أمير المؤمنين، وابنه صنع نفس الشيء مع أمير المؤمنين».
وتعدى هجوم الشيرازي الابن ليشمل ولاية الفقيه، فقال: «أيّ شخص يعترض على ولاية الفقيه يقال له هذه طريقتكم، مثل فرعون عندما قال أنا ربكم الأعلى، وعدّ موسى وهارون يقوضان طريقة الناس لا طريقته هو، طريقتكم المثلى، هذا التبجّح، وهذه الانبهارية، وهذا المدح للذات. هو [يقصد الخميني] يقول: أنا ربكم الأعلى، فإذا قيل له هذه طريقتك أنت، قال: إنما هو طريقكم أنتم، ومصلحتكم أنتم، الآن عندما يريدون أن يطيحوا بشخص يقولون فلان هذا ضدّ ولاية الفقيه، مع أن الشيخ الأنصاري كان ضدّ ولاية الفقيه. مبدأ أنا ربكم الأعلى وهذه طريقتكم المثلى يتجلى في ولاية الفقيه، تطابُق النعل بالنعل، القذ بالقذ. هذه البلاد الآن قائمة على هذا المفهوم بقضها وقضيضها» .
مظاهرات في كربلاء:
وعقب اعتقال «الشيرازي» اندلع عدد من الاحتجاجات الغاضبة ضد السلطات الإيرانية في كل من الكويت والعراق وفي العاصمة البريطانية لندن، تنديداً بقيام الاستخبارات الإيرانية بمهاجمة موكب المرجع الشيعي آية الله الشيرازي، واقتياد ابنه السيد حسين الشيرازي بطريقة مهينة.
وفي العراق وتحديدا منطقة كربلاء خرجت مظاهرة أمام الملحقية الإيرانية التابعة للسفارة الإيرانية، احتجاجا وتنديدا بالاعتقال السافر الذي تعرض له السيد حسين الشيرازي، فيما تداعى المئات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإقامة مظاهرات يومية أمام السفارة الإيرانية احتجاجا على قيام السلطات بظلم وإهانة الرموز الدينية، وسط تصاعد لهتاف “الموت لخامنئي”.. “الموت لفرعون العصر”.
ووجه زعماء عشائر من العراق بينهم عشيرة آل بودراج، إلى المرشد الإيراني علي خامنئي بالإفراج عن نجل المرجع الشيرازي، متهمين خامنئي بالوقوف وراء اختطاف السيد حسين الشيرازي. ويحتفظ التيار الشيرازي بمرجعية السابق محمد الشيرازي والحالي صادق الشيرازي بخلاف مستحكم مع السلطات الإيرانية، وسبق أن وضع المرجع الراحل آية الله الشيرازي تحت الإقامة الجبرية في مدينة قم، كما اعتقل نجله السيد مرتضى، وتعرض لتعذيب شديد.
كما اعلنت السلطات البريطانية، السبت، احتجاز، أربعة اشخاص اقتحموا السفارة الايرانية في لندن وانزلوا العلم الايراني من ناصيته، موضحة أن المحتجزين لوحوا بأعلام للاحتجاج على الحكومة وسياستها في طهران.
وأعلنت متحدثة باسم شرطة العاصمة إن المحتجزين تورطوا في أضرار جنائية لوجودهم بصورة غير قانونية في مقر دبلوماسي.
وقال السفير الإيراني في بريطانيا حميد بعيدي نجاد في تغريدة على تويتر إن المهاجمين من "أنصار الطائفة الشيرازية" وإنهم بدلوا العلم الإيراني وعلم طائفتهم.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية بهرام قاسمي "بريطانيا مسؤولة عن سلامة الدبلوماسيين الإيرانيين".
ما هي الشيرازية؟:
الشيرازيّة فرقةٌ من فرق الشِّيعَة الإماميّة، وواحدة من أهم المرجعيات الشيعية الاثنا عشرية الموجودة في العالم اليوم، ويتميّز أتباعها بميلهم إلى التديّن الطقوسي، وإحدى سماتهم الرئيسة هي معارضتهم الواضحة والصريحة لنظام الولي الفقيه الحاكم في إيران
وقد نشأت تيَّارًا فكريًّا وسياسيًّا، أسَّسه السيد محمَّد الشيرازيّ في منتصف الستينيات في مدينة كربلاء بالعراق، حيث كان التيَّار الشيرازي قويا وشعبويا لدرجة أنه تقاسم الشارع الشِيعي مع حزب الدعوة في الستينيات، ويرى البعض أن الشيرازية خرجت من رحم التنافس بين مدينتي كربلاء والنجف وهو تنافس له تاريخ وما السيد مهدي الشيرازي سوى تعبير متأخر عنه.
واهم مبادئ الشيرازية، هو منهج البراء الجهري، فالعقيدة لديهم تكونت كباقي العقائد على حجري أساس، هو الولاء والبراء، "الولاء" لآل البيت، و"البراء" من أعدائهم وهم رموز أهل السنة والجماعة، من بعض الصحابة وأمهات المؤمنين، والتطبير، حيث يعتبر وهو ضرب الرأس بآلة حادة، حتى يسيل الدم على الوجه والملابس التي عادة ما تكون أكفانا بيضاء.
واستطاع محمد الشيرازي (1928- 2001م)، نجل السيد مهدي الشيرازي وجده وجَدُّه السيد عبد الهادي الشيرازيّ، وتَصدَّى للمرجعية دون اعتراف من علماء النجف، التصدي المرجعية دون ان يحظى باعتراف علماء النجف حتى ان السيد محسن الحكيم حذّر من خطر ( حركة الرساليين ) او حركة المرجعية الاسم الذي أطلقه سيد محمد على تياره .. انا اختلف مع ماذكره علي المؤمن بكتابه ( سنوات الجمر ) بأن السيد مهدي الشيرازي كان صاحب السبق بتأسيس الفكر الشيرازي وادعي ان الشيرازية بالعراق كانت بمرحلة النمو مستغلة بعض مظاهر الانقسام بين سكان مدينتي النجف وكربلاء الذي كان يتحول صدامات في الزيارات بين مواكب المدينتين ، فاستغل الشيرازي الاب رغبة عوام المدينة بالاستقلال عن سطوة المرجعية النجفية وتحولت بمرور الزمن الحوزة الكربلائية الى حوزة تمثل هوية سكان الولاية الذين كان العديد منهم من جذور إيرانية فنشأت حركة الشيرازي بمعزل عن حوزة النجف كمرجعية كربلائية بديلة ولم تكن تملك مشروعاً سياسياً حتى منتصف الستينات .وبعد صطدام مع نظام البعث، هروب محمد الشيرازي إلى الكويت، ثم إلى إيران موطنه الأصلي، ومعها دخل الشيرازية الي إيران بعد لجوء محمد الشيرازي إليها.
ومع قيام الثورة الإسلامية، كان محمد الشيرازي من داعمي الثورة الإيرانية سنة 1979، وكان رأيه في ولاية الفقيه كرأي آية الله حسين منتظري. لذلك احتلّت منظَّمة العمل الشيرازيّة -كان يقودها محمَّد تقي المدرسي- شوارع طهران ونصبوا المشانق لمعارضي الثورة، وتَمدَّدوا في الأجهزة الأمنية والجيش والشرطة، لأن أغلبهم إيرانيون وُلدوا في كربلاء يحملون الجنسية الإيرانية، وكان على رأس منظَّمة العمل في التسلسل الهرمي بعد محمَّد تقي المدرسي: كمال الحيدري، ومحسن الحسيني، وهادي المدرسي، ثم خرج كمال الحيدري في ما بعد، وأسَّس مرجعية منفصلة، وهو المرجع الشِّيعِيّ المعروف الآن.
ويمتلك الشيرازيين العديد ا من وسائل الإعلام " قناة فدك التي يديرها الداعية الكويتي ياسر الحبيب- قناة اهل البيت العربي والانجليزي السيد هادي المدرسي- قناة الهادي- قناة المرجعية تابعة للسيد صادق الشيرازي .. وغيرها من القنوات الانجليزية والفارسية والعربية".
واستثمر قادة التيار الشيرازي في السنوات السابقة من نجاحات شعبوية وسلطوية، في توسيع رقعة الجماهير الشيعية المؤيدة لذلك الخط، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على تضخم الموارد المالية المتاحة في يد المرجعية الشيرازية.
فهذه المرجعية تتلقى أموال الخمس التي يعتاد قطاع كبير من الشيعة على أدائها إلى مراجعهم، هذا بالإضافة إلى الكثير من المساعدات المالية والعينية الضخمة التي يقدمها كبار الشيرازيين إلى مرجعية قم، وهو ما أتاح الفرصة لظهور العديد من المنابر الإعلامية التي تقوم على خدمة المرجعية الشيرازية ومهاجمة أعدائها، ومن أهم تلك المنابر فضائية كربلاء وفضائية الأنوار وقنوات فدك وصوت العترة التي تبث من لندن.
واليوم يعد مجتبى الحسيني، الأخ الأصغر للمرجع الحالي صادق الحسيني الشيرازي، أحد أهم رجال الدين الذين يتبعون الخط الشيرازي خارج قم، اتخذ مجتبى مسلكاً آخر بعيداً عن الشكل الرسمي للمرجعية، بحيث تظهر فيه الشخصية الثورية بشكل أكثر حدة من باقي أقربائه من العائلة الشيرازية.
وكان مجتبى تلميذاً عند آية الله الخميني عندما قدم الأخير إلى النجف عقب خروجه من تركيا، وعُرف بتأثره الشديد بالشخصية الثورية للخميني وكذلك بملازمته الطويلة له، وكان له دور بارز في أحداث الثورة الإسلامية عام 1979، إذ كان من أهم أتباع وأعوان الخميني.
ولكن مجتبى الحسيني انقلب على الخميني بعد ذلك، ووجّه له وخليفته علي خامنئي الكثير من الاتهامات والانتقادات وصار من أبرز المعارضين للنظام الحاكم في طهران. وفي عام 1994، سافر مجتبى إلى إنجلترا واستقر في لندن، وقام من هناك بتوجيه الاتهامات ضد رموز المذهب السني.
الصراع مع ولاية الفقيه:
يتمتع الشيرازيين بنفوذهم سياسي وديني قوي في إيران، رغم انهم التيار الابرز بالكويت والبحرين والسعودية، وأشرفت الحركة على القسم العربي في إذاعة طهران قبل الإصطدام مع نظام الخميني، كما ركزوا على الحسينيات والمنابر والفضائيات ووسائل الإعلام في نشر منهجهم وبسط نفوذهم. فمن خلال الإعلام اكتسبوا قاعدة جماهيرية شِيعِيَّة واسعة في الخليج العربي وإيران والعراق، وجاءتهم الأموال والتبرُّعات من كل حَدَب وصوب، وكانوا هم الأكفأ في نشر التشيُّع في كثير من البلدان الإفريقية وشمال المغرب العربي عن طريق الإعلام، والإرساليات التبشيرية التي تبشِّر فقط بين المسلمين السُّنَّة، وليس من أولوياتهم التبشير في أوساط النصارى أو اليهود.
ويري باحثون أن الحركة الشيرازية في إيران تحولت لحركة تشبه حركة الداعية والمعارض التركي فتح الله كولن في تركيا، يملكون نصف بازار طهران ويجمعون ملايين الدولارات من أنصارهم بالخليج عدد الحسينيات التي يملكونها في قم وأصفهان كبير جداً .
المرجعية الشيرازية أقرب ما تكون للتنظيم، الذى يسعى لتنفيذ مشروع أممي، فالمنهج الشيرازي ليس مجرد منحى دينيًا أو عقائديًا فقط، وهو حال الغالبية العظمى من المراجع الشيعية، حيث إن فلسفة "عالمية الرسالة" معتقد يقينى متجذر فيهم، ولا ننكر أن نشر المذهب الديني، هو هدف جميع الأديان والمذاهب حتى الوضيعة منها، لكنها تزداد رسوخاً لدى الشيعة عن الأخرين، فمن أسس العقيدة لدى أتباع المذهب الشيعي، هو الإيمان بإمامة "المهدى"، وهي الإمامة العامة والتى تعنى "عالمية الرسالة"، ويعتقد الاثنا عشرية، أن التمهيد لخروج المهدى من غيبته يبنى على أسس غيبية معلوم بعضها، من أهمها انتشار المذهب الشيعي، مستندين على نص قرآنى، "ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا"، وحسب تفسيرهم للنص والذى يختلف عن تفسير أهل السُنة، وهو أن الناس يدخلون في المذهب الشيعي أفواجًا علامة على اقتراب الظهور المقدس، أما أهل السُنة فيعتقدون أن زمن الآية كان في بداية رسالة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا يرجع إلى الخلاف في التأويل بين الظاهر والباطن في متن النص.
وبحسب ما يذكره إياد موسى محمود في كتابه "دراسات في فكر الإمام الشيرازي"، فإن رفض تلك المرجعية لنظام الولي الفقيه بدأ مع وصول آية الله روح الله الخميني إلى الحكم، واستحواذه على السلطة المطلقة في إيران بعد القضاء على الحكم الشاهنشاهي.
واعترض رجل الدين الشيعي آية الله محمد بن مهدي الحسيني الشيرازي، رغم كونه ممّن ساندوا الخميني في بداية حركته، على فكرة الولاية المطلقة لفقيه واحد، فقد كان يطالب بمشاركة جماعية من عموم الفقهاء المشهود لهم بالعدالة في إدارة أمور الدولة.
وأدى الخلاف حول تلك المسألة وحول مسائل أخرى بين الخميني والشيرازي إلى التضييق على الأخير وعلى أتباعه في إيران، فمُنع من إلقاء الدروس والخروج من منزله، وظل على ذلك الحال حتى وفاته عام 2001، حين خلفه أخوه صادق الحسيني الشيرازي في منصب المرجعية، واتخذ مع أتباعه في مدينة قم مركزاً قوياً للمعارضة الروحية لنفوذ مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الذي يحكم من طهران.
ومع اشتداد الصراع بين ولاية الفقيه والشيرازية، بدأ الحرس الثوري يحد من تنامي الشيرازيين بعد ما أيد محمد الشيرازي فكرة مجلس شورى الفقهاء بدل ولاية الفقيه المطلقة بعد وفاة الخميني وهو على غرار الكثير من المراجع يرفض ولاية المرشد الحالي علي خامنئي.
كما يعارض الشيرازي فتوى خامنئي بتحريم التطبير (ضرب الرأس بالسيف في مراسم عاشوراء) حيث تم إغلاق حسينيات الشيرازي وتحجيم نفوذه وفرضت الإقامة الجبرية عليه حتى وفاته عام 2001.
الصراعات ايضا لم تقف عند ايران حيث اتسعت إعلامية لتدخل في صدام مباشر مع حزب الله وإيران منذ أربع سنوات، الأمر الذي يعده أنصار ولاية الفقيه خيانة للتشيّع الذي تقوده إيران بالمنطقة.
ولخص رجل الدين اللبناني والمعمم الشيعي "الشيخ حسين اسماعيل: الصراع مع ولاية الفقيه إلى 5 نقاط ن أولا دعوة السيد الخميني للانفتاح على العالم السني واحترام الصحابة اعتبرها الشيرازيون انقلاباً عقائدياً لأنهم يسمون السنة البكرية والعمرية ويعتبرون عقائدهم فاسدة .
الأمر الثاني من وجهة "حسين اسماعيل" هو إعدام مهدي الهاشمي وعزل ية الله حسين علي منتظري، النائب السابق لآية الله الخميني ،لاكتشافهم بعلاقاتهم مع المخابرات الأمريكية افقد الشيرازيين قوتهم ونفوذهم داخل الأجهزة الأمنية الإيرانية، حسب قوله.
فالإعلام الإيراني يروج أن الشيرازيين عملاء لبريطانيا ودول الخارج، في حين أن مراجع الشيرازيين كافة إنما يمارسون اجتهادهم من داخل قم، مثل صادق الشيرازي وابنه حسين الشيرازي، ومن ثم فأي عمالة للخارج أو وجود قنوات اتصال مع الخارج لا يمكن تصديقه عقلًا. ولكن هذا ديدن قديم للنظام الإيرانيّ، فقد اتهم النِّظامُ حسين منتظري من قبل بأنّه "يتلقى الدعم من متشددي السنة"، وكذلك ما حدث مع مراجع الإصلاحيين بعد الثورة الخضراء في 2009م، كلّ هذا يدلّ على أنّ الأمر ليس عمالة للخارج بقدر ما هو تشويه ونزع أعلمية، وضرب أي مرجع يناهض النِّظام في أطروحته وفلسفته.
والأمر الثالث من وجهة "اسماعيل" هو التقارب الكبير بين الشيرازيين و الحجتية بالأفكار عكس صراع الحجتية مع ولاية الفقيه فمسهم شرر هذا الصراع، وكذلك خوف الحرس الثوري من تنامي الشيرازيين داخل جسم الدولة قد يؤدي الى انقلاب مضاد خصوصا وان السيد الشيرازي كان يطرح فكرة مجلس شورى الفقهاء ضمن إطار ولاية الفقيه اي انه لا يؤمن بولاية الفقيه المطلقة .
ومن الأمور الأخري بحسب "اسماعيل" اتصور ان فتوى السيد الخامنئي بتحريم التطبير كانت معدة مسبقاً لضرب الشيرازيين الذين يعتبرون التطبير عقيدة لأن الشعب الايراني أساساً لايؤمن بالتطبير عدا بعض الأقليات التركية ، لذلك لا اعتقد ان الفتوى موجهة للإيرانيين ولكن كانت معدة لضرب الشيرازيين وإغلاق حسينياتهم وتحجيمهم لأنهم سوف لن يلتزموا بالفتوى ويدخلوا بصراع مع الرهبر وهذا ما حصل بالفعل ، أغلقت كل حسيناتهم واعتقل العديد من قادتهم وفرضت الإقامة الجبرية على سيد محمد الشيرازي واعتقل ولداه" .
ولكن علي ايي يرهن النظام الإيراني في صراعه مع التيار الشيرزي، يري مراقبون أن نظام خامنئي، يعول كثيرا على ضعف وهشاشة بنية التيار الشيرازي وانعدام قدراته على التوسع في بيئات مغايرة ومخالفة مذهبيا، لأن خطابه صدامي مع الآخر، السني والزيدي، والإسماعيلي والعلوي، والليبرالي، وكل الآخر، في حين يتمتع النظام الإيراني ببراغماتية عالية في مفردات وسرديات الخطاب السياسي والإعلامي. فإذا ضعفت قدرات الشيرازيين على التمدد في بيئة غير شيعية، وإذا كانت البيئة الشيعية متشظية بين الشيرازيين وولاية الفقية والتقليديين وغيرهم، بالإضافة إلى تشظي وانقسام الشيرازيين الداخلي، وإذا كان نظام ولاية الفقية هو من يملك السلطة والمال والسلاح والنفوذ، فتترجح الكفة لصالحه، بل ربما لا توجد مقارنة أصلًا لتغيير خرائط اللعبة بين الجانين على المديين القريب والمتوسط.
ولذلك ترك نظام ولاية الفقيه صادق الشيرازي -وهو عمّ محمد رضا الشيرازي والأخ الأصغر لمؤسس التيَّار محمد مهدي الشيرازي- يمارس مرجعيته في قم، ولذلك بتوصيل رسالة ان لا يهدد التيار الشيرازي ولكن يهدد المتشددين داخل التيار وهو بذلك يلعب علي الانقسام الداخلي للتيار وكذلك اضعاف موقف انصار حسين الشيرازي في الدفاع عنه، واستفاد نظام ولاية الفقيه من العنف الذي استخدمه انصار حسين الشيرازي في اقتحام السفارة الايرانية في لندن، ووظفه لصالحه في الحد من قوة ونفوذ التيار الشيرازي.
فنظام ولاية الفقيه ترك صادق الشيرازي، حيث لم يسع لتكميمه أو إقصائه بشكل تام، ولكن قد تكون هذه المساحة بسبب طبيعة صادق الشيرازي غير الثورية وغير العنيفة، فهو وإن كان ضدّ ولاية الفقيه بقراءتها الخمينية إلا أنه لم يصطدم ولم يدع للصدام مع النِّظام الإيراني، ولا يمثل وجوده تهديدًا للنظام الإيراني، خصوصًا بعد تشظي القاعدة الشيرازية بين مرجعية صادق الشيرازي وتقيّ المدرسي. لكن أغلبية الشيرازيين اليوم ممن يقلدون صادق الشيرازي ضدّ التغيير بالعنف. ومع أنّ تقي المدرسي يتبنى العنف في المنطقة والإقليم وقاد حركة طلائع الرساليين ذات التاريخ العنيف إلاّ أنّه يلقى دعمًا من النِّظام الإيراني، بخلاف صادق الشيرازي . وهذا إن دلّ فإنّما يدلّ على مساندة النِّظام الإيراني للعنف في المنطقة، فالتاريخ العنيف لطلائع الرساليين التي قادَها تقيّ المدرسي في البحرين والكويت معروف ومشهور.
ولاية الفقيه والصدام الشيرازية
ويرى محللون للشأن الإيراني، أن ما يحدث من اصطدام بين الشيرازية وولاية الفقيه الخمينية، هو بداية سقوط نظام الملالي كما يعتبر الوضع “فرصة ذهبية” للشيعة العرب لاكتشاف حقيقة النظام الإيراني الذي ظل يستغل بعض ضعاف النفوس ولسنوات في الخليج وبخاصة في الكويت والسعودية والبحرين.
ويواجه النظام الإيراني حاليًا إشكالية في الداخل وهي تراجع شعبيته أمام الإيرانيين أنفسهم، والدليل هو المظاهرات الداخلية التي تطالب بتحسين مستوى المعيشة والتوظيف والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، خاصةً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تسبب فيها نظام الملالي.
كما تواجه طهران الآن مشكلة ولكنها خارجية وهي معاداة الشيعة العرب واعتقال رموز دينية لهم، وكذلك الصراع مع التيارات الدينية الأخرى في ايراك وهو ما حدث مؤخرا مع "دراويش كنابادي" ووضع زعيمها " نور علي تابنده" تحت الإقامة الجبرية، كذلك يشير إلى مخاوف "ولاية الفقية " من السقوط من حكم إيران وهو ما يهدد بقاء اتباع نظرية ولاية الفقيه و"ايات الله" القائمين والمكتسبن منها حيث بقائها في السلطة يبقى علي مكانته في الشارع وأيضا في الثراء والشهرةن حيث تشير الصطدامات أن ولاية الفقيه تمرّ بأكبر أزمة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية. فَكُرَة الثلج تتدحرج من داخل الحوزة العلمية إلى الجمهور العادي، ومن الجمهور العادي إلى داخل الحوزة العلمية، ممّا يزيد نسب المعارضين للنظام الإيرانيّ ولولاية الفقيه، وكذلك نسب المعارضين لتعامل النِّظام مع المناهضين لولاية الفقيه. وإذا صدّر النِّظامُ فِعَاله بأنّها ضدّ المعارضين للجمهورية الإسلامية ولولاية الفقيه وخطّ الإمام، فإنّه سرعان ما يفقد مبرراته الأخلاقية مع كثرة الاعتقالات التي لم تنحصر في صفوف الشيرازيين، بل اتسعت لتشمل صفوف الإصلاحيين أيضًا الذين هم على نفس تَوَجُّه ولاية الفقيه مع بعض المطالبات الإصلاحية الجزئية. فقد يسأل رجل الشارع الإيرانيّ، أو العقل الشيعي في أيّ بقعة: إذا كان الشيرازيون عملاء بريطانيا ومِن ثَمّ جاز اعتقالهم وتكميم أفواههم، فلماذا اعتُقل موسوي وكروبي؟ وحُجّم خاتمي؟ وطُورِدَ كديفر والصانعي وعشرات غيرهم؟! ممَّا يُفقِد النِّظام مبرِّراته الأخلاقية، وسُمعته التي يرسمها لنفسه.