استعدادات بالفاتيكان لعقد مؤتمر عالمي لمناقشة " اوضاع مسيحيو الشرق " في يوليو القادم
الثلاثاء 01/مايو/2018 - 01:12 م
طباعة
في اطار استعدادات الفاتيكان لعقد مؤتمر عالمي عن اوضاع مسيحيو الشرق الاوسط في 7 يوليو 2018 بمدينة باري الايطالية. وجهه البابا فرنسيس الدعوة الي البطريرك الأنبا ابراهيم اسحق، بطريرك الاقباط الكاثوليك بمصرللمشاركة في المؤتمر الذى من المقرر ان يشارك فيه كل بطاركة واساقفة الشرق .وياتي المؤتمر في ظل تناقض كبير في اعداد مسيحيو الشرق ففي الأراضي الفلسطينية، مهد المسيحية، تشير التقديرات إلى وجود 49 ألف مسيحي فقط، أي ما يعادل 1.2 بالمئة من إجمالي السكان. ويعيش نصف هؤلاء في محافظة بيت لحم، وفي مهد المسيح يعيش حوالي 6500 مسيحي فقط. ويذكر أن عدد المسيحيين في مدينة القدس بحسب إحصاء 1922 كان يساوي 3 أضعاف عدد المسلمين.أما في سوريا فلم يبق من المسيحيين إلا 1.2 مليون مسيحي. وكانت وزارة الخارجية الروسية أعلنت عام 2016 أن عدد السكان المسيحيين في سوريا انخفض مليونا واحدا منذ بداية الأزمة في البلاد عام 2011. وقال قسطنطين دولجوف، مفوض الخارجية الروسية لشؤون حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون "انخفض عدد المسيحيين في سوريا منذ بداية النزاع المسلح هناك من 2.2 مليون إنسان إلى 1.2". وكان عدد المسيحيين عام 1950 يقدر بحوالي 5 ملايين، حيث كانوا يشكلون نسبة 60 بالمئة من عدد السكان.الأمر ذاته في العراق، فبعد أن كانت أعداد المسيحيين العراقيين تقدر بثلاثة ملايين في نهاية القرن العشرين صار عددهم في العراق اليوم لا يزيد عن نصف مليون، وإذا استمر فرارهم للنجاة بأنفسهم فإن الدراسات تتوقع نهاية وجودهم في العراق خلال السنوات العشر القادمة.
أما الأقباط الذين كانوا يشكلون 25 بالمئة من سكان مصر فقد أصبحوا الآن يشكلون أكثر من 10 بالمئة (حوالي 10 ملايين). وفي الأردن تشير الإحصائيات إلى أن عددهم حاليا يقارب المئتين وخمسين ألف نسمة.وحتى في لبنان، الذي كان المسيحيون فيه يشكلون أغلبية قبل نحو قرن من الزمان، تحول المسيحيون إلى أقلية، بسبب الهجرة إلى الخارج وارتفاع معدلات الإنجاب لدى المسلمين. والآن بات المسيحيون في لبنان يشكلون حوالي 30 أو 35 بالمئة من مجموع السكان. وفي المحصلة لم يبق من المسيحيين في الشرق إلا ما بين اثني عشر مليون نسمة وخمسة عشر مليون نسمة من أصل ثلاث مئة وخمسين مليون عربي تقريباً، وهؤلاء قد تنخفض أعدادهم -كما تشير الدراسات- إلى نحو 6 ملايين سنة 2025.
العالم وفي تقرير كتبه الصحفي الايطالي جياني فالينتي وترجمة منير بيوك حول الامور المتوقع مناقشتها في المؤتمر المسكوني بمدينة "باري ومستقبل مسيحيي الشرق تم الإعلان بصورة متواضعة ومن دون ضجة عن "يوم للتأمل والصلاة" الذي سيجمع البابا فرنسيس مع رؤساء الكنائس والجماعات المسيحية المنتشرة في أنحاء مختلفة من الشرق الأوسط. إلا أن هذا هو الحدث "الأول" في تاريخ المسكونية – العالم - . فللمرة الأولى يدعو أسقف روما، أو قديمًا "بطريرك الغرب" (وقد ألغى البابا بندكتس السادس عشر هذا اللقب عام 2006) إلى عقد اجتماع صلاة مع جميع بطاركة ورؤساء كنائس الشرق، الذين لم يكونوا في أوقات خلت على شركة كاملة مع كنيسة روما بدءًا من مجمع أفسس الذي عقد في العام 431 للميلاد.
في العقود الأخيرة (ابتدءًا من يوم الصلاة من أجل السلام الذي عقده فويتيلا في أسيزي في 27 نوفمبر عام 1986)، كان هناك العديد من اللقاءات الدينية بناءً على طلب البابوات لابتهال نعمة السلام مع ممثلين مسيحيين وقادة مختلف الأديان. دعا يوحنا بولس الثاني إلى إقامة يوم صلاة من أجل السلام في 24 يناير عام 2002 في أسيزي بعد الهجوم على برجي نيويورك، بينما شارك البابا بندكتس السادس عشر على الدوام بيوم التأمل، والحوار، والصلاة من أجل السلام في أسيزي للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين "لإعلان" فويتيلا التاريخي لعام 1986. ومع كل الاحترام لكل هذه الأحداث، فإن اليوم الذي دعى إليه البابا فرنسيس في باري يدخل في إطار علم الفراسة الذي يخصه. فالدعوه تقتصر تحديدًا على رؤساء الكنائس والجماعات المسيحية في منطقة الشرق الأوسط.
كانت السابقة التي تبدو في معظمها تشبه الاجتماع المقبل في باري، هي الاجتماع الذي تم في مارس عام 1991، بعد أيام قليلة من نهاية حرب الخليج الأولى، والتي جمعت في روما حول يوحنا بولس الثاني ممثلي أسقفيات الدول الأكثر مشاركة في ذلك النزاع. لكن اقتصرت المشاركة في تلك المناسبة فقط على البطاركة والأساقفة الكاثوليك المتواجدين في الشرق للاجتماع إلى جانب أساقفة وكرادلة كاثوليك غربيين وكبار الأساقفة في الكوريا الرومانية.
اقتراح من البطريرك الآشوري مار كيوركيس
إن عدم التشديد على الإعلان الخاص باللقاء المقبل في باري المدينة التي تعرف بأنها "نافذة على الشرق"، في حديث مقتضب قدمه مدير مكتب الفاتيكان الصحفي جريج بيرك، يسمح بإدراك، خلاف ذلك، الطريق التي يتم اتباعها في سنوات بابوية فرنسيس الذي يصر على الإشارة إلى المسكونية على كونها مسيحيين "يسيرون معًا" عبر التاريخ نحو الشركة الكاملة.وقال موقع ابونا الكاثوليكي للاعلام انه وبفعل بفضل المعمودية، أبقى خليفة بطرس الحالي – البابا فرنسيس -على الدوام نوعًا من الطريق السريع مفتوحًا للبطاركة ورؤساء الكنائس الشرقية مما يبين بصورة خاصة قلقًا خاصًا على أولئك الذين يقيمون في دول شرق أوسطية بسبب وحشية الصراعات والنزاعات الطائفية التي ألمت بها. فمن البطريرك المسكوني برثلماوس إلى بطريرك السرياني الأرثوذكس إغناطيوس أفرام الثاني، من البابا القبطي تواضروس إلى الأرمنيين كاريكين وأرام. كما أتيح لكل رؤساء الكنائس الشرقية غير الكاثوليكية على الأغلب في أكثر من مناسبة بالمشاركة في لقاءات جامعة مع أسقف روما.
وخلال زيارته للفاتيكان في ديسمبر من العام 2016، اقترح البطريرك الآشوري مار كيوركيس الثالث بنفسه على البابا فرنسيس عقد اجتماع لبطاركة ورؤساء الكنائس الشرقية "لمناقشة الوضع بالشرق الأوسط، والصلاة سويًا، إضافة إلى البحث عن حلول للمشاكل". ووفقًا للبطريرك الأشوري، كما أسر مار كيوركيس الثالث بنفسه إلى موقع الفاتيكان إنسايدر الإلكتروني، فإن "الأوقات التي نعيشها تدعونا إلى إبراز علامة الوحده هذه".
الوحدة المسيحية ضمن أحداث التاريخ
فبين كنيسة روما وكنائس الشرق، يبقى الإقرار بالأخوة المتبادلة على الدوام، في إطار إمكانية استعادة الشركة المقدسة بصورة تامة. إنه الأمل الذي يؤدي لمواجهة المسافات اللاهوتية والعقائدية وتقصيرها، لكن يتم تعضيد هذا الاهتمام المشترك من خلال معاناة مسيحيي الشرق الأوسط، ومن المستقبل غير المضمون للمسيحية على وجه التحديد في الأراضي التي بشر بها الرسل.
ستعطي الصراعات الجارية حاليًا في الشرق الأوسط دون شك الاجتماع القادم في باري دلالات جيوسياسية ذات أهمية. ووسط هذا الإجتماع المتنوع مع رؤساء الكنائس الشرقية في الأوقات العصيبة التي تتسم بالتدخلات المتناقضة، عادت بعض الأصوات الناقدة مؤخرًا لتسود على سياسات القوى الغربية. في الرابع عشر من نيسان، وقع البطاركة الثلاثة المقيمون في دمشق، ويحملون لقب أنطاكية، وهم الأرثوذكسي يوحنا العاشر، والكاثوليكي الملكي جوزيف عبسي، والأرثوذكسي السرياني أغناطيوس أفرام الثاني، على وثيقة تدين "العدوان الوحشي" الذي نفذته الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة ضد سوريا "بتهمة استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيماوية".
وفي ديسمبر الماضي، أبدت الرغبة المعلنة من الإدارة الأمريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل إلى العديد من الآثار الجانبية بما في ذلك إعادة تشكيل مسكوني واسع النطاق لجميع الكنائس المسيحية في الشرق الأوسط، مع ممثلي جميع الكنائس المعبره علانية عن معارضة مجملة لقرار ترامب.
ليس من قبيل المصادفة أن فلاديمير بوتين قد استقبل في 4 ديسمبر الماضي العديد من ممثلي كنائس الشرق الأوسط بمن فيهم بطاركة الروم الأرثوذكس في القدس ثيوفيليوس الثالث وفي أنطاكية يوحنا العاشر مع جميع رؤساء وفود الكنائس الأرثوذكسية الذين وصلوا إلى موسكو للمشاركة في الاحتفالات بالذكرى المئوية لإعادة إنشاء البطريركية في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. وفي تلك المناسبة، أشار بوتين في كلمته إلى مساهمة القوات الروسية في تمكين الجيش السوري "من حتى تحرير المناطق السورية الأكثر أهمية للمسيحيين من الإرهابيين". وأضاف أن التعاون بين بطريركية موسكو والكنيسة الكاثوليكية قد يكون له "دور حاسم" في تشجيع عودة اللاجئين المسيحيين إلى ديارهم في المناطق المحرره من سيطرة الجهاديين.
غير أن السياسة الجغرافية للصراعات في الشرق الأوسط ليست بالأمور الوحيدة التي يجب وضعها بعين الاعتبار في مواجهة المشاكل والصعوبات التي تصيب العديد من المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط. إنها بالواقع الصراعات والاضطرابات التاريخية في السنوات الأخيرة التي سلطت الضوء على كنوز الإيمان المتناثرة بين المسيحيين في الشرق، ولكن أيضًا على هشاشة الوضع الداخلي والضعف في العديد من الأجهزة الكنسية المتجذرة في تلك الأراضي. فقد يوفر الإجتماع القادم في باري أيضًا فرصة للتداول مع كل العوامل التي تضعف الوجود المسيحي في الشرق الأوسط "من الداخل"، مع اللجوء إلى الشجاعة الرسولية. وإذا تركنا جانبًا الوهم بالإبقاء على وجود مجتمعات تعود لألف سنة من التاريخ، سيكون كافيًا جمع الأموال في الغرب أو تقديم مساعدة خارجية من بعض "حماة المسيحيين" ا فهل يؤدي الي هذا المؤتمر الي وضع حلول فعلية ام مزيدا من المؤتمرات التى تبكي فقط علي اللبن المسكوب ؟هذا ما سوف تكشف عنه الايام في باري الايطالية