«التقارب الصيني الطالباني».. التأسيس لإمبراطورية بكين
السبت 19/مايو/2018 - 04:37 م
طباعة
تُشكل حركة طالبان حجر الزاوية في أي تسوية مستقبلية للأزمة الأفغانية، وتدرك كل القوى الفاعلة في أفغانستان وآسيا الوسطى هذه الحقيقة، وتسعى الدول الكبرى مثل «الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين» والقوى الإقليمية «باكستان، إيران، الهند»، إلى دفع «طالبان» للجلوس حول طاولة المفاوضات؛ لحلحلة الأزمة الأفغانية، وتسويتها.
وتأتي مبادرة الرئيس الأفغاني أشرف غني، التي أعلنها في 5 مارس 2018؛ لتسوية الأوضاع فيما بين الحكومة وحركة طالبان؛ وذلك لإنهاء حالة الصراع والحرب المستمرة منذ ما يزيد على 16 عامًا، وتدفع الحكومة الأمريكية حركة طالبان لقبول المفاوضات، فيما تشترط طالبان أن تكون المفاوضات بينها وبين وأمريكا دون تدخل الحكومة الأفغانية؛ وذلك لقناعة طالبان بأن هذه الحكومة مجرد أداة في يد أمريكا، ولا تقدر على الفعل والمفاوضة.
وفي هذا السياق، تسعى الصين إلى إقامة علاقات جيدة مع حركة طالبان، بقناعة راسخة لدى صانعي القرار الصيني أن طالبان تشكل الرقم الصعب في أي معادلة لتسوية الأزمة، وتنطلق الصين في هذه العلاقات من محددات عدّة، أهمها البُعد الأمني، وذلك من خلال أمرين؛ الأول يتمثل في تخوف الجانب الصيني من أن تُشكل الأراضي الأفغانية ملاذًا آمنًا للمتمردين في إقليم الإيجور، والثاني هو تفشي العنف وانعدام الأمن، وأن تصبح أفغانستان ملجأ للحركات الإرهابية، وأن يتسرب الإرهاب والعنف إلى باقي المنطقة، ويشكل خطرًا على الأمن القومي الصيني.
وتتمثل الأبعاد الجيوسياسية، في سعي الصين لأن تؤسس إمبراطورية الصين العظمى، وأن تبدأ بفرض هيمنتها الكاملة على منطقة جنوب شرق آسيا وآسيا الصغرى، وتتخذ منهما منطلقًا لفرض هيمنتها الكبرى على العالم، وفي هذا السياق تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في شراكة استراتيجية مع الهند، وتعمل على تقوية الهند؛ لتحدّ من النفوذ الصيني في جنوب شرق آسيا.
أما البُعد الاقتصادي فهو يُشكل حجر الزاوية في مشروع الصين الإمبراطوري؛ إذ أعلنت الصين إحياء طرق التجارة القديمة، وإنشاء طريق «الحرير»، وهو ما ستنفق فيه مليارات الدولارات؛ لذا تعمل على ضمان الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة، كضمانة أساسية لنجاح مشروعها الاقتصادي.
وعلى الصعيد السياسي؛ فإن الأمر مفروض تاريخيًّا؛ لأن قبائل البشتون تسيطر على الحكم في أفغانستان، وأن طالبان تعتبر الذراع السياسية لحكم هذه القبائل في المنطقة، إذن فلابد من التعامل معها لضمان نجاح أي تسوية مستقبلية.
وفي إطار سعى الصين لتوطيد هيمنتها على هذه المنطقة، استغلت التوترات الأمريكية الباكستانية، وعملت على إقامة حلف ثلاثي يجمعها مع باكستان وأفغانستان، وذلك وَفق برامج وآليات محددة لمكافحة الإرهاب، كما تعمل الصين على تقوية كل من باكستان وأفغانستان؛ وذلك للعداء التاريخي بينهما وبين الهند.
وفي مؤتمر الحزب الشيوعي الأخير، في نوفمبر 2017، أعلنت الصين اعتزامها إقامة عدد من القواعد العسكرية خارج أراضيها، وأشارت تقارير إعلامية صينية إلى أن «بكين» تتفاوض مع «كابل» على إقامة قاعدة عسكرية في أفغانستان، كما أشارت تقارير إعلامية أخرى إلى اعتزام الصين إنشاء قاعدة عسكرية في باكستان، وإن كانت إقامةُ قاعدة عسكرية في أفغانستان أمرًا واردًا، فإنه مستبعد بالنسبة إلى باكستان، وهو ما يتفق مع التطلعات الصينية لبسط هيمنتها في المنطقة.
وتُشير بعض التحليلات إلى التخوف من قيام أمريكا بدعم تنظيم داعش «ولاية خراسان» المنتشر في أفغانستان، كردة فعل على التقارب الصيني الطالباني، وذلك في إعادة استنساخ لتجربة الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفييتي آنذاك.