تفاصيل أكبر محاولة تاريخية للتقريب بين السُّنة والشيعة
الإثنين 25/يونيو/2018 - 12:10 م
طباعة
إسلام محمد
تعددت المحاولات عبر التاريخ للتقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة، لاسيما بين الطائفة الشيعية وجمهور السُّنّة؛ نظرًا لكبر عدد الشيعة وانتشارهم في عدد من الدول.
وجاءت أكبر تلك المحاولات على يد شاه إيران، المعروف باسم نادر شاه أفشار، في القرن الثامن عشر؛ إذ كانت إيران في أيامه ممزقة بين الدول المجاورة لها، وبلغ حكام الأسرة الصفوية من الهوان والضعف مبلغًا كبيرًا، فاستطاع نادر شاه إنهاء حالة الشتات، وجمع جيشًا كبيرًا استعاد به كامل حدود إيران، وضم إليها مساحات من دول الجوار، وتوسع ليغزو الهند والعراق وأوزباكستان، حتى وصلت دولته لأقصى اتساع، وهو ما حدا به ليبدأ في التفكير في توحيد شعوب مملكته فكريًّا والقضاء على النزاعات العقدية بينهم؛ إذ كان يكفر بعضهم بعضًا بسبب اختلاف المذهب.
فبالرغم من قتله عشرات الآلاف من أهل السُّنّة خلال حروبه التي خاضها أثناء تكوينه لمملكته، فإنه في النهاية انحاز لفكرة التقارب مع المذهب السني ومع الخلافة العثمانية السُّنّية، وانتقد الطقوس والشعائر التي ابتدعها الصفويون من قبله وفرضوها بالقوة، مثل سبّ الصحابة والخلفاء الراشدين الثلاثة، أبي بكر وعمر وعثمان، رضي الله عنهم، على المنابر وفي الشوارع والأسواق، والاحتفالات السنوية بذكرى مقتل الحسين رضوان الله عليه، ومواكب اللطم والتطبير (ضرب الرؤوس بالسكاكين)، في شهر محرّم، وإدخال الشهادة الثالثة على الأذان وهي (أشهد أنّ عليًّا وليّ الله) والسجود على التربة الحسينية، وقيل إنه أراد أن ينسى الإيرانيون الأسرة الصفوية التي أسقطها تمامًا.
مؤتمر التقريب
حاول نادر شاه الاستيلاء على بغداد مرات عدّة، وحاصرها بجيشه، إلا أنه في النهاية تصالح مع حاكمها، ودخل مدينة النجف بجيشه لزيارة قبر الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأرسل إلى والي بغداد يطلب منه أن يرسل إليه عالمًا من كبار علماء أهل السُّنَّة والجماعة؛ ليتناقش معه في أمر الخلاف المذهبي بين السُّنَّة والشيعة، ووضع حدٍّ لتلك الخلافات نهائيًّا.
وعمل على تأسيس دولة إسلامية كبرى تجمع كل المسلمين الشيعة وأهل السُّنَّة معًا، فأرسل أحمد باشا والي بغداد، الشيخ عبدالله بن الحسين السويدي، أحد كبار فقهاء بغداد في ذلك الوقت، إلى النجف؛ ليقابل «الشاه» الذي أكد له أن وجود مذهبين مختلفين في مملكته قد يضعفها، مضيفًا: «إنّ في مملكتي فرقتين؛ تركستان وأفغان يقولون للإيرانيين: أنتم كفار، فالكفر قبيح، ولا يليق أن يكون في مملكتي قوم يكفّر بعضهم بعضًا».
وطلب «الشاه» منه ترؤُّس الاجتماع التاريخي والخروج منه بكلمة يتفق عليها جميع المؤتمرين بعد المناقشات العلمية، وضم الاجتماع 3 مجموعات، فالعلماء الإيرانيون مثلوا الجانب الشيعي، فيما مثل الجانب السُّنِّي مجموعتان، هما العلماء الأفغان والتركستان.
وكان علماء إيران نحو 70، كلهم من الشيعة إلا واحد، من أبرزهم علي أكبر ميرزا أسد الله المفتي بتبريز، وشيوخ الإفتاء في «قم، ومشهد، ومازندران، وخلخال، وأستر أباد، وأرومية، وقزوين، وسبزوار، وكرمان، وكرمنشاه، وشيراز وإمام أصفهان وفاضي شروان، ونائب الصدارة بمدينة مشهد»، وانضم إلى وفدهم السيد نصرالله بن الحسين الحائري مجتهد الشيعة في كربلاء، في حين ضم كل من الوفدين السنيين 7 علماء.
وانعقدت المناظرة التي عُرفت فيما بعد باسم «مؤتمر النجف» في شهر شوال سنة 1156 هجريًّا، الموافق عام 1743 ميلاديًّا، وتوصل المجتمعون حينها إلى إيقاف التكفير المتبادل، وإبطال البدع الصفوية، والاتفاق على الأخذ من صحيح الدين، وإيقاف سب ولعن الصحابة الكرام، والاتفاق على صحة ترتيب خلافتهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأصدر نادر شاه مرسومًا بذلك قُرئ على الجماهير المحتشدة، التي بلغت عشرات الآلاف، ومما جاء في المرسوم: «اعلموا أيها الإيرانيون أن فضلهم وخلافتهم على هذا الترتيب، فمن سبهم أو انتقصهم فماله وولده وعياله ودمه حلال للشاه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.. وكنت اشترطت عليكم حين المبايعة في صحراء مغان عام 1148 رفع السب (أي للصحابة)، فالآن رفعته فمن سب قتلته، وأسرت أولاده وعياله وأخذت أمواله».
وبهذا توقفت جميع المظاهر التي كانت تثير الشقاق بين السُّنَّة والشيعة بمباركة علماء الطائفتين، ودون الشيخ عبدالله بن الحسين السويدي وقائع تلك المناظرة في كتابه الشهير «الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية»، بعد استمرارها طوال 300 سنة من عهد الصفويين.
وبدأ نادر شاه بعد هذا المؤتمر يتواصل مع الدولة العثمانية لعقد مصالحة تاريخية بين الدولتين، وإنهاء الصراعات التي استمرت لقرون طويلة بدوافع مذهبية، إلا أنه تعرض للاغتيال من قبل حاشيته من الإيرانيين الذين اعترضوا على توجهاته، وذلك في عام 1747 أي بعد مرور 4 سنوات على مؤتمر النجف.
ومثّل موت نادر شاه نهاية العمل بمبادرة التقريب التي لم تجد من يرعاها بعده، ودخلت البلاد في دوامة من الفوضى، وعاد مراجع الشيعة إلى أقوالهم السابقة، فيما عادت فتاوى التكفير تصدر من فقهاء أهل السنة ضدهم.
وجاءت أكبر تلك المحاولات على يد شاه إيران، المعروف باسم نادر شاه أفشار، في القرن الثامن عشر؛ إذ كانت إيران في أيامه ممزقة بين الدول المجاورة لها، وبلغ حكام الأسرة الصفوية من الهوان والضعف مبلغًا كبيرًا، فاستطاع نادر شاه إنهاء حالة الشتات، وجمع جيشًا كبيرًا استعاد به كامل حدود إيران، وضم إليها مساحات من دول الجوار، وتوسع ليغزو الهند والعراق وأوزباكستان، حتى وصلت دولته لأقصى اتساع، وهو ما حدا به ليبدأ في التفكير في توحيد شعوب مملكته فكريًّا والقضاء على النزاعات العقدية بينهم؛ إذ كان يكفر بعضهم بعضًا بسبب اختلاف المذهب.
فبالرغم من قتله عشرات الآلاف من أهل السُّنّة خلال حروبه التي خاضها أثناء تكوينه لمملكته، فإنه في النهاية انحاز لفكرة التقارب مع المذهب السني ومع الخلافة العثمانية السُّنّية، وانتقد الطقوس والشعائر التي ابتدعها الصفويون من قبله وفرضوها بالقوة، مثل سبّ الصحابة والخلفاء الراشدين الثلاثة، أبي بكر وعمر وعثمان، رضي الله عنهم، على المنابر وفي الشوارع والأسواق، والاحتفالات السنوية بذكرى مقتل الحسين رضوان الله عليه، ومواكب اللطم والتطبير (ضرب الرؤوس بالسكاكين)، في شهر محرّم، وإدخال الشهادة الثالثة على الأذان وهي (أشهد أنّ عليًّا وليّ الله) والسجود على التربة الحسينية، وقيل إنه أراد أن ينسى الإيرانيون الأسرة الصفوية التي أسقطها تمامًا.
مؤتمر التقريب
حاول نادر شاه الاستيلاء على بغداد مرات عدّة، وحاصرها بجيشه، إلا أنه في النهاية تصالح مع حاكمها، ودخل مدينة النجف بجيشه لزيارة قبر الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأرسل إلى والي بغداد يطلب منه أن يرسل إليه عالمًا من كبار علماء أهل السُّنَّة والجماعة؛ ليتناقش معه في أمر الخلاف المذهبي بين السُّنَّة والشيعة، ووضع حدٍّ لتلك الخلافات نهائيًّا.
وعمل على تأسيس دولة إسلامية كبرى تجمع كل المسلمين الشيعة وأهل السُّنَّة معًا، فأرسل أحمد باشا والي بغداد، الشيخ عبدالله بن الحسين السويدي، أحد كبار فقهاء بغداد في ذلك الوقت، إلى النجف؛ ليقابل «الشاه» الذي أكد له أن وجود مذهبين مختلفين في مملكته قد يضعفها، مضيفًا: «إنّ في مملكتي فرقتين؛ تركستان وأفغان يقولون للإيرانيين: أنتم كفار، فالكفر قبيح، ولا يليق أن يكون في مملكتي قوم يكفّر بعضهم بعضًا».
وطلب «الشاه» منه ترؤُّس الاجتماع التاريخي والخروج منه بكلمة يتفق عليها جميع المؤتمرين بعد المناقشات العلمية، وضم الاجتماع 3 مجموعات، فالعلماء الإيرانيون مثلوا الجانب الشيعي، فيما مثل الجانب السُّنِّي مجموعتان، هما العلماء الأفغان والتركستان.
وكان علماء إيران نحو 70، كلهم من الشيعة إلا واحد، من أبرزهم علي أكبر ميرزا أسد الله المفتي بتبريز، وشيوخ الإفتاء في «قم، ومشهد، ومازندران، وخلخال، وأستر أباد، وأرومية، وقزوين، وسبزوار، وكرمان، وكرمنشاه، وشيراز وإمام أصفهان وفاضي شروان، ونائب الصدارة بمدينة مشهد»، وانضم إلى وفدهم السيد نصرالله بن الحسين الحائري مجتهد الشيعة في كربلاء، في حين ضم كل من الوفدين السنيين 7 علماء.
وانعقدت المناظرة التي عُرفت فيما بعد باسم «مؤتمر النجف» في شهر شوال سنة 1156 هجريًّا، الموافق عام 1743 ميلاديًّا، وتوصل المجتمعون حينها إلى إيقاف التكفير المتبادل، وإبطال البدع الصفوية، والاتفاق على الأخذ من صحيح الدين، وإيقاف سب ولعن الصحابة الكرام، والاتفاق على صحة ترتيب خلافتهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأصدر نادر شاه مرسومًا بذلك قُرئ على الجماهير المحتشدة، التي بلغت عشرات الآلاف، ومما جاء في المرسوم: «اعلموا أيها الإيرانيون أن فضلهم وخلافتهم على هذا الترتيب، فمن سبهم أو انتقصهم فماله وولده وعياله ودمه حلال للشاه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.. وكنت اشترطت عليكم حين المبايعة في صحراء مغان عام 1148 رفع السب (أي للصحابة)، فالآن رفعته فمن سب قتلته، وأسرت أولاده وعياله وأخذت أمواله».
وبهذا توقفت جميع المظاهر التي كانت تثير الشقاق بين السُّنَّة والشيعة بمباركة علماء الطائفتين، ودون الشيخ عبدالله بن الحسين السويدي وقائع تلك المناظرة في كتابه الشهير «الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية»، بعد استمرارها طوال 300 سنة من عهد الصفويين.
وبدأ نادر شاه بعد هذا المؤتمر يتواصل مع الدولة العثمانية لعقد مصالحة تاريخية بين الدولتين، وإنهاء الصراعات التي استمرت لقرون طويلة بدوافع مذهبية، إلا أنه تعرض للاغتيال من قبل حاشيته من الإيرانيين الذين اعترضوا على توجهاته، وذلك في عام 1747 أي بعد مرور 4 سنوات على مؤتمر النجف.
ومثّل موت نادر شاه نهاية العمل بمبادرة التقريب التي لم تجد من يرعاها بعده، ودخلت البلاد في دوامة من الفوضى، وعاد مراجع الشيعة إلى أقوالهم السابقة، فيما عادت فتاوى التكفير تصدر من فقهاء أهل السنة ضدهم.