«الريسين».. سم الإرهابيين للهجوم على أوروبا بيولوجيًّا
الثلاثاء 26/يونيو/2018 - 01:57 م
طباعة
أحمد لملوم
في صباح الحادي عشر من سبتمبر 1978، خرج الصحفي البلغاري، جورجي ماركوف -سيرًا على قدميه- متوجهًا إلى عمله، وأثناء عبوره جسر «ووترلو» المزدحم في لندن، اصطدم به أحد المارة من الخلف، في حركة بدت أنها عادية نتيجة التدافع والزحام، إلا أن شعور «ماركوف» بوخزة حادة في فخذه، دفعه للالتفات للرجل، وكان الرجل يحمل مظلة، وسرعان ما ابتسم مبادرًا بالاعتذار لـ«ماركوف» عن ارتطام مظلته به، فتقبل الصحفي البلغاري اعتذار الرجل وبادله ابتسامة مفادها «لا عليك.. مؤكد أنت لم تقصد»، بعدها ذهب كلٌ في طريقه، ماركوف إلى عمله، والرجل ابتلعه الزحام هو ومظلته.
في تلك الليلة أصيب ماركوف بحمى نقل على إثرها للمشفى؛ حيث توفي بعد 4 أيام إثر تسممه بمادة الريسين، والتي اكتشفت جهات التحقيقات أن ماركوف حقن بها في فخذه عن طريق رجل المظلة، وكانت هذه هي عملية الاغتيال الأولى المسجلة، التي تستخدم فيها مادة الريسين، الشديدة السمية، والتي لم يكتشف العلماء لقاحًا أو ترياقًا لها حتى الآن.
واليوم أصيبت الجماعات الإرهابية بهوس الهجوم البيولوجي على أوروبا، عبر سم الريسين، والذي تكفي جرعة منه تقدر بـ0.2 مجم (1 من 5000 من الجرام) لقتل شخص بالغ خلال بضعة أيام، وحال دخول السم للجسم لا يكون في وسع الأطباء فعل الكثير.
لماذا الريسين؟
أوضح الدكتور ستيفين ثورنتون، مدير وحدة مكافحة السموم بجامعة كانساس الأمريكية، في لقاء صحفي مع قناة «سي بي إس» الأمريكية، كيفية عمل هذا السم، الذي يصنفه الاتحاد الأوروبي كسلاح بيولوجي «خطير»، قائلًا: «عند تعامل شخص مع الريسين سواء بتناوله عن طريق الفم أو استنشاقه أو الوخز، يدخل في عملية التمثيل الغذائي لخلايا الجسم؛ وهي العملية الكيماوية الرئيسية اللازمة لبقاء تلك الخلايا على قيد الحياة».
ويضيف ثورنتون، أن هذا التدخل يمنع تكوين البروتينات الأساسية في الخلايا؛ ما يؤدي لموتها، مشيرًا إلى أن الأعراض التي يعانيها الضحايا تشمل القيء والإسهال والنوبات المرضية المفاجئة، لمدة قد تصل إلى أسبوع، قبل أن يُتوفى المريض جراء الفشل الوظيفي لأعضاء الجسم.
ويقول البروفسيور ليونارد كول، رئيس برنامج مكافحة الإرهاب في جامعة روتجرز في حوار مع شبكة «سي إن إن» الأمريكية، «سم الريسين يستخرج من نبات موجود حولنا في الطبيعة، وهو نبات الخروع المعروف علميًّا باسم (ريسينَس كوميونس)، هذه النبتة منتشرة في كل أنحاء العالم ويسهل الحصول عليها».
ويشير كول إلى قيام بريطانيا بعمل أبحاث لاستخدام هذا السم أثناء الحرب العالمية الثانية، لكن تراجعت عن هذه الخطوة لاحتمال إحداثه دمارًا شاملًا، مضيفًا: «بالنظر لسميته الشديدة، وعدم تعقيد عملية إنتاجه، فهو سلاح خطير».
وتحتوي بذور نبات الخروع ذات اللون البني المبرقش على سم الريسين، ولكن بتركيز قليل؛ ما يستوجب القيام بمعالجة كيميائية بسيطة لها لزيادة تركيزه وفاعليته، ويكون في شكله النهائي مسحوق بودرة أو سائلًا.
كما يُعتبر الزيت المستخلص من نبات الخروع ملينًا فاعلًا لمن يعاني عسر الهضم ومشكلات بالمعدة، إضافة إلى استخدامه في صناعة منتجات التجميل؛ ما يجعله متوافرًا بكثرة في الدول الأوروبية؛ حيث تنشط هذه الصناعة.
سوابق الإرهاب
أعلنت الشرطة الألمانية أخيرًا، إحباط مخطط لتنفيذ هجوم إرهابي مستخدمًا سم الريسين، كان يُدبره شاب تونسي في مدينة كولونيا؛ حيث عثر في شقة الشاب، ويُدعى سيف الله إتش، على ما يكفي لإنتاج ما بين 250 و1000 جرعة من سم الريسين، فيما تُعدُّ أولى محاولات الجماعات الإرهابية لتنفيذ هجوم بيولوجي في ألمانيا.
وكانت الشرطة الفرنسية قد أحبطت مخططًا مماثلًا في مايو 2018، عندما عثرت الشرطة في شقة طالب جامعي من أصول مصرية على سم الريسين، ومواد تصنيع عبوة ناسفة، وتم تحويله للمحاكمة بتهمة التخطيط لتنفيذ هجوم إرهابي.
لكن المحاولات الأولى لتنفيذ هجوم إرهابي في أوروبا باستخدام سم الريسين، تعود لمطلع القرن الواحد والعشرين، تحديدًا يناير عام 2003، حينئذ كانت خلية إرهابية مكونة من 9 أعضاء من أصول مغربية، تتخذ شقة في ضواحي العاصمة البريطانية، مقرًّا لما يشبه المعمل الصغير، وكانت الخلية تسعى لإنتاج سم الريسين بكميات كبيرة يمكن استخدامها في هجمات إرهابية، لكنَّ تعاونًا مشتركًا بين فروع عدة من الشرطة البريطانية ضمنها الشرطة السرية، كشفت الخلية، وأحيل عناصرها للمحاكمة، ويقضون حاليًّا عقوبة السجن مدى الحياة.
وفي العام نفسه، عثرت الشرطة الفرنسية على عبوات من سم الريسين في العاصمة باريس؛ حيث وجدت عبوتين من السم، وزجاجة بها مادة سائلة يمكن مزجها به؛ للحصول على خليط شديد الخطورة، وذلك في أحد صناديق الودائع في محطة جير دو ليو الفرنسية.
دورة تدريبية للإرهابيين
تُحَاكَم إسرائيلية مقيمة في الولايات المتحدة، تُدعى وهيبة عيسى ديس (45 عامًا)؛ للاشتباه في أنها علمت ناشطين ينتمون على الأرجح إلى تنظيم داعش الإرهابي، كيفية تحضير سم الريسين، وتقديم وثائق تشرح كيفية صنع قنابل وسترات متفجرة.
وتم إلقاء القبض على ديس في مدينة كوداهي الأسبوع الماضي؛ حيث تُقيم بصورة منذ 1992، كما كانت تُدير حسابات عدة على شبكات التواصل الاجتماعي للترويج لتنظيم داعش، وتسهيل تجنيد مقاتلين.
ويُشتبه أيضا بأنها شرحت لشخص -هو على ما يبدو أحد مخبري الشرطة- طريقة صنع الريسين، وبأنها «اقترحت على هذا الشخص صب الريسين في خزانات ماء».
كما عُثر على مواد تدريبية وكتيبات تشرح صناعة السم والعبوات الناسفة في جهاز حاسوب يعود لأحد أعضاء تنظيم «داعش» في سوريا عام 2014، بعد اقتحام القوات السورية لأحد مخابئ التنظيم الإرهابي.
ويعود هذا الحاسوب لطالب تونسي كان يدرس الكيمياء والفيزياء في الجامعة قبل التحاقه بالتنظيم، وكانت هناك مئات الملفات التي لا تتعلق بصناعة سم الريسين والمتفجرات فقط، فقد احتوى الحاسوب على كتيبات لكيفية جذب أعضاء جدد وخطوات تحويل الأشخاص لمتشددين.
وفي تقرير صادر من هيئة الشرطة الأوروبية (يوروبول) هذا الأسبوع، حذرت من أن خطر وقوع هجمات إرهابية من قبل متشددين في أوروبا، مرتفع للغاية؛ ما يتطلب من أوروبا أن تبقى يقظة لمنع التنظيمات الإرهابية من النجاح في مساعيها لتنفيذ هجمات إرهابية بالقارة العجوز.
في تلك الليلة أصيب ماركوف بحمى نقل على إثرها للمشفى؛ حيث توفي بعد 4 أيام إثر تسممه بمادة الريسين، والتي اكتشفت جهات التحقيقات أن ماركوف حقن بها في فخذه عن طريق رجل المظلة، وكانت هذه هي عملية الاغتيال الأولى المسجلة، التي تستخدم فيها مادة الريسين، الشديدة السمية، والتي لم يكتشف العلماء لقاحًا أو ترياقًا لها حتى الآن.
واليوم أصيبت الجماعات الإرهابية بهوس الهجوم البيولوجي على أوروبا، عبر سم الريسين، والذي تكفي جرعة منه تقدر بـ0.2 مجم (1 من 5000 من الجرام) لقتل شخص بالغ خلال بضعة أيام، وحال دخول السم للجسم لا يكون في وسع الأطباء فعل الكثير.
لماذا الريسين؟
أوضح الدكتور ستيفين ثورنتون، مدير وحدة مكافحة السموم بجامعة كانساس الأمريكية، في لقاء صحفي مع قناة «سي بي إس» الأمريكية، كيفية عمل هذا السم، الذي يصنفه الاتحاد الأوروبي كسلاح بيولوجي «خطير»، قائلًا: «عند تعامل شخص مع الريسين سواء بتناوله عن طريق الفم أو استنشاقه أو الوخز، يدخل في عملية التمثيل الغذائي لخلايا الجسم؛ وهي العملية الكيماوية الرئيسية اللازمة لبقاء تلك الخلايا على قيد الحياة».
ويضيف ثورنتون، أن هذا التدخل يمنع تكوين البروتينات الأساسية في الخلايا؛ ما يؤدي لموتها، مشيرًا إلى أن الأعراض التي يعانيها الضحايا تشمل القيء والإسهال والنوبات المرضية المفاجئة، لمدة قد تصل إلى أسبوع، قبل أن يُتوفى المريض جراء الفشل الوظيفي لأعضاء الجسم.
ويقول البروفسيور ليونارد كول، رئيس برنامج مكافحة الإرهاب في جامعة روتجرز في حوار مع شبكة «سي إن إن» الأمريكية، «سم الريسين يستخرج من نبات موجود حولنا في الطبيعة، وهو نبات الخروع المعروف علميًّا باسم (ريسينَس كوميونس)، هذه النبتة منتشرة في كل أنحاء العالم ويسهل الحصول عليها».
ويشير كول إلى قيام بريطانيا بعمل أبحاث لاستخدام هذا السم أثناء الحرب العالمية الثانية، لكن تراجعت عن هذه الخطوة لاحتمال إحداثه دمارًا شاملًا، مضيفًا: «بالنظر لسميته الشديدة، وعدم تعقيد عملية إنتاجه، فهو سلاح خطير».
وتحتوي بذور نبات الخروع ذات اللون البني المبرقش على سم الريسين، ولكن بتركيز قليل؛ ما يستوجب القيام بمعالجة كيميائية بسيطة لها لزيادة تركيزه وفاعليته، ويكون في شكله النهائي مسحوق بودرة أو سائلًا.
كما يُعتبر الزيت المستخلص من نبات الخروع ملينًا فاعلًا لمن يعاني عسر الهضم ومشكلات بالمعدة، إضافة إلى استخدامه في صناعة منتجات التجميل؛ ما يجعله متوافرًا بكثرة في الدول الأوروبية؛ حيث تنشط هذه الصناعة.
سوابق الإرهاب
أعلنت الشرطة الألمانية أخيرًا، إحباط مخطط لتنفيذ هجوم إرهابي مستخدمًا سم الريسين، كان يُدبره شاب تونسي في مدينة كولونيا؛ حيث عثر في شقة الشاب، ويُدعى سيف الله إتش، على ما يكفي لإنتاج ما بين 250 و1000 جرعة من سم الريسين، فيما تُعدُّ أولى محاولات الجماعات الإرهابية لتنفيذ هجوم بيولوجي في ألمانيا.
وكانت الشرطة الفرنسية قد أحبطت مخططًا مماثلًا في مايو 2018، عندما عثرت الشرطة في شقة طالب جامعي من أصول مصرية على سم الريسين، ومواد تصنيع عبوة ناسفة، وتم تحويله للمحاكمة بتهمة التخطيط لتنفيذ هجوم إرهابي.
لكن المحاولات الأولى لتنفيذ هجوم إرهابي في أوروبا باستخدام سم الريسين، تعود لمطلع القرن الواحد والعشرين، تحديدًا يناير عام 2003، حينئذ كانت خلية إرهابية مكونة من 9 أعضاء من أصول مغربية، تتخذ شقة في ضواحي العاصمة البريطانية، مقرًّا لما يشبه المعمل الصغير، وكانت الخلية تسعى لإنتاج سم الريسين بكميات كبيرة يمكن استخدامها في هجمات إرهابية، لكنَّ تعاونًا مشتركًا بين فروع عدة من الشرطة البريطانية ضمنها الشرطة السرية، كشفت الخلية، وأحيل عناصرها للمحاكمة، ويقضون حاليًّا عقوبة السجن مدى الحياة.
وفي العام نفسه، عثرت الشرطة الفرنسية على عبوات من سم الريسين في العاصمة باريس؛ حيث وجدت عبوتين من السم، وزجاجة بها مادة سائلة يمكن مزجها به؛ للحصول على خليط شديد الخطورة، وذلك في أحد صناديق الودائع في محطة جير دو ليو الفرنسية.
دورة تدريبية للإرهابيين
تُحَاكَم إسرائيلية مقيمة في الولايات المتحدة، تُدعى وهيبة عيسى ديس (45 عامًا)؛ للاشتباه في أنها علمت ناشطين ينتمون على الأرجح إلى تنظيم داعش الإرهابي، كيفية تحضير سم الريسين، وتقديم وثائق تشرح كيفية صنع قنابل وسترات متفجرة.
وتم إلقاء القبض على ديس في مدينة كوداهي الأسبوع الماضي؛ حيث تُقيم بصورة منذ 1992، كما كانت تُدير حسابات عدة على شبكات التواصل الاجتماعي للترويج لتنظيم داعش، وتسهيل تجنيد مقاتلين.
ويُشتبه أيضا بأنها شرحت لشخص -هو على ما يبدو أحد مخبري الشرطة- طريقة صنع الريسين، وبأنها «اقترحت على هذا الشخص صب الريسين في خزانات ماء».
كما عُثر على مواد تدريبية وكتيبات تشرح صناعة السم والعبوات الناسفة في جهاز حاسوب يعود لأحد أعضاء تنظيم «داعش» في سوريا عام 2014، بعد اقتحام القوات السورية لأحد مخابئ التنظيم الإرهابي.
ويعود هذا الحاسوب لطالب تونسي كان يدرس الكيمياء والفيزياء في الجامعة قبل التحاقه بالتنظيم، وكانت هناك مئات الملفات التي لا تتعلق بصناعة سم الريسين والمتفجرات فقط، فقد احتوى الحاسوب على كتيبات لكيفية جذب أعضاء جدد وخطوات تحويل الأشخاص لمتشددين.
وفي تقرير صادر من هيئة الشرطة الأوروبية (يوروبول) هذا الأسبوع، حذرت من أن خطر وقوع هجمات إرهابية من قبل متشددين في أوروبا، مرتفع للغاية؛ ما يتطلب من أوروبا أن تبقى يقظة لمنع التنظيمات الإرهابية من النجاح في مساعيها لتنفيذ هجمات إرهابية بالقارة العجوز.