«الإرهاب العائلي».. نموذج منحرف تستغله التنظيمات المتطرفة
الأربعاء 27/يونيو/2018 - 10:03 ص
طباعة
نهلة عبدالمنعم
أن تجرفك عائلتك ومجموعات التأثير المحيطة بك، لتنخرط في الأنشطة الإرهابية المتطرفة، لهو أسوأ ما يمكن أن تواجهه المجتمعات، فالوالدان عادةً وفطريًّا يدفعهما محرك غريزي لحماية أبنائهما من براثن العنف والدم، أيًّا كان جنسهما ودينهما، لكن أن يتحول هذا إلى ظاهرة «وحشية» تندرج تحت مفهوم «الإرهاب العائلي»، فيشجع الآباء والأمهات الأبناء على تبني الفكر الإرهابي المتطرف، فتلك هي المأساة بعينها.
تضم قائمة «الإرهاب العائلي»، عشرات النماذج، وكان أحدثها، قصة جديدة ينتمي أبطالها لعائلة فرنسية يُحاكم ثلاثة من أفرادها، أمام المحكمة الجنائيَّة في باريس على خلفية اتهامهم، بالتورط في مؤامرة لإعداد الأنشطة الإرهابيَّة، وتكوين شبكة متطرفة، منتشرين بين سوريا وفرنسا، إذ يقبع اثنان من أفرادها في سوريا للقتال في صفوف تنظيم «داعش».
فيما تُشير التقارير إلى وجود مواد إعلاميَّة، يظهر بها أحد أبناء تلك العائلة المتطرفة، ويُدعى «ياسين» وهو ملطخ بالدماء، ويحمل بين يديه رأسًا مقطوعًا لإحدى الضحايا في دلالة على أعماله الإجرامية بسوريا.
بينما إخوته الآن في قبضة العدالة الفرنسية التي تتهمهم بأنهم حلقة الوصل بينه وبين مجموعات التطرف في الدولة الأوروبية ذات التاريخ المتحضر، فالابنة ذات الـ15 عامًا «شيماء رتون» كانت بمثابة طرف الخيط الذي كشف العصابة الأسرية؛ وذلك عن طريق كتاباتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»؛ حيث دونت رغبتها في الالتحاق بصفوف الجماعات الإرهابيَّة.
وبالتحقيق معها اعترفت على شقيقيها اللذين انضما لــ«داعش» بسوريا منذ 2014، وهما: «ياسين»، و«سامي»، واللذين ظهرا في أحد الفيديوهات الدعائية، بعد حادث شارلي إيبدو (الذي وقع في 7 يناير 2015، وخلف حوالي 12 قتيلًا) وهو يدعو إلى مهاجمة عناصر الشرطة.
كما ألقت السلطات القبض على والدهم، رب الأسرة، الذي يعيش بضاحية «سان موريس»، وهو الذي يواجه اليوم نفس التهم، وذلك بعد أن عثرت الأجهزة الأمنية على العديد من المكالمات والرسائل النصيَّة التي تشهد على دعمه وتشجيعه لأبنائه بسوريا؛ حيث كتب لهم في إحدى الرسائل «أنتم على حق يا أطفالي الله يحميكم»، فيما تواجه زوجته أيضًا نفس التهم.
نماذج كارثية
لم تكن تلك العائلة الفرنسيَّة هي الوحيدة التي ارتمى أفرادها في أحضان التطرف، إذ تمكنت القوى الأمنيَّة الفرنسيَّة، الأسبوع الماضي، من القبض على فتاتين في الثلاثين من العمر، تنتميان لعائلة واحدة على خلفية اشتراكهما في إرسال الأموال والتبرعات من فرنسا إلى شقيقتهما المنضمة إلى صفوف «داعش» بسوريا، لتُمثل تلك العائلة أيضًا شبكة متكاملة لدعم الإرهاب بين سوريا وفرنسا.
ومازالت محاكمة نساء عائلة «بولار» البريطانيَّة الشهيرة، مستمرة منذ مايو الماضي؛ حيث تُقاضي محكمة «Old Bailey» الأختين صفاء ورزلاين بولار، وأمهما بتهمة التخطيط لعمليات إرهابية تستهدف المتحف البريطاني.
ويُشير تورط تلك العائلة البريطانيَّة إلى النشاط الإلكتروني المفزع لتنظيم «داعش»، فقد تبنت صفاء، البالغة من العمر 18 عامًا، الفكر المتطرف بعد علاقة عاطفية تأججت على الواقع الافتراضي، ربطتها بقائد الفضاء الإلكتروني لـ«داعش» «نويد حسين» (قُتل في فبراير الماضي بواسطة طائرة بريطانيَّة)، ووصلت العلاقة بينهما إلى أنهما تمنيا الموت معًا في عملية انتحارية يلتقيان بعدها في الجنة، حسب زعمهما، وورد ذلك في رسائل إلكترونية كشفتها التحقيقات.
وفي 13 مايو الماضي، نفذت أسرة كاملة عمليات انتحارية استهدفت ثلاث كنائس بمدينة «سورابايا» ثاني كبرى مدن إندونيسيا أثناء قداس الأحد؛ حيث أقدمت تلك العائلة على استخدام أطفالها كوقود يُطفئون به نار جهلهم الذي قادهم لاعتناق عقيدة مختلة تجد في القتل حياة، فبدلًا من أن يشتروا لهم لباسًا مبهجًا يناسب طفولتهم، ألبسوهم أحزمة ناسفة، في حادثة -استنكرها العالم أجمع- أسفرت عن مقتل العشرات، وبعدها بيوم تبنت عائلة إندونيسية أخرى هجومًا داميًا على أحد مراكز الشرطة في المدينة نفسها؛ ما أدى إلى مقتل أربعة من المنفذين، فيما عملت أسرة إندونيسية ثالثة تعتنق الفكر الداعشي، على تصنيع القنابل والمتفجرات داخل مقر سكنها، قبل أن تنفجر فيهم واحدة من صنع أيديهم وتودى بحياة الأسرة كلها.
أشقاء التطرف
ويشهد سجل الإرهاب الدولي على كثير من النماذج الأخوية التي انخرطت في الإرهاب، ولعل أشهرها نموذج «الأخوان كواشي» اللذين اشتركا معًا في تنفيذ هجوم إرهابي على مقرِّ صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية في 7 يناير 2015، وذلك بعد نشرها رسومًا مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأسفر هذا العمل عن مقتل 12 شخصًا.
وفي مارس عام 2016، نفذ الشقيقان إبراهيم وخالد بكراوي عملية انتحارية في مطار بروكسل بالعاصمة البلجيكية؛ ما أدى إلى مقتل نحو 34 شخصًا، كما نفذ الشقيقان «عبدالسلام» في نوفمبر 2015 عملية إرهابية دامية أمام أحد المطاعم بالعاصمة الفرنسية باريس، ما خلف نحو 130 قتيلًا، فيما استطاعت أجهزة الأمن في مارس 2016 القبض على صلاح عبدالسلام.
وتضم القائمة عشرات النماذج الأخرى أمثال منفذي تفجيرات «ماراثون بوسطن» في منتصف أبريل عام 2013، التي خلفت 15 قتيلًا، بعد قيام الأخوان «جوهر تسارنايف وتامرلان تسارنايف»، وهما شيشانيان بتفجير نفسيهما قرب خط نهاية الماراثون.
دوافع جلية
وفي دراسة معنونة بـ«أسباب ودلالات بروز ظاهرة الإرهاب العائلي»، نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات، تحدد الورقة البحثية عدة عوامل تعتقد أن تكون هي المحرك الرئيسي نحو انحراف بعض العائلات تجاه تبني الأيديولوجية الإرهابية، يُعزى أولها، إلى قوة التأثير التي يُشكلها الأفراد داخل محيط البيت الواحد على بعضهم البعض، وهو ما تستغله الجماعات الإرهابية في استراتيجية التجنيد التي تتسم بالسهولة والمرونة نوعًا ما، خاصة ما إذا كانت بين الأسرة الواحدة، وذلك بسبب الروابط العاطفية التي تجمعهم، واستنادًا إلى قوة التأثير، فالنساء هن قائدات التنشئة الأسرية، لذا تميل الجماعات الإرهابية إلى تجنيدهن ليقمن بجذب أفراد عائلاتهن نحو التطرف.
أما السبب الثاني، فهو سهولة التنسيق والترتيب واللقاءات بين العائلة الواحدة، ما يقلل من المخاطر الأمنية ويبعدهم عن عمليات الرصد والمراقبة، كما أن علاقة أفراد العائلة الواحدة تُسهم أكثر من غيرها في إنجاح الهجمات الإرهابية، بفضل السرية وسهولة التنسيق وتوزيع الأدوار فيما بينهم.
تضم قائمة «الإرهاب العائلي»، عشرات النماذج، وكان أحدثها، قصة جديدة ينتمي أبطالها لعائلة فرنسية يُحاكم ثلاثة من أفرادها، أمام المحكمة الجنائيَّة في باريس على خلفية اتهامهم، بالتورط في مؤامرة لإعداد الأنشطة الإرهابيَّة، وتكوين شبكة متطرفة، منتشرين بين سوريا وفرنسا، إذ يقبع اثنان من أفرادها في سوريا للقتال في صفوف تنظيم «داعش».
فيما تُشير التقارير إلى وجود مواد إعلاميَّة، يظهر بها أحد أبناء تلك العائلة المتطرفة، ويُدعى «ياسين» وهو ملطخ بالدماء، ويحمل بين يديه رأسًا مقطوعًا لإحدى الضحايا في دلالة على أعماله الإجرامية بسوريا.
بينما إخوته الآن في قبضة العدالة الفرنسية التي تتهمهم بأنهم حلقة الوصل بينه وبين مجموعات التطرف في الدولة الأوروبية ذات التاريخ المتحضر، فالابنة ذات الـ15 عامًا «شيماء رتون» كانت بمثابة طرف الخيط الذي كشف العصابة الأسرية؛ وذلك عن طريق كتاباتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»؛ حيث دونت رغبتها في الالتحاق بصفوف الجماعات الإرهابيَّة.
وبالتحقيق معها اعترفت على شقيقيها اللذين انضما لــ«داعش» بسوريا منذ 2014، وهما: «ياسين»، و«سامي»، واللذين ظهرا في أحد الفيديوهات الدعائية، بعد حادث شارلي إيبدو (الذي وقع في 7 يناير 2015، وخلف حوالي 12 قتيلًا) وهو يدعو إلى مهاجمة عناصر الشرطة.
كما ألقت السلطات القبض على والدهم، رب الأسرة، الذي يعيش بضاحية «سان موريس»، وهو الذي يواجه اليوم نفس التهم، وذلك بعد أن عثرت الأجهزة الأمنية على العديد من المكالمات والرسائل النصيَّة التي تشهد على دعمه وتشجيعه لأبنائه بسوريا؛ حيث كتب لهم في إحدى الرسائل «أنتم على حق يا أطفالي الله يحميكم»، فيما تواجه زوجته أيضًا نفس التهم.
نماذج كارثية
لم تكن تلك العائلة الفرنسيَّة هي الوحيدة التي ارتمى أفرادها في أحضان التطرف، إذ تمكنت القوى الأمنيَّة الفرنسيَّة، الأسبوع الماضي، من القبض على فتاتين في الثلاثين من العمر، تنتميان لعائلة واحدة على خلفية اشتراكهما في إرسال الأموال والتبرعات من فرنسا إلى شقيقتهما المنضمة إلى صفوف «داعش» بسوريا، لتُمثل تلك العائلة أيضًا شبكة متكاملة لدعم الإرهاب بين سوريا وفرنسا.
ومازالت محاكمة نساء عائلة «بولار» البريطانيَّة الشهيرة، مستمرة منذ مايو الماضي؛ حيث تُقاضي محكمة «Old Bailey» الأختين صفاء ورزلاين بولار، وأمهما بتهمة التخطيط لعمليات إرهابية تستهدف المتحف البريطاني.
ويُشير تورط تلك العائلة البريطانيَّة إلى النشاط الإلكتروني المفزع لتنظيم «داعش»، فقد تبنت صفاء، البالغة من العمر 18 عامًا، الفكر المتطرف بعد علاقة عاطفية تأججت على الواقع الافتراضي، ربطتها بقائد الفضاء الإلكتروني لـ«داعش» «نويد حسين» (قُتل في فبراير الماضي بواسطة طائرة بريطانيَّة)، ووصلت العلاقة بينهما إلى أنهما تمنيا الموت معًا في عملية انتحارية يلتقيان بعدها في الجنة، حسب زعمهما، وورد ذلك في رسائل إلكترونية كشفتها التحقيقات.
وفي 13 مايو الماضي، نفذت أسرة كاملة عمليات انتحارية استهدفت ثلاث كنائس بمدينة «سورابايا» ثاني كبرى مدن إندونيسيا أثناء قداس الأحد؛ حيث أقدمت تلك العائلة على استخدام أطفالها كوقود يُطفئون به نار جهلهم الذي قادهم لاعتناق عقيدة مختلة تجد في القتل حياة، فبدلًا من أن يشتروا لهم لباسًا مبهجًا يناسب طفولتهم، ألبسوهم أحزمة ناسفة، في حادثة -استنكرها العالم أجمع- أسفرت عن مقتل العشرات، وبعدها بيوم تبنت عائلة إندونيسية أخرى هجومًا داميًا على أحد مراكز الشرطة في المدينة نفسها؛ ما أدى إلى مقتل أربعة من المنفذين، فيما عملت أسرة إندونيسية ثالثة تعتنق الفكر الداعشي، على تصنيع القنابل والمتفجرات داخل مقر سكنها، قبل أن تنفجر فيهم واحدة من صنع أيديهم وتودى بحياة الأسرة كلها.
أشقاء التطرف
ويشهد سجل الإرهاب الدولي على كثير من النماذج الأخوية التي انخرطت في الإرهاب، ولعل أشهرها نموذج «الأخوان كواشي» اللذين اشتركا معًا في تنفيذ هجوم إرهابي على مقرِّ صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية في 7 يناير 2015، وذلك بعد نشرها رسومًا مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأسفر هذا العمل عن مقتل 12 شخصًا.
وفي مارس عام 2016، نفذ الشقيقان إبراهيم وخالد بكراوي عملية انتحارية في مطار بروكسل بالعاصمة البلجيكية؛ ما أدى إلى مقتل نحو 34 شخصًا، كما نفذ الشقيقان «عبدالسلام» في نوفمبر 2015 عملية إرهابية دامية أمام أحد المطاعم بالعاصمة الفرنسية باريس، ما خلف نحو 130 قتيلًا، فيما استطاعت أجهزة الأمن في مارس 2016 القبض على صلاح عبدالسلام.
وتضم القائمة عشرات النماذج الأخرى أمثال منفذي تفجيرات «ماراثون بوسطن» في منتصف أبريل عام 2013، التي خلفت 15 قتيلًا، بعد قيام الأخوان «جوهر تسارنايف وتامرلان تسارنايف»، وهما شيشانيان بتفجير نفسيهما قرب خط نهاية الماراثون.
دوافع جلية
وفي دراسة معنونة بـ«أسباب ودلالات بروز ظاهرة الإرهاب العائلي»، نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات، تحدد الورقة البحثية عدة عوامل تعتقد أن تكون هي المحرك الرئيسي نحو انحراف بعض العائلات تجاه تبني الأيديولوجية الإرهابية، يُعزى أولها، إلى قوة التأثير التي يُشكلها الأفراد داخل محيط البيت الواحد على بعضهم البعض، وهو ما تستغله الجماعات الإرهابية في استراتيجية التجنيد التي تتسم بالسهولة والمرونة نوعًا ما، خاصة ما إذا كانت بين الأسرة الواحدة، وذلك بسبب الروابط العاطفية التي تجمعهم، واستنادًا إلى قوة التأثير، فالنساء هن قائدات التنشئة الأسرية، لذا تميل الجماعات الإرهابية إلى تجنيدهن ليقمن بجذب أفراد عائلاتهن نحو التطرف.
أما السبب الثاني، فهو سهولة التنسيق والترتيب واللقاءات بين العائلة الواحدة، ما يقلل من المخاطر الأمنية ويبعدهم عن عمليات الرصد والمراقبة، كما أن علاقة أفراد العائلة الواحدة تُسهم أكثر من غيرها في إنجاح الهجمات الإرهابية، بفضل السرية وسهولة التنسيق وتوزيع الأدوار فيما بينهم.