تحديات ما بعد الفوز.. أردوغان في المعضلة

الأربعاء 27/يونيو/2018 - 10:07 ص
طباعة تحديات ما بعد الفوز.. أحمد سامي عبدالفتاح
 
ربما تمكن أردوغان من الفوز بصلاحيات واسعة بموجب التعديلات الدستورية، التي تم بمقتضاها تحويل نظام الحكم في تركيا من البرلماني إلى الرئاسي، على أن تنتقل صلاحيات السلطة التنفيذية في النظام البرلماني، مجلس الوزراء، إلى رئيس الجمهورية في النظام الجديد.

ويأمل الرئيس التركي أن تمكنه صلاحياته الجديدة من إيجاد حلولٍ جذرية لعدد من الإشكاليات التي تواجه الدولة التركية في الوقت الراهن.

ورغم أن الانتخابات التركية، الأخيرة، كشفت ضعف قدرة أحزاب المعارضة على الحشد بالمقارنة بتحالف الشعب المكون من حزبي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، بعد حصد نسبة 53.66% من الأصوات؛ فإن أردوغان يعي تمامًا أن عليه إيجاد حلول جذرية لعدد من الإشكاليات التي أرّقت المواطن التركي. وهو ما ظهر في خطابه أمام عددٍ من أنصاره، حينما تعهد بالعمل على معالجة أخطاء حكومته السابقة.

ويشكل التوافق مع حزب الحركة القوميَّة التحدي الأول لأوردغان، لأنه دون حزب «الحركة القومية» فإن «العدالة والتنمية» سيجد نفسه وحيدًا في البرلمان ومضطرًا لتقديم تنازلات بهدف التوافق مع أي من الأحزاب الثلاثة الأخرى في البرلمان (حزب الشعب، وحزب الشعوب الديمقراطي، وحزب الخير).

وهنا تجدر الإشارة إلى أن حزب الحركة القومية يعارض تمامًا أي محاولات تمكين سياسي للأكراد، فضلًا عن رفضه التفاوض مع حزب العمال الكردستاني وذراعه العسكريَّة داخل تركيا، وقد شكلت هذه النقطة عامل التقاء رئيسي في تحالف الحركة القومية مع أردوغان، ما يعني أن أي تراخٍ من أردوغان في التعامل العسكري مع الملف الكردي قد يهدد مصير التحالف نفسه.

على صعيد متصل، تشكل التهديدات الأمنية التركية معضلة بالنسبة لأردوغان، ليس فقط لتأثيراتها السلبية على السياحة التركية، ولكن أيضًا لأنها قد تدفع المستثمرين الأجانب لتجنب العمل في تركيا، خوفًا على مصالحهم من الاستهداف، ويفسر ذلك إصرار حكومة «العدالة والتنمية» على تمديد حالة الطوارئ منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في يوليو 2016.

كما يصر النظام الحاكم على تمديد حالة الطوارئ بسبب دورها الفعال في تمكين الأجهزة الأمنية من اعتقال عدد من المسؤولين ممن يشتبه في انتمائهم لحركة الخدمة المتورطة في محاولة الانقلاب الفاشلة.

وقد واجهت حكومة «العدالة والتنمية» اتهامات من حزب المعارضة الرئيسي في البلاد «حزب الشعب» بإساءة استخدام حالة الطوارئ لقمع الأصوات المعارضة وتدمير حالة الديمقراطية، فضلًا عن محاولة الحزب الحاكم ترسيخ وجوده في الحكم. ولذلك يواجه أردوغان تحديًّا رئيسيًّا بإعادة البريق للديمقراطية التركية مرة أخرى، خصوصًا أن الغرب يتعامل مع حرية نقد النظام الحاكم كمكون رئيسي في أي نظام ديمقراطي، فضلًا عن أن تركيز الصلاحيات في يد أردوغان سيجعله محل نقد في حالة ما قُمعت الأصوات المعارضة، بل إن أمرًا كهذا سيساهم في تدني شعبيته مع حزب «العدالة والتنمية».

كما تجدر الإشارة إلى أن مؤشر «فريدم هاوس» قد منح تركيا 32 نقطة من إجمالي عدد النقاط البالغ قدرها 100، ما يعني أن تركيا ليست حرة، وفقا لتصنيفات المؤشر.

وفي تصنيفات الحقوق السياسية والحريات المدنية، منح المؤشر تركيا «5 من 7» و«6 من 7» على التوالي، مع العلم أن الرقم 7 يشير إلى الأقل حرية وفقًا لمعايير المؤشر، ويشكل أمر كهذا عبئًا على النظام الجديد في تركيا، لأن تصنيفات المؤسسات الدوليَّة المتعلقة بتقييم حالة الحرية لن تتغير طالما أن صلاحيات تنفيذية واسعة تتمركز في أيدي الرئيس بمفرده، ما يعني أن أردوغان الذي عكف ينتقد المنتظمات الدولية بسبب تقييماتها السلبية لتركيا في الفترة الأخيرة عليه أن يثبت عكس ما تروج له هذه المؤسسات.

على صعيد متصل، تشكل الأزمة في سوريا تحديًّا كبيرًا لأردوغان الذى يرغب في تحرير كامل الشمال السوري من قبضة الوحدات الكردية، التى تصنفها أنقرة «إرهابيَّة»، بهدف إزالة المهدد الرئيسي للأمن القومي التركي في الوقت الحالي، كما نجد أن لدى أردوغان رغبة كبيرة في تأمين أكبر مساحة ممكنة من الأراضي في الشمال السوري من أجل إعادة اللاجئين السوريين إليها، والذين يبلغ عددهم قرابة 3.5 مليون لاجئ وفقًا لآخر إحصائية صدرت عن دائرة الهجرة التابعة لوزاة الداخلية التركية في 2017، ليزيل بذلك عبئًا ماليًّا كبيرًا من على تركيا التي تقول إنها أنفقت قرابة الـ30 مليار دولار على اللاجئين السوريين.

وفي السياق نفسه، تساهم عودة اللاجئين السوريين في تخفيف الضغط على الاقتصاد التركي من خلال تقليل نسب بطالة الشباب التركي الذي واجه إشكالية، بسبب تعمد بعض مؤسسات القطاع الخاص توظيف السوريين نتيجة لتدني رواتبهم.

كما يواجه أردوغان تحدي إعادة الليرة التركية إلى سابق عهدها، فضلًا عن إجراء إصلاحات في الهيكل الاقتصادي الكلي الخاص بالبلاد ليمنحها قدرا أكبر من الاستقلالية عن التأثر بالأزمات المالية.

ويدرك أردوغان الدور الكبير الذي تلعبه الاستثمارت الدولية في إجمالي الناتج المحلي الكلي، ما يعني أن أي انسحاب لهذه الشركات من الأسواق التركيَّة يسبب هزة اقتصادية قوية، لذلك من المتوقع أن يعمل خلال الفترة المقبلة على تقديم تسهيلات مالية من أجل زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية في تركيا، بالتزامن مع منح تسهيلات أكبر للشركات المحلية من أجل المساهمة بنسبة أكبر في تنمية الاقتصاد المحلي.

هذا إضافة إلى إشكالية إنهاء سيطرة الأكراد على أي بقعة من الأراضي السورية خوفًا من تشكيلهم لحكم ذاتي ضمن أي فيدرالية مستقبلية قد يتم إقرارها في سوريا، حيث يسيطر الأكراد على ما 24.8% من مساحة سوريا الكلية، وفق تقرير أصدره مركز جسور للدراسات أول مايو، أي قبل التفاهم الذي تم بين تركيا والولايات المتحدة بشأن خروج الوحدات الكردية من منبج في يونيو الحالي.

من المؤكد أن تركيا ستواجه إشكالية كبرى في هذا الأمر، خصوصًا أن الولايات المتحدة تعتبر وجود الأكراد وسيطرتهم على أراضٍ سورية الأداة الأكثر فاعلية التي تضمن لها دورًا فاعلًا في سوريا، كما قامت فرنسا بنشر قوات خاصة لدعم الأكراد في مناطقهم، ما يؤشر إلى أهمية الأداة الدبلوماسية التي يجب على تركيا أن تنتهجها في تسوية الأمور مع غيرها من القوي الدولية، على غرار ما حدث في منبج.

وتنتهج تركيا سياسية مرحلية في التعامل مع التهديد الكردي، حيث تضع نصب عينيها طرد الأكراد إلى المناطق الشرقية من نهر الفرات، وبمجرد أن تحقق ذلك، ستسارع للعمل على طرد الأكراد من المناطق الحدودية المحاذية لأراضيها.

وفي النهاية، يجب الإشارة إلى أنه اتساقًا مع سياسة محاربة التنظيمات الإرهابية، فإن تركيا تسعى لطرد الأكراد من جبال قنديل ومن «سنجار» شمالي العراق، وقد أكد أردوغان مرارًا أن تركيا ستدخل «سنجار» من أجل طرد المسلحين الأكراد منها، في حالة عدم انسحابهم منها.

شارك