وَهْم «الخلافة السادسة».. رحلة عمرها 100 عام
السبت 14/يوليو/2018 - 01:20 م
طباعة
هناء قنديل
على مدى قرابة الـ100 عام، وتحديدًا منذ سقوط الخلافة العثمانية، خاض عدد من أصحاب الفكر المتطرف حروبًا شرسة؛ أملًا في إحياء فكرة «الخلافة»، بزعم أنها الوحيدة القادرة على إعادة المسلمين إلى سابق عهدهم من التقدم والرقي.
ورغم ما غفله هؤلاء من حقائق تؤكد أن تقدم المسلمين أو تأخرهم لم يرتبط يومًا بشكل نظام الحكم، فإن مجموعة كبيرة من غلاة الفكر وأنصار التطرف استغلوا فكرة إعادة الخلافة، وخاضوا بحارًا من الدماء؛ تحقيقًا لأهداف الزعامة الشخصية، أو تنفيذًا لخطط ومؤامرات أعداء المسلمين.
وخلال السنوات الطويلة الماضية، برع في لعب دور الباحث عن تأسيس «الخلافة السادسة» أربعة من كبار قادة التطرف في العالم، وهم: حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان - 1928)، وأبوالأعلى المودودي (مؤسس ومنظر الجماعة الإسلامية في باكستان)، ورشيد رضا (أول من دعا لإقامة خلافة في الموصل)، وصالح سرية (مؤسس تنظيم الفنية العسكرية)، الذين لم يتوانوا عن إراقة أنهار من الدماء؛ قربانًا لوهم الخلافة!
بدأ عهد الخلافة الإسلامية بالخلفاء الراشدين الأربعة «أبوبكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب»، واعتبر المؤرخون أن هذه الخلافات الأربع، أفضل فترات الحكم في الإسلام، ثم انضم إليها فترة حكم الخليفة عمر بن عبدالعزيز، الذي وُصِفَ بخامس الخلفاء الراشدين، وأُطلق على فترة حكمه، التي لم تتجاوز العامين إلا بأيام قليلة، الخلافة الخامسة.
وَهْم الخلافة السادسة
خلال نيف وتسعين سنة، تلت سقوط الخلافة العثمانية، عمل أصحاب الفكر المتطرف، على إحياء حلم الخلافة السادسة، وعملوا على تذكية الفكر الداعم لإقامتها بالقوة، وسَبَحوا على طريق هدفهم هذا في أنهار من الدماء، أريقت في مواجهات لم ترتقِ إلى درجة الحرب الصريحة؛ حيث اعتمدوا على العمليات الإرهابية في العمق الاجتماعي للدول، محاولين إسقاط الأنظمة الحاكمة، تحقيقًا لأغراضهم البعيدة كل البعد عن الإسلام وأهدافه النبيلة السامية!
واتخذت الجماعات المتطرفة، وفي صدارتها «جماعة الإخوان، والجهاد، والجماعة الإسلامية، وتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش»، من مفهوم الخلافة ستارًا للسيطرة على المسلمين، وتبريرًا لما يمارسونه من جرائم، كما لجؤوا لصناعة فتاوى تشرعن اعتداءاتهم على حياة البشر.
دولة كهنوتية
عندما تمكَّنت هذه الجماعات من السيطرة على مساحات من الأراضي في بعض الدول، كما فعل «داعش» في العراق وسوريا مؤخرًا، فوجئ العالم بأنهم لا يُقيمون دولة الخلافة التي زعموا سعيهم إليها، وإنما أقاموا دولة كهنوت، تحكم رعاياها بالدم والنار والقتل والترويع والتجويع.
وبمرور الوقت، تكشف للجميع أن الأمر لا يعدو بحثًا عن السلطة، للسيطرة على البلاد وعلى مقدرات الجماهير، مع نية مبيتة بعدم مغادرتها مهما كانت النتائج، وهو ما بدا واضحًا جدًّا في سلوك جماعة الإخوان الإرهابية، خلال العام الذي حكمت فيه مصر، وخرج قادتها يقولون إنهم لن يتركوا الحكم ثانية، ولو بعد 500 عام.
حيلة تأسيس «الإخوان»
لم يكن تأسيس جماعة الإخوان بعد سقوط الخلافة العثمانية بـ4 سنوات من قبيل المصادفة، وإنما كان بدافع من القوى الاستعمارية، التي أرادت استغلال العاطفة الحزينة على سقوط الخلافة، وصناعة تنظيم مسلح دموي يعيث في الأرض فسادًا؛ ليمنح هذه القوى مزيدًا من فرص التدخل والسيطرة على مقدرات الدول التي تركتها خلافة بني عثمان مهترئة وضعيفة.
ويقول حسن البنا، في رسالة المؤتمر الخامس لتأسيس جماعة الإخوان، تحت عنوان «الإخوان المسلمون والخلافة»: «الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها، والاهتمام بشأنها، والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله».
وكان «البنا» يضع على رأس أهدافه استعادة الخلافة، وهو ما بدا واضحًا في تأكيده أن الإخوان يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم، كما صبّ اهتمامه على الحديث عن الدولة في إطار الفهم الشامل للإسلام، كـ«عبادة، وقيادة، ودين، ودولة، ومصحف، وسيف»- بحسب وصفه.
جهاد صالح سرية
كان صالح سريّة، أحد قادة جماعة الإخوان، إلا أنه خرج عليها، باعتبار أنها غير ساعية إلى تحقيق الأهداف الكبرى التي اتحدوا من أجلها، وأسس خلية مستقلة اشتهرت باسم «تنظيم الفنية العسكرية»، بهدف الانقلاب على نظام حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وذلك عام 1974م.
أصدر «سريّة» وثيقة بعنوان «رسالة الإيمان»، أكد خلالها أن من موجبات المؤمن إيجاد وتمكين الخليفة، إلا أن فشل انقلابه أجهض فكرته.
الجماعة الإسلامية
ولغرض صالح سريّة ذاته، دخلت الجماعة الإسلامية في صدام مع الدولة، في منتصف السبعينيات، وكان هدفها المعلن إقامة دولة إسلامية على نسق الخلافة، إلا أنها تلقت ضربات موجعة من الدولة، إلى أن تمكنوا من اغتيال الرئيس السادات عام 1981، أملًا في صناعة فوضى تمكنهم من القفز على الحكم.
«قاعدة» أسامة بن لادن
تلا ما فات ظهور تنظيم «القاعدة»، ومن بعده «داعش»، تحت المظلة ذاتها، وهي الدفاع عن فكرة إقامة خلافة إسلامية، وتَمَكَّن أسامة بن لادن (مؤسس تنظيم القاعدة) من السيطرة على مساحات واسعة في أفغانستان، عقب انسحاب الاتحاد السوفييتي منها، إلا أنه أعمل القتل والتدمير في الناس، ولم يشهد العالم إقامة أي خلافة.
وبين «القاعدة وداعش»، نشأت في ولاية قندهار الأفغانية، حركة طالبان التي قاتلت الشعب، وقتلت خلقًا كثيرًا دون جريرة، بزعم إقامة الخلافة، أيضًا.
وقد سعى أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، إلى تأسيس خلافة تنطلق من أفغانستان، وفق استراتيجية تعتمد على من أَطْلَقَ عليهم زعيم التنظيم وصف «المجاهدين»، الذين أتى بهم من كل الدول العربية والإسلامية.
وعمل «بن لادن» على إنشاء الدولة الإسلامية العالمية، وأعلن إنشاء تنظيم القاعدة، إلا أن ظهور حركة طالبان، في عام 1994، وسيطرتها على أكثر من 80% من الأراضي الأفغانية، أفشل استراتيجيته، ووضعه أمام خيار الصدام مع «طالبان».
أبوالأعلى المودودي
يُعدُّ أبوالأعلى المودودي واحدًا من وجوه التطرف التي تدثرت بعباءة الخلافة الوهمية، وهو أحد قادة حركة الخلافة، التي أسَّسَها الشيخ محمد علي جوهر، كما أنشأ الجماعة الإسلامية في الهند؛ وكان أول من استخدم عبارة «الدولة الإسلامية».
ويُعتبر فكر الحاكمية الذي أطلقه سيد قطب (منظر جماعة الإخوان المسلمين) ليس سوى تنظيم لفكر «المودودي»، وإعادة تقديم له بلغة جديدة تتفق مع فترة «قطب» وجماعة الإخوان.
ويُعدُّ «المودودي» هو مؤسس فكرة الدولة العقائدية، مستندًا إلى النص الديني لتأصيل مفهوم هذه الدولة، وفق ما جاء في كتابه «الحكومة الإسلامية»، الذي وضع أمام آية الله الخميني كتابًا مشابهًا له بالعنوان ذاته، يفسر فيه كلمة سلطان في الآية 80 من سورة الإسراء: «وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا»، بأنها السلطة والحكم.
وكان لـ«المودودي» تأثير كبير على أتباع الحركات الإسلاموية في العالم العربي، وصارت نظريته في الدولة الإسلامية الأساس الذي بنت عليه هذه الحركات مواقفها السياسية فيما بعد.
«البغدادي» ورشيد رضا:
يُعتبر الشيخ محمد رشيد رضا، أول من أطلق الفكر السلفي، ورسائل الحركة النجدية في العالم الإسلامي، مع بدايات القرن العشرين، وحاول أن يُمرر فكرة الخلافة تدريجيًّا عبر إعلانها على مساحة ضيقة في مدينة الموصل العراقية، لكنه لم يَفلح؛ لعدم تعاون من دعاهم إلى نصرته معه.
ورغم أن رشيد رضا واحد من المشهود لهم بالوسطية والاعتدال، فإن بعض المصادر تؤكد أن أبوبكر البغدادي (زعيم تنظيم داعش)، قرأ عددًا من مؤلفات رشيد رضا.
حلم الخلافة بالموصل:
وكان رشيد رضا قد نصح بإقامة خلافة في الموصل، باعتبارها منطقة وسطى في العالم العربي، كما أنها تضم عددًا كبيرًا من العرب والأتراك والأكراد؛ ما يجعلها لبنة خصبة لنشأة الخلافة، بعيدًا عن فكرة الجنسية، وكان ذلك في عام 1922.
ولم يُجهض حلم رشيد رضا في استعادة الخلافة انطلاقًا من الموصل، إلا اعتراف الدول الغربية بدولة تركيا، بديلًا للخلافة العثمانية؛ ما أهال التراب على الفكرة بشكل نهائي.
ورغم ما غفله هؤلاء من حقائق تؤكد أن تقدم المسلمين أو تأخرهم لم يرتبط يومًا بشكل نظام الحكم، فإن مجموعة كبيرة من غلاة الفكر وأنصار التطرف استغلوا فكرة إعادة الخلافة، وخاضوا بحارًا من الدماء؛ تحقيقًا لأهداف الزعامة الشخصية، أو تنفيذًا لخطط ومؤامرات أعداء المسلمين.
وخلال السنوات الطويلة الماضية، برع في لعب دور الباحث عن تأسيس «الخلافة السادسة» أربعة من كبار قادة التطرف في العالم، وهم: حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان - 1928)، وأبوالأعلى المودودي (مؤسس ومنظر الجماعة الإسلامية في باكستان)، ورشيد رضا (أول من دعا لإقامة خلافة في الموصل)، وصالح سرية (مؤسس تنظيم الفنية العسكرية)، الذين لم يتوانوا عن إراقة أنهار من الدماء؛ قربانًا لوهم الخلافة!
بدأ عهد الخلافة الإسلامية بالخلفاء الراشدين الأربعة «أبوبكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب»، واعتبر المؤرخون أن هذه الخلافات الأربع، أفضل فترات الحكم في الإسلام، ثم انضم إليها فترة حكم الخليفة عمر بن عبدالعزيز، الذي وُصِفَ بخامس الخلفاء الراشدين، وأُطلق على فترة حكمه، التي لم تتجاوز العامين إلا بأيام قليلة، الخلافة الخامسة.
وَهْم الخلافة السادسة
خلال نيف وتسعين سنة، تلت سقوط الخلافة العثمانية، عمل أصحاب الفكر المتطرف، على إحياء حلم الخلافة السادسة، وعملوا على تذكية الفكر الداعم لإقامتها بالقوة، وسَبَحوا على طريق هدفهم هذا في أنهار من الدماء، أريقت في مواجهات لم ترتقِ إلى درجة الحرب الصريحة؛ حيث اعتمدوا على العمليات الإرهابية في العمق الاجتماعي للدول، محاولين إسقاط الأنظمة الحاكمة، تحقيقًا لأغراضهم البعيدة كل البعد عن الإسلام وأهدافه النبيلة السامية!
واتخذت الجماعات المتطرفة، وفي صدارتها «جماعة الإخوان، والجهاد، والجماعة الإسلامية، وتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش»، من مفهوم الخلافة ستارًا للسيطرة على المسلمين، وتبريرًا لما يمارسونه من جرائم، كما لجؤوا لصناعة فتاوى تشرعن اعتداءاتهم على حياة البشر.
دولة كهنوتية
عندما تمكَّنت هذه الجماعات من السيطرة على مساحات من الأراضي في بعض الدول، كما فعل «داعش» في العراق وسوريا مؤخرًا، فوجئ العالم بأنهم لا يُقيمون دولة الخلافة التي زعموا سعيهم إليها، وإنما أقاموا دولة كهنوت، تحكم رعاياها بالدم والنار والقتل والترويع والتجويع.
وبمرور الوقت، تكشف للجميع أن الأمر لا يعدو بحثًا عن السلطة، للسيطرة على البلاد وعلى مقدرات الجماهير، مع نية مبيتة بعدم مغادرتها مهما كانت النتائج، وهو ما بدا واضحًا جدًّا في سلوك جماعة الإخوان الإرهابية، خلال العام الذي حكمت فيه مصر، وخرج قادتها يقولون إنهم لن يتركوا الحكم ثانية، ولو بعد 500 عام.
حيلة تأسيس «الإخوان»
لم يكن تأسيس جماعة الإخوان بعد سقوط الخلافة العثمانية بـ4 سنوات من قبيل المصادفة، وإنما كان بدافع من القوى الاستعمارية، التي أرادت استغلال العاطفة الحزينة على سقوط الخلافة، وصناعة تنظيم مسلح دموي يعيث في الأرض فسادًا؛ ليمنح هذه القوى مزيدًا من فرص التدخل والسيطرة على مقدرات الدول التي تركتها خلافة بني عثمان مهترئة وضعيفة.
ويقول حسن البنا، في رسالة المؤتمر الخامس لتأسيس جماعة الإخوان، تحت عنوان «الإخوان المسلمون والخلافة»: «الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها، والاهتمام بشأنها، والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله».
وكان «البنا» يضع على رأس أهدافه استعادة الخلافة، وهو ما بدا واضحًا في تأكيده أن الإخوان يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم، كما صبّ اهتمامه على الحديث عن الدولة في إطار الفهم الشامل للإسلام، كـ«عبادة، وقيادة، ودين، ودولة، ومصحف، وسيف»- بحسب وصفه.
جهاد صالح سرية
كان صالح سريّة، أحد قادة جماعة الإخوان، إلا أنه خرج عليها، باعتبار أنها غير ساعية إلى تحقيق الأهداف الكبرى التي اتحدوا من أجلها، وأسس خلية مستقلة اشتهرت باسم «تنظيم الفنية العسكرية»، بهدف الانقلاب على نظام حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وذلك عام 1974م.
أصدر «سريّة» وثيقة بعنوان «رسالة الإيمان»، أكد خلالها أن من موجبات المؤمن إيجاد وتمكين الخليفة، إلا أن فشل انقلابه أجهض فكرته.
الجماعة الإسلامية
ولغرض صالح سريّة ذاته، دخلت الجماعة الإسلامية في صدام مع الدولة، في منتصف السبعينيات، وكان هدفها المعلن إقامة دولة إسلامية على نسق الخلافة، إلا أنها تلقت ضربات موجعة من الدولة، إلى أن تمكنوا من اغتيال الرئيس السادات عام 1981، أملًا في صناعة فوضى تمكنهم من القفز على الحكم.
«قاعدة» أسامة بن لادن
تلا ما فات ظهور تنظيم «القاعدة»، ومن بعده «داعش»، تحت المظلة ذاتها، وهي الدفاع عن فكرة إقامة خلافة إسلامية، وتَمَكَّن أسامة بن لادن (مؤسس تنظيم القاعدة) من السيطرة على مساحات واسعة في أفغانستان، عقب انسحاب الاتحاد السوفييتي منها، إلا أنه أعمل القتل والتدمير في الناس، ولم يشهد العالم إقامة أي خلافة.
وبين «القاعدة وداعش»، نشأت في ولاية قندهار الأفغانية، حركة طالبان التي قاتلت الشعب، وقتلت خلقًا كثيرًا دون جريرة، بزعم إقامة الخلافة، أيضًا.
وقد سعى أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، إلى تأسيس خلافة تنطلق من أفغانستان، وفق استراتيجية تعتمد على من أَطْلَقَ عليهم زعيم التنظيم وصف «المجاهدين»، الذين أتى بهم من كل الدول العربية والإسلامية.
وعمل «بن لادن» على إنشاء الدولة الإسلامية العالمية، وأعلن إنشاء تنظيم القاعدة، إلا أن ظهور حركة طالبان، في عام 1994، وسيطرتها على أكثر من 80% من الأراضي الأفغانية، أفشل استراتيجيته، ووضعه أمام خيار الصدام مع «طالبان».
أبوالأعلى المودودي
يُعدُّ أبوالأعلى المودودي واحدًا من وجوه التطرف التي تدثرت بعباءة الخلافة الوهمية، وهو أحد قادة حركة الخلافة، التي أسَّسَها الشيخ محمد علي جوهر، كما أنشأ الجماعة الإسلامية في الهند؛ وكان أول من استخدم عبارة «الدولة الإسلامية».
ويُعتبر فكر الحاكمية الذي أطلقه سيد قطب (منظر جماعة الإخوان المسلمين) ليس سوى تنظيم لفكر «المودودي»، وإعادة تقديم له بلغة جديدة تتفق مع فترة «قطب» وجماعة الإخوان.
ويُعدُّ «المودودي» هو مؤسس فكرة الدولة العقائدية، مستندًا إلى النص الديني لتأصيل مفهوم هذه الدولة، وفق ما جاء في كتابه «الحكومة الإسلامية»، الذي وضع أمام آية الله الخميني كتابًا مشابهًا له بالعنوان ذاته، يفسر فيه كلمة سلطان في الآية 80 من سورة الإسراء: «وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا»، بأنها السلطة والحكم.
وكان لـ«المودودي» تأثير كبير على أتباع الحركات الإسلاموية في العالم العربي، وصارت نظريته في الدولة الإسلامية الأساس الذي بنت عليه هذه الحركات مواقفها السياسية فيما بعد.
«البغدادي» ورشيد رضا:
يُعتبر الشيخ محمد رشيد رضا، أول من أطلق الفكر السلفي، ورسائل الحركة النجدية في العالم الإسلامي، مع بدايات القرن العشرين، وحاول أن يُمرر فكرة الخلافة تدريجيًّا عبر إعلانها على مساحة ضيقة في مدينة الموصل العراقية، لكنه لم يَفلح؛ لعدم تعاون من دعاهم إلى نصرته معه.
ورغم أن رشيد رضا واحد من المشهود لهم بالوسطية والاعتدال، فإن بعض المصادر تؤكد أن أبوبكر البغدادي (زعيم تنظيم داعش)، قرأ عددًا من مؤلفات رشيد رضا.
حلم الخلافة بالموصل:
وكان رشيد رضا قد نصح بإقامة خلافة في الموصل، باعتبارها منطقة وسطى في العالم العربي، كما أنها تضم عددًا كبيرًا من العرب والأتراك والأكراد؛ ما يجعلها لبنة خصبة لنشأة الخلافة، بعيدًا عن فكرة الجنسية، وكان ذلك في عام 1922.
ولم يُجهض حلم رشيد رضا في استعادة الخلافة انطلاقًا من الموصل، إلا اعتراف الدول الغربية بدولة تركيا، بديلًا للخلافة العثمانية؛ ما أهال التراب على الفكرة بشكل نهائي.