«موالد الإسكندرية».. الدفاع عن هوية صوفية هددها الحضور السلفي
الإثنين 16/يوليو/2018 - 09:24 ص
طباعة
سارة رشاد
في الوقت الذي يقصد مئات الآلاف، منذ بداية الصيف الحالي، محافظة الإسكندرية (شمال مصر) لزيارة شواطئ المدينة الساحلية، كان وافدون آخرون وصلوا، قبل أسبوع تقريبًا، إلى حي بحري السكندري، للاحتفال بمولد «المرسي أبوالعباس»، الذي اختتمت فعالياته الخميس الماضي.
وإذ كان «مولد أبوالعباس» (أحد أبرز أقطاب التصوف بمصر، ولد بالأندلس وانتقل إلى تونس ثم الإسكندرية)، يصنف كواحد من أشهر الموالد الموجودة خارج العاصمة المصرية، فإن ذلك يشير إلى ثمة هوية صوفية لمحافظة الإسكندرية التي شهدت -على النقيض- نشأة الدعوة السلفية قبل 47 عامًا تقريبًا، عندما تَشَارَكَ طلابٌ جامعيون في تأسيسها في الفترة بين 1972 و1977.
واللافت في الأمر أن الهوية الصوفية التي تتراجع أمام الصعود السلفي تعود إلى قرون قديمة، وليست وليدة ظرف سياسي كما الوضع للسلفية، وفي ذلك يستعرض الدكتور جمال الدين الشيال، أستاذ التاريخ الإسلامي، في كتابه «أعلام الإسكندرية»، الصادر في 2001، السير الذاتية لعلماء دين عاشوا في المدينة، من بينهم 4 من كبار رموز الصوفية، هم: «القطب أبوالحسن الشاذلي، وتلميذه أبوالعباس المرسي، وتلميذ تلميذه ابن عطاء الله السكندري، ومعاصر هؤلاء أبوالقاسم القباري».
رموز صوفية أخرى نزلت بالمدينة، وعاشت فيها بخلاف هذه الأسماء، من بينهم الشيخ أبوالفتح الواسطي، الصوفي العراقي الذي جاء للمدينة عام 630 هجريًّا بناءً على طلب من شيخه القطب الصوفي أحمد الرفاعي، مؤسس الطريقة الرفاعية التي تعتبر أكبر الطرق الصوفية على مستوى العالم الإسلامي، وكان أول ظهور لها في العراق، ويعتبر «الواسطي» أول من نقل أفكار التصوف إلى مصر حتى مات في 632 هجريًّا ودفن بالإسكندرية؛ حيث مسجده الحالي «مسجد سيدي الواسطي».
يبرر ذلك كله الوجود الصوفي بالمحافظة الساحلية، وإن لم يكن على نفس درجة الوجود السلفي الذي مازال يحتفظ بقواه، وعلى ذلك تبقى الإسكندرية صاحبة مرتبة متقدمة في أجندة احتفالات الطرق الصوفية بمصر؛ إذ يُقام بها في شهر رمضان من كل عام 23 احتفالًا، إضافةً لاحتضانها 30 مولدًا رسميًّا، أبرزها مولد «أبوالعباس المرسي» (أحد أكبر أقطاب التصوف في مصر ولد بالأندلس وانتقل إلى تونس فالإسكندرية).
ويعتقد أهل الإسكندرية كثيرًا بكرامات الأولياء؛ إذ تتردد بينهم روايات قادمة إليهم من التراث، من بينها رواية عن صحابي يُدعى «عويمر بن عبدالله» ويكنى «أبوالدرادء»، تفيد بأن بلدية المدينة قررت في وقت غير محدد نقل ضريح الصحابي بغرض توسعة الطريق للترام، ففوجئت بإصابة أحد العمال بالشلل في يده؛ ما اعتبر رسالة من الصحابي بأنه لا يريد مغادرة المكان، ومن ثم تم تحويل طريق الترام ولم يتم نقل الضريح، ويستدعي الأهالي هذه الرواية، على الرغم من عدم منطقيتها لتفسير وجود ضريح «أبوالدرداء» في طريق الترام.
وإذا كان للإسكندرية وجهان متناقضان (صوفي وسلفي)، فكيف حضر النقيضان إلى هناك؟
يفيد التاريخ أن الوجود الصوفي في الإسكندرية، ونزول أغلب أقطاب التصوف هناك، يرجع لاعتقاد لدى المتصوفة بأن المكان الذي أطلقت عليه سورة الكهف من القرآن بـ«ملتقى البحرين»، وفيه التقى نبي الله موسى بالخضر في الواقعة التاريخية التي تنص عليها قصة سيدنا موسى كان الإسكندرية، واستمر الوجود الصوفي هناك إلى أنه تم تعزيز وجوده عندما استعانت بهم الدولة الفاطمية في إدارة مصر (909 -1171) هجريًّا.
أما الحضور السلفي فكانت بدايته عندما التقى طلاب بكلية الطب جامعة الإسكندرية كانوا أعضاء بالجماعة الإسلامية (كيان مصري مسلح ظهر في الجامعات المصرية في السبعينيات ونفذ عمليات إرهابية وعقد مراجعات فكرية في 1997)، وكان هؤلاء الطلاب يحملون الفكر السلفي متأثرين بموجة السلفية العربية وقراءتهم لكتب التراث الإسلامي، لاسيما تأثرهم بالطرح الذي قدمته جمعية أنصار السنة المحمدية التي نشطت في مصر منتصف الستينيات؛ ما دفعهم لرفض فكر جماعة الإخوان (أسسها حسن البنّا في مصر عام 1928)، الذي سيطر على الجماعة الإسلامية آنذاك، وترتب على ذلك خروجهم من الجماعة، وتكوين النواة الأولى للسلفية بالإسكندرية، وعُرِفَت بـ«مدرسة السلفية».
يُشار إلى أن الإسكندرية تعتبر اليوم أبرز المحافظات المصرية التي تحرص الطرق الصوفية على توفير أفرع لها بداخلها، فيما تحتضن في الوقت نفسه المدرسة العلمية للسلفية التي تعبر عن الدعوة والمنهج الفكري للسلفيين.
وإذ كان «مولد أبوالعباس» (أحد أبرز أقطاب التصوف بمصر، ولد بالأندلس وانتقل إلى تونس ثم الإسكندرية)، يصنف كواحد من أشهر الموالد الموجودة خارج العاصمة المصرية، فإن ذلك يشير إلى ثمة هوية صوفية لمحافظة الإسكندرية التي شهدت -على النقيض- نشأة الدعوة السلفية قبل 47 عامًا تقريبًا، عندما تَشَارَكَ طلابٌ جامعيون في تأسيسها في الفترة بين 1972 و1977.
واللافت في الأمر أن الهوية الصوفية التي تتراجع أمام الصعود السلفي تعود إلى قرون قديمة، وليست وليدة ظرف سياسي كما الوضع للسلفية، وفي ذلك يستعرض الدكتور جمال الدين الشيال، أستاذ التاريخ الإسلامي، في كتابه «أعلام الإسكندرية»، الصادر في 2001، السير الذاتية لعلماء دين عاشوا في المدينة، من بينهم 4 من كبار رموز الصوفية، هم: «القطب أبوالحسن الشاذلي، وتلميذه أبوالعباس المرسي، وتلميذ تلميذه ابن عطاء الله السكندري، ومعاصر هؤلاء أبوالقاسم القباري».
رموز صوفية أخرى نزلت بالمدينة، وعاشت فيها بخلاف هذه الأسماء، من بينهم الشيخ أبوالفتح الواسطي، الصوفي العراقي الذي جاء للمدينة عام 630 هجريًّا بناءً على طلب من شيخه القطب الصوفي أحمد الرفاعي، مؤسس الطريقة الرفاعية التي تعتبر أكبر الطرق الصوفية على مستوى العالم الإسلامي، وكان أول ظهور لها في العراق، ويعتبر «الواسطي» أول من نقل أفكار التصوف إلى مصر حتى مات في 632 هجريًّا ودفن بالإسكندرية؛ حيث مسجده الحالي «مسجد سيدي الواسطي».
يبرر ذلك كله الوجود الصوفي بالمحافظة الساحلية، وإن لم يكن على نفس درجة الوجود السلفي الذي مازال يحتفظ بقواه، وعلى ذلك تبقى الإسكندرية صاحبة مرتبة متقدمة في أجندة احتفالات الطرق الصوفية بمصر؛ إذ يُقام بها في شهر رمضان من كل عام 23 احتفالًا، إضافةً لاحتضانها 30 مولدًا رسميًّا، أبرزها مولد «أبوالعباس المرسي» (أحد أكبر أقطاب التصوف في مصر ولد بالأندلس وانتقل إلى تونس فالإسكندرية).
ويعتقد أهل الإسكندرية كثيرًا بكرامات الأولياء؛ إذ تتردد بينهم روايات قادمة إليهم من التراث، من بينها رواية عن صحابي يُدعى «عويمر بن عبدالله» ويكنى «أبوالدرادء»، تفيد بأن بلدية المدينة قررت في وقت غير محدد نقل ضريح الصحابي بغرض توسعة الطريق للترام، ففوجئت بإصابة أحد العمال بالشلل في يده؛ ما اعتبر رسالة من الصحابي بأنه لا يريد مغادرة المكان، ومن ثم تم تحويل طريق الترام ولم يتم نقل الضريح، ويستدعي الأهالي هذه الرواية، على الرغم من عدم منطقيتها لتفسير وجود ضريح «أبوالدرداء» في طريق الترام.
وإذا كان للإسكندرية وجهان متناقضان (صوفي وسلفي)، فكيف حضر النقيضان إلى هناك؟
يفيد التاريخ أن الوجود الصوفي في الإسكندرية، ونزول أغلب أقطاب التصوف هناك، يرجع لاعتقاد لدى المتصوفة بأن المكان الذي أطلقت عليه سورة الكهف من القرآن بـ«ملتقى البحرين»، وفيه التقى نبي الله موسى بالخضر في الواقعة التاريخية التي تنص عليها قصة سيدنا موسى كان الإسكندرية، واستمر الوجود الصوفي هناك إلى أنه تم تعزيز وجوده عندما استعانت بهم الدولة الفاطمية في إدارة مصر (909 -1171) هجريًّا.
أما الحضور السلفي فكانت بدايته عندما التقى طلاب بكلية الطب جامعة الإسكندرية كانوا أعضاء بالجماعة الإسلامية (كيان مصري مسلح ظهر في الجامعات المصرية في السبعينيات ونفذ عمليات إرهابية وعقد مراجعات فكرية في 1997)، وكان هؤلاء الطلاب يحملون الفكر السلفي متأثرين بموجة السلفية العربية وقراءتهم لكتب التراث الإسلامي، لاسيما تأثرهم بالطرح الذي قدمته جمعية أنصار السنة المحمدية التي نشطت في مصر منتصف الستينيات؛ ما دفعهم لرفض فكر جماعة الإخوان (أسسها حسن البنّا في مصر عام 1928)، الذي سيطر على الجماعة الإسلامية آنذاك، وترتب على ذلك خروجهم من الجماعة، وتكوين النواة الأولى للسلفية بالإسكندرية، وعُرِفَت بـ«مدرسة السلفية».
يُشار إلى أن الإسكندرية تعتبر اليوم أبرز المحافظات المصرية التي تحرص الطرق الصوفية على توفير أفرع لها بداخلها، فيما تحتضن في الوقت نفسه المدرسة العلمية للسلفية التي تعبر عن الدعوة والمنهج الفكري للسلفيين.