سجون أوروبا.. أماكن صقل مهارات الإرهابيين

السبت 28/يوليو/2018 - 03:26 م
طباعة سجون أوروبا.. أماكن أحمد لملوم
 
وجدت الأنظمة السياسية عبر العصور طرقًا عدة تختلف في درجة قسوتها؛ لمعاقبة من يخرج على القواعد المنظمة للمجتمع الذي يعيشون فيه، ويعد السجن أكثر هذه الطرق المستخدمة لهذا الغرض؛ إذ يحرم الأشخاص من بعض حقوقهم وتمنع الرفاهيات عنهم جزاءً على أفعالهم، وحاليًّا السجون في أوروبا هي أداة الدولة لتأديب هؤلاء وجعلهم يندمون على أفعالهم، لكن هذا ليس الحال بالنسبة للجميع.

فعندما ذهب «بنيامين هيرمان»، إلى السجن بتهمة الاعتداء والسرقة في عام 2003، كان مجرد مراهق كاثوليكي من مدينة روشيفور البلجيكية، وفي شهر مايو الماضي وافقت السلطات على منحه خروجًا مؤقتًا من السجن لزيارة عائلته، كان «هيرمان» إسلاميًّا متشددًا قام خلال غضون ساعات من إطلاق سراحه بقتل اثنين من ضابطات الشرطة في مدينة لييج، واستخدم مسدس إحداهن لقتل سائق سيارة تصادف وجوده بالمكان.



التحول الجذري الذي شهدته شخصية «هيرمان»، لم يكن حالة فردية أو استثنائية، فقد أصبحت سجون أوروبا مكان يتجمع فيه المتشددون الإسلاميون ويتبادلون فيه خبراتهم، خاصة مع إعلان وكالة الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروبول) عودة 1500 من مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي من مناطق الصراع في الشرق الأوسط، وملاحقة سلطات بلادهم قضائيًّا.

وقال «توماس رينارد»، الخبير البلجيكي في شؤون الإرهاب، لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية: «لم تشهد أوروبا القبض على هذا الكم من الأشخاص بتهم تتعلق بالإرهاب من قبل، كما لم نر مثل هذا العدد الكبير من السجناء متجمعين معًا، هذا يسهل قدرتهم على التجنيد ونقل الخبرات فيما بينهم، وهذا شيء سيبقى معنا لفترة طويلة».



واليوم أصبحت السجون أحدث ساحة في معركة أوروبا ضد الإرهاب، ويرى بعض المحللون ومنهم «جوبي واريك»، الباحث الأمريكي، أن السجون حاضنات للمجموعات الإرهابية، وركزت الجماعات المتشددة على استخدامها أخيرًا، فالأفراد المنحرفون الذين ارتكبوا جرائم عادية عندما يدخلون السجن ينقطعون عن التواصل الأسري، والتأثيرات المعتدلة الأخرى في حياتهم.



كما يرى هؤلاء الأفراد أنهم يتعرضون لعقاب غير عادل؛ ما يدفعهم إلى أن يصيروا أكثر غضبًا وأكثر راديكالية، وفي داخل السجون يجدون أنفسهم محاطين بالشباب المضطربين الذين يبحثون عن هوية أو قضية ينتمون إليها؛ ما يجعل السجن فرصة لتعميق الالتزامات الفكرية للمتشددين، ويساعدهم أيضًا في تدريب وتوظيف جيل جديد.



وتحاول الدول الأوروبية العمل على برامج تهدف للحد من نشاط المتشددين داخل السجون، لكن لم تُظهر هذه البرامج نتائج واضحة حتى الآن، خاصةً مع استقدام الإرهابيين العائدين من الشرق الأوسط لأفكار أكثر تطرفًا وعنفًا لم تكن موجودة من قبل، وتعد مشكلة انتشار التشدد في السجون الهاجس يواجه حكومات بلجيكا وألمانيا بالتحديد، فقد شهد كلا البلدين سفر أعدادٍ كبيرةٍ من مواطنيهم إلى سوريا والعراق.

وطورت بلجيكا برنامجًا يعرف باسم «ديراديكس»، يعزل أكثر السجناء تطرفًا عن باقي نزلاء السجون، ويسمح لهم بالاتصال المحدود ببعضهم البعض فقط، لكن لا يركز هذا البرنامج على نزع التطرف بحد ذاته؛ إذ ترى السلطات البلجيكية أن السجون ليست مجهزة فعلًا لتغيير أيديولوجية الأفراد.



في المقابل، ترفض ألمانيا فكرة عزل السجناء الذين يتبنون أفكارًا متطرفة، وتختار بدلًا من ذلك برنامجًا مكثفًا للرصد والتدخل لمنع التطرف من الحدوث، ويقول المسؤولون في كلا البلدين، إنهم لا يملكون حتى الآن بيانات كافية لمعرفة الأساليب التي تجدي وفاعلة بحق في التصدي للتطرف في السجون.



ويجرب العديد من البلدان الأوروبية الأخرى حلولًا مختلفة لهذه المعضلة؛ فقد طورت فرنسا، على سبيل المثال جهاز استخبارات يعمل داخل سجونها لمحاولة اختراق الخلايا الإرهابية وتعطيلها، وتسعى دول أوروبية أخرى إلى تصفية الإرهابيين الذين يحتمل عودتهم من إلى ديارهم في قلب مناطق الصراع، وتعكس هذه الطرق المختلفة في التعامل الإدراك التام لدى الحكومات الأوروبية للعواقب السياسية المحتملة إذا غادر عضو سابق في تنظيم داعش السجن ثم ارتكب عملًا إرهابيًّا.



وأصبح المسؤولون الأوروبيون أكثر عدوانية بشأن حبس أشخاص لهم صلات بالإرهاب، لكن في المستقبل القريب، سيخرج كل هؤلاء الرجال والنساء تقريبًا من السجن؛ إذ يقضون عقوبات تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات؛ ما يُبقي المسؤولين عن مكافحة الإرهاب متيقظين طوال الوقت في جميع أنحاء أوروبا.

شارك