توازن واستقرار العراق في صالح إيران (*)
السبت 04/أغسطس/2018 - 10:07 ص
طباعة
ترجمة: علي عاطف حسان
في ظل التحولات الأخيرة التي يشهدها العراق من انتخابات برلمانية ومشكلات أخرى مثل انقطاع التيار الكهربائي، وبالتوازي مع تلك التحولات الأخرى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، قام الكاتب الإيراني والمدير العام الأسبق لقسم شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإيرانية، قاسم محبعلي، بالتعبير عن ذلك في مقالة له في صحيفة اعتماد الإيرانية الناطقة باللغة الفارسية.
حيث سلط الكاتب في مقالته الضوء على العلاقات الإقليمية والأمريكية للعراق، وما هي عليه وما يجب أن تكون كي تصبح في النهاية في صالحه هو، وتناول خلال ذلك العلاقات العراقية السعودية مقارنة بنظيرتها مع إيران، موضحًا في الوقت نفسه أن العلاقات العراقية السعودية الحسنة ليست ضررًا لإيران.
وانتهى الكاتب بأن على العراق تبني سياسة التوازن مع القوى المختلفة في المنطقة؛ لأنه في النهاية ستكون في صالحه هو.
التنافس السعودي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط
تتنافس المملكة العربية السعودية وإيران على تقاسم النفوذ في منطقة الشرق الأوسط بشكل واضح، وخاصة في دول مثل: العراق وسوريا ولبنان ودول أخرى، ولا يخفى ذلك على المراقبين والمتابعين الأجانب، ولقد شهدنا مؤخرًا سفر وفد عراقي رفيع المستوى إلى المملكة العربية السعودية بعد بدء مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في العراق.
حيث التقى هذا الوفد مسؤولين سعوديين في ظل الظروف التي تحيط بالعراق من انقطاع التيار الكهربائي من ناحية ومن ناحية أخرى، في ظل ضوء المشكلات التي تواجهها إيران من انقطاع التيار الكهربائي كذلك وتوقف تصديره إلى العراق.
وخلال السنوات الأخيرة، يمكن ملاحظة أن طريقة التعاطي العراقية مع المملكة العربية السعودية تغيرت إلى حد كبير، حيث أظهرت بغداد رغبة أكبر في إصلاح علاقاتها مع الرياض بعد أن شهدت توترات خلال السنوات الأخيرة.
مشكلة التيار الكهربائي في العراق.. بغداد تسعى لإيجاد علاقات توازن إقليمي
تسعى بغداد إلى إيجاد علاقات أكثر توازنًا مع دول الجوار الثلاث، وهي: المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا، وفي ظل مواجهة إيران لمشكلات الجفاف والحرارة وتأمين مصادر الطاقة في الداخل، فإن العراقيين لجؤوا إلى المملكة العربية السعودية لتأمين حاجتهم من الطاقة؛ لأنهم رأوا أن الرياض هي أفضل الخيارات المتاحة أمامهم.
إلا أنه، وللأسف، فعلى الرغم من اندفاع سيل الدخول المالية من بيع النفط العراقي خلال السنوات الأخيرة، فإن حكومة هذا البلد لم تتمكن من تحقيق إنجازات بسبب الفساد والمشكلات الأمنية، وذهبت هذه الأموال المذكورة، بدلًا من أن تعمل على تأمين الاحتياجات الرئيسية للبلاد، إلى مسارات أخرى، ولم تقم المملكة العربية السعودية من جانبها بالإعلان عن خططها إزاء مسألة نقص موارد الطاقة وصادرات الكهرباء إلى العراق.
ومن الناحية الأخرى، تحتاج صادرات الكهرباء إلى بنى تحتية فنية ينبغي لها أن تتوافر لنقلها، ولا تتوافر إلى الآن هذه البنى التحتية في العراق ولا يمكن التوقع بأن يقوم هذا البلد بسرعة تأمين احتياجاته من الطاقة الكهربائية من المملكة العربية السعودية أو أن يقوم باستبدالها مكان إيران بهذه السرعة.
سياسات العراق تهدف لتحقيق التوازن
وعلى الرغم من ذلك، فإنه أيًا كان رئيس الوزراء العراقي الجديد، سواء حيدر العبادي أو غيره، فإنه لن يستطيع تغيير توازن العلاقات الدبلوماسية ما بين بغداد والدول الأخرى في المنطقة، حيث إن بغداد نفسها ستسعى إلى إيجاد توازن في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية وإيران؛ فقد أظهرت النتائج الأخيرة لانتخابات العراق أن الشعب العراقي يريد أن يرى حكومة أكثر توازنًا وانسجامًا تعمل من ناحية أخرى على تحسين علاقات العراق مع باقي الدول العربية.
ومن غير المتوقع أن تتغير هذه السياسات سواء بتغيير حيدر العبادي أو غيره، ويجب أن نقول إن العلاقات الحسنة والطيبة ما بين الرياض وبغداد ليست ضررًا لإيران؛ حيث إن الاستقرار والأمن وتقدم العراق يمكن أن يضمن المصالح القومية الإيرانية.
إنه من البديهي أن اصطدام العراق مع دول الجوار سيضر بأمنه واستقراره، فالعراق جار لإيران وللمملكة العربية السعودية، وله مع الرياض علاقات تاريخية وثقافية ومذهبية وقومية، ولذا فإنه من غير المتوقع أن يعمل العراق على تحسين علاقاته مع بلد على حساب الدول الأخرى؛ كما أنه لا يتوقع أن تكون بغداد صديقة للرياض وأن تكون عدوة لطهران أو العكس، بل ينبغي النظر إلى المصلحة في علاقاته مع دول المجاورة.
نحن نأمل أن يعمل العراق على تحسين علاقاته مع الرياض وفي نفس الوقت ألا يعمل العراق على الإضرار بعلاقاته مع إيران بفعل تحسن العلاقات مع الرياض، وهذا الأمل ليس واهيًا؛ إذ أن التركيبة السكانية للعراق، وبالتبعية التركيبة السياسية للعراق، تأخذ شكلًا لا يمكن معه توقع تحول العراقيين فجأة ضد إيران.
إن تشكيل الحكومة العراقية المشارك فيها الشيعة والأكراد والسنة، بالإضافة إلى طبيعة الحكومات الائتلافية، سيعمل على تجنب اتخاذ القرارات الفجائية وأحادية الجانب في المسار الدبلوماسي للعراق، ومع ذلك، فإن سياسة التوزان العراقي مع الجيران يمكن لها أن تغضب بعض التيارات والمراقبين في السعودية أو إيران؛ إذ أن بغداد من وجهة نظرهم، وعلي خلاف ما توقعوه، لم تمل بعد سقوط الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين إلى الرياض أو إلى طهران، إلا أنها، وفي وجهة نظر من يريدون المصالح القومية للجيران، فإن اتجاه العراق إلى الاستقلال والقوة يمكن أن يكون في صالح هذه الدول المجاورة.
من مصلحة واشنطن تحقيق الاستقرار في العراق
وعلى الجانب الآخر، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تُعد واحدة من القوى الأساسية الداعمة للحكومة المركزية في العراق ولا يمكن القول إن المستقبل سيحمل في طياته ما يجعل الأمريكيين يحدون من دورهم في سياسات بغداد، وأن يصبحوا فريسة في التعامل مع هذه الدولة.
فمن ناحية، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال استغلال الأوضاع في العراق إلى الضغط على إيران وتغيير توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط؛ ومن ناحية أخرى يرغب الأمريكيون في تحقيق الاستقرار والأمن في الأراضي العراقية، وبالنظر إلى هذين الهدفين، فإنه لا يمكن تحقيق السلام، فالعراقيون إذا ما وقعوا في مشكلات مع الدول المجاورة لهم، فإنهم لن يستطيعوا بناء عراق آمن ومستقر بشكل راسخ.
حيث إن العداوة والنزاع ما بين طهران وبغداد سيعود بالعراق إلى الظروف التي كان عليها في مرحلة ما قبل رحيل الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وهي الحالة التي لا يستفيد منها أي طرف في المنطقة أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية.
الحل في سياسة التوازن
فعلى الرغم من أن العلاقات الحالية ما بين طهران وواشنطن تمر بفترة غير طبيعية وتتسبب حالة العداء الحالية في سعي الطرفين إلى استغلال كل الأوراق الممكنة ضد الطرف الآخر، فإن حالة الفوضى والعداء ما بين العراق وجيرانه لن تعمل على حفظ المصالح الأمريكية والإيرانية في العراق.
وفي النهاية، فإن إصلاح العراق يأتي عن طريق إقامة علاقات صداقة وتوازن مع الدول المجاورة له، سواء كانت الكويت، أو المملكة العربية السعودية، أو إيران، أو الأردن، أو سوريا، أو تركيا.
*المقال مترجم عن صحيفة «اعتماد» الناطقة باللغة الفارسية للكاتب "قايم محبعلي"، المدير العام الأسبق لقسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإيرانية، بتاريخ21 يوليو 2018
حيث سلط الكاتب في مقالته الضوء على العلاقات الإقليمية والأمريكية للعراق، وما هي عليه وما يجب أن تكون كي تصبح في النهاية في صالحه هو، وتناول خلال ذلك العلاقات العراقية السعودية مقارنة بنظيرتها مع إيران، موضحًا في الوقت نفسه أن العلاقات العراقية السعودية الحسنة ليست ضررًا لإيران.
وانتهى الكاتب بأن على العراق تبني سياسة التوازن مع القوى المختلفة في المنطقة؛ لأنه في النهاية ستكون في صالحه هو.
التنافس السعودي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط
تتنافس المملكة العربية السعودية وإيران على تقاسم النفوذ في منطقة الشرق الأوسط بشكل واضح، وخاصة في دول مثل: العراق وسوريا ولبنان ودول أخرى، ولا يخفى ذلك على المراقبين والمتابعين الأجانب، ولقد شهدنا مؤخرًا سفر وفد عراقي رفيع المستوى إلى المملكة العربية السعودية بعد بدء مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في العراق.
حيث التقى هذا الوفد مسؤولين سعوديين في ظل الظروف التي تحيط بالعراق من انقطاع التيار الكهربائي من ناحية ومن ناحية أخرى، في ظل ضوء المشكلات التي تواجهها إيران من انقطاع التيار الكهربائي كذلك وتوقف تصديره إلى العراق.
وخلال السنوات الأخيرة، يمكن ملاحظة أن طريقة التعاطي العراقية مع المملكة العربية السعودية تغيرت إلى حد كبير، حيث أظهرت بغداد رغبة أكبر في إصلاح علاقاتها مع الرياض بعد أن شهدت توترات خلال السنوات الأخيرة.
مشكلة التيار الكهربائي في العراق.. بغداد تسعى لإيجاد علاقات توازن إقليمي
تسعى بغداد إلى إيجاد علاقات أكثر توازنًا مع دول الجوار الثلاث، وهي: المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا، وفي ظل مواجهة إيران لمشكلات الجفاف والحرارة وتأمين مصادر الطاقة في الداخل، فإن العراقيين لجؤوا إلى المملكة العربية السعودية لتأمين حاجتهم من الطاقة؛ لأنهم رأوا أن الرياض هي أفضل الخيارات المتاحة أمامهم.
إلا أنه، وللأسف، فعلى الرغم من اندفاع سيل الدخول المالية من بيع النفط العراقي خلال السنوات الأخيرة، فإن حكومة هذا البلد لم تتمكن من تحقيق إنجازات بسبب الفساد والمشكلات الأمنية، وذهبت هذه الأموال المذكورة، بدلًا من أن تعمل على تأمين الاحتياجات الرئيسية للبلاد، إلى مسارات أخرى، ولم تقم المملكة العربية السعودية من جانبها بالإعلان عن خططها إزاء مسألة نقص موارد الطاقة وصادرات الكهرباء إلى العراق.
ومن الناحية الأخرى، تحتاج صادرات الكهرباء إلى بنى تحتية فنية ينبغي لها أن تتوافر لنقلها، ولا تتوافر إلى الآن هذه البنى التحتية في العراق ولا يمكن التوقع بأن يقوم هذا البلد بسرعة تأمين احتياجاته من الطاقة الكهربائية من المملكة العربية السعودية أو أن يقوم باستبدالها مكان إيران بهذه السرعة.
سياسات العراق تهدف لتحقيق التوازن
وعلى الرغم من ذلك، فإنه أيًا كان رئيس الوزراء العراقي الجديد، سواء حيدر العبادي أو غيره، فإنه لن يستطيع تغيير توازن العلاقات الدبلوماسية ما بين بغداد والدول الأخرى في المنطقة، حيث إن بغداد نفسها ستسعى إلى إيجاد توازن في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية وإيران؛ فقد أظهرت النتائج الأخيرة لانتخابات العراق أن الشعب العراقي يريد أن يرى حكومة أكثر توازنًا وانسجامًا تعمل من ناحية أخرى على تحسين علاقات العراق مع باقي الدول العربية.
ومن غير المتوقع أن تتغير هذه السياسات سواء بتغيير حيدر العبادي أو غيره، ويجب أن نقول إن العلاقات الحسنة والطيبة ما بين الرياض وبغداد ليست ضررًا لإيران؛ حيث إن الاستقرار والأمن وتقدم العراق يمكن أن يضمن المصالح القومية الإيرانية.
إنه من البديهي أن اصطدام العراق مع دول الجوار سيضر بأمنه واستقراره، فالعراق جار لإيران وللمملكة العربية السعودية، وله مع الرياض علاقات تاريخية وثقافية ومذهبية وقومية، ولذا فإنه من غير المتوقع أن يعمل العراق على تحسين علاقاته مع بلد على حساب الدول الأخرى؛ كما أنه لا يتوقع أن تكون بغداد صديقة للرياض وأن تكون عدوة لطهران أو العكس، بل ينبغي النظر إلى المصلحة في علاقاته مع دول المجاورة.
نحن نأمل أن يعمل العراق على تحسين علاقاته مع الرياض وفي نفس الوقت ألا يعمل العراق على الإضرار بعلاقاته مع إيران بفعل تحسن العلاقات مع الرياض، وهذا الأمل ليس واهيًا؛ إذ أن التركيبة السكانية للعراق، وبالتبعية التركيبة السياسية للعراق، تأخذ شكلًا لا يمكن معه توقع تحول العراقيين فجأة ضد إيران.
إن تشكيل الحكومة العراقية المشارك فيها الشيعة والأكراد والسنة، بالإضافة إلى طبيعة الحكومات الائتلافية، سيعمل على تجنب اتخاذ القرارات الفجائية وأحادية الجانب في المسار الدبلوماسي للعراق، ومع ذلك، فإن سياسة التوزان العراقي مع الجيران يمكن لها أن تغضب بعض التيارات والمراقبين في السعودية أو إيران؛ إذ أن بغداد من وجهة نظرهم، وعلي خلاف ما توقعوه، لم تمل بعد سقوط الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين إلى الرياض أو إلى طهران، إلا أنها، وفي وجهة نظر من يريدون المصالح القومية للجيران، فإن اتجاه العراق إلى الاستقلال والقوة يمكن أن يكون في صالح هذه الدول المجاورة.
من مصلحة واشنطن تحقيق الاستقرار في العراق
وعلى الجانب الآخر، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تُعد واحدة من القوى الأساسية الداعمة للحكومة المركزية في العراق ولا يمكن القول إن المستقبل سيحمل في طياته ما يجعل الأمريكيين يحدون من دورهم في سياسات بغداد، وأن يصبحوا فريسة في التعامل مع هذه الدولة.
فمن ناحية، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال استغلال الأوضاع في العراق إلى الضغط على إيران وتغيير توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط؛ ومن ناحية أخرى يرغب الأمريكيون في تحقيق الاستقرار والأمن في الأراضي العراقية، وبالنظر إلى هذين الهدفين، فإنه لا يمكن تحقيق السلام، فالعراقيون إذا ما وقعوا في مشكلات مع الدول المجاورة لهم، فإنهم لن يستطيعوا بناء عراق آمن ومستقر بشكل راسخ.
حيث إن العداوة والنزاع ما بين طهران وبغداد سيعود بالعراق إلى الظروف التي كان عليها في مرحلة ما قبل رحيل الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وهي الحالة التي لا يستفيد منها أي طرف في المنطقة أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية.
الحل في سياسة التوازن
فعلى الرغم من أن العلاقات الحالية ما بين طهران وواشنطن تمر بفترة غير طبيعية وتتسبب حالة العداء الحالية في سعي الطرفين إلى استغلال كل الأوراق الممكنة ضد الطرف الآخر، فإن حالة الفوضى والعداء ما بين العراق وجيرانه لن تعمل على حفظ المصالح الأمريكية والإيرانية في العراق.
وفي النهاية، فإن إصلاح العراق يأتي عن طريق إقامة علاقات صداقة وتوازن مع الدول المجاورة له، سواء كانت الكويت، أو المملكة العربية السعودية، أو إيران، أو الأردن، أو سوريا، أو تركيا.
*المقال مترجم عن صحيفة «اعتماد» الناطقة باللغة الفارسية للكاتب "قايم محبعلي"، المدير العام الأسبق لقسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإيرانية، بتاريخ21 يوليو 2018