«الصديقية الشاذلية» تضع مدينة أكتوبر تحت الزحف الصوفي

الخميس 09/أغسطس/2018 - 10:06 ص
طباعة «الصديقية الشاذلية» سارة رشاد
 

تشتهر العاصمة المصرية القاهرة بأنها رابع مدينة على مستوى العالم من حيث الزحام، ويتخذ هذا الزحام أشكالًا عدة، إلا أنه يتجلى في أروع صورة له خلال موالد القاهرة العديدة التي لا تنتهي على مدار أيام وليالي السنة، لكل مولد صاحب، ولكل صاحب طريقة، ولكل طريقة مريدون ورايات تجذب تحتها عشرات الآلاف من المحبين في ضجيج لا يهدأ، وصخب لا ينام.

هذا الضجيج وذلك الصخب تخف حدتهما الملازمة للقاهرة، كلما ابتعدت العيون عن قلب العاصمة ومركزها، إلى مدن حديثة نائية ونائمة على حدود العاصمة، حيث الكتل خرسانية المتراصة بدقة هندسية في قلب الصحراء لحلِّ أزمة سكانية متفاقمة، فتظل مجرد أجساد ممتدة في الصحراء تنقصها روح الموالد لتدب فيها بصخب المحبين وضجيج المريدين.

مدينة السادس من أكتوبر المستقرة غربي العاصمة المصرية بحوالي 32 كيلومترا، تحديدًا ينتظرها تحول روحي قريب، فمنذ أن أشهر مفتي الديار المصرية السابق، الدكتور (الصوفي) علي جمعة، طريقة صوفية جديدة أسماها «الصديقّية الشاذلية»، وحصل على ترخيص لها من المجلس الأعلى للطرق الصوفية (أعلى جهة صوفية في مصر) منتصف فبراير 2018، ووافقت وزارة الأوقاف عليها في 20 يوليو 2018، اكتست المدينة بخصوصية دينية، إذ يقيم «جمعة» في مدينة 6 أكتوبر منذ أعوام، وشيّد بها مسجدًا مخصصًا للطريقة، هو مسجد «فاضل» بأحد أحياء المدينة، ولم يكتف بذلك فقط، بل دشن بجوار المسجد مقامًا له أوصى بأن يُدفن فيه.

و«الصدّيقية الشاذلية» واحدة من أحدث الطرق الصوفية في مصر، أخذها جمعة من مدرسة صوفية مغربية تُدعى «الصدّيقية الغمارية»، وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي ينتشر فكر الغماريين في مصر، ومن المرجح أن ينضم لها أسماء من المسؤولين الدينيين الكبار في الدولة المصرية.

وجود طريقة صوفية ومسجد لجمعة بالسادس من أكتوبر يُضفي مسحة دينية خاصة على المدينة، إذ توافدت على مدار الأعوام الأخيرة مجموعات صوفية آسيوية وعربية على المسجد لالتقاء الشيخ، والتعلم على يديه، كما اعتاد جمعة إحياء المناسبات الدينية بمسجده بصحبة فرق إنشاد صوفي تقيم ليالي ذكر وابتهالات دينية.

ويخطب بالمسجد رموز من التصوف المصري وتلامذة لجمعة مثل المستشار الديني لرئاسة الجمهورية الدكتور أسامة الأزهري، والمستشار الأكاديمي لمفتي الديار المصرية الدكتور مجدي عاشور، وأسهم ثقل تلك الأسماء في جذب المئات من أبناء القاهرة إلى مدينة السادس من أكتوبر؛ بغرض حضور الدروس الدينية، والتقاء المشايخ للاستفسار منهم عن فتوى دينية.
«الصديقية الشاذلية»
ويتوقع أن يزيد معدل التوافد على المدينة، خاصة أن المسجد الذي بناه جمعة على نفقته الخاصة هناك يُعتبر المسجد الرئيسي للطريقة، وبما أن «الصدّيقية الشاذلية» تضم «أعدادًا ضخمة» من المُريدين والمحبين لجمعة، وفقًا لحديث «المرجع» مع مصدر داخل الطريقة، فالتوافد على المدينة مرجّح ارتفاعه.

ويعزز من إمكانية تحول السادس من أكتوبر لمركز صوفي جديد، بناء جمعة ضريح لنفسه إلى جوار مسجده ليدفن فيه؛ ما يعني أن محبيه وتلامذته من داخل مصر وخارجها سيتمكنون من زيارته حتى بعد رحيله.

ولا يشير ذلك فقط إلى زيارات سيستقبلها المسجد والمقام، بل قد يتطور الأمر لأبعد من ذلك فتتحول زيارات التبرك لمولد صوفي، وهو ما تدعمه قناعات بات يرددها أتباع جمعة عن شيخهم، وتصل حتى تسميته بـ«العالم الرباني» (درجة صوفية عالية).

وتفيد التجارب القديمة في زيارة مقامات الأولياء لدى الصوفية بأن وجود ضريح في مكان كفيل بإضفاء تغيرات على هوية مدينة بكاملها وبصورة سريعة، حتى إن بعض المدن في مصر تلخصت هويتها في علاقتها بشيخ صوفي كان يقيم فيها أو شيخ وُلد أو توفي بها.

القاهرة بشكل خاص لها تجربة مع استقبال المتصوفة، إذ تضم العاصمة آلاف الأضرحة التي تجذب في أوقات متفرقة من العام أعدادًا ضخمة من الصوفية بغرض المشاركة في موالد أو إحياء ذكرى دينية.

ويعتبر مولد الإمام الحسين (حفيد الرسول) أكبر حدث ديني يقام في القاهرة ومصر بشكل عام، ويشارك فيه ما لا يقل عن 2 مليون صوفي، يليه مولد السيدة زينب (حفيدة الرسول)، ومولد ابن أخيها علي زين العابدين، بالإضافة لمولد الشيخ أحمد الرفاعي (شيخ الطريقة الرفاعية أكبر الطرق الصوفية في مصر)، ويقام في مارس من كل عام.

شارك