«العيساوية».. طريقة الكرامات والشطحات الصوفية

الجمعة 10/أغسطس/2018 - 09:26 ص
طباعة «العيساوية».. طريقة عبدالرحمن صقر
 
«العيساوية» برزت خلال القرن السادس عشر الميلادي، وتُعدُّ من أبرز طرق التصوف التي لمعت فى تلك الفترة، ويعود اسمها إلى مؤسسها الأوّل الشيخ محمد بن عيسى المكناسي، من مواليد مدينة مكناسة الزيتون ببلاد المغرب العربي، ويرجع سند الطريقة إلى الإمام أبي الحسن الشاذلي 1258، ويعد علامة التصوف وأحد الأقطاب الكبار في عصره، أخذت الطريقة العيساوية طريقها للانتشار الواسع في المناطق التونسية بالمشرق العربي، لاسيما في المدن والمناطق الشعبية الكبرى.

«الكرامات» كانت الاعتماد الأول للطريقة في جذب العامة والمريدين، مع إحياء حلقات الإنشاد والسماع والشطح الصوفي باستمرار، ما كان عاملًا له شديد الأثر في نفوس العوام، وأسهم في تزايد عدد مريديها في تلك المناطق.

الشيخ محمد بن عيسى من مواليد 1467، يعود نسبه إلى آل البيت، وهو من أصل إدريس الأصغر مؤسس مدينة «فاس» أواخر القرن الثاني الهجري، ونشأ في وسط عائلي يهتم بالعلم، ومنذ صغر سنّه خرج به والده إلى مدينة فاس، مركز العلم والإشعاع الثقافي في ذلك الوقت، وجدها الشيخ محمد بن عيسى فرصةً لاستيعاب العلوم المختلفة، والاطلاع على المعارف، حفظ القرآن الكريم في فترة قصيرة.

تتلمذ على يد عدة من أقطاب الصوفية، وأبرزهم أحمد بن عمر الحارثي 1499، وعبدالعزيز التباع 1508، ومحمد الصغير السهلي 1513، من أتباع أبي الحسن الشاذلي، وتنسب إليه الطريقة الصوفية المسمّاة بـ«الجزولية»، وهي التي أصبحت فيما بعد تعرف بالطريقة «العيساوية» عقب وفاته، كما تلقى كيفية الإدارة والعلو في التصوف والروحانيات على يد أعلام التصوّف المغربي، على رأسهم «الشيخ المجذوب» 1569، و«الشيخ أبوالرواين» الذي أصبح ثاني من تولى مشيخة «العيساوية» بعد وفاة محمد بن عيسى المؤسس الأول.

دخلت «العيساوية» تونس في منتصف القرن السادس عشر الميلادي، على يد «أحمد القطعاني»، أبرز من اعتنق التصوف على الطريقة العيساوية، ولم تمضِ على وفاة سيدي محمد بن عيسى الملقب بـ«الشيخ الكامل»، مائة سنة، وأصبحت زوايا الطريقة العيساوية، الأعلى انتشارًا في كامل بلاد المغرب العربي من موريتانيا إلى الجزائر وتونس، مرورًا بطرابلس الليبية، وتم إنشاء أوّل زاوية بداية القرن السابع عشر الميلادي بليبيا.

وأوضحت المراجع «العيساوية» أن زاوية «ورزة» هي الباب الذي مَهَّد لدخول الطريقة إلى الجزائر، وتقع بمدينة «مدية» في القرن السادس عشر الميلادي، وانتشرت طريقة الزاوية الحنصالية، كما أنّ أول زاوية للطريقة هي «سيدي الحاري» وتقع بين باب الخضراء وباب سويقة بتونس، ويطلق عليها بـ«الزاوية الأم»، وتؤكد المراجع أن زاوية سيدي الشاذلي بباب الجزيرة فرع تابع وليس فرع تأسيس أو أصلًا، وتعد زاوية «سيدي بوسعيد» نقطة تجمع بين مريدي الطريقتين «الشاذلية» و«العيساوية»، وتأتي زوايا تطاوين والكاف وتستور والساحل كنقاط التقاء بين الأتباع والمريدين الصوفية.

في سنة 1925، انتشرت الزوايا العيساوية حتى وصلت إلى 144 زاوية تابعة، وتضمّ ما يقرب من 40 ألف مريد ومحب إلى الطريقة بتونس.

وتشتهر «العيساوية» في تونس بحفظ نوبات وموشحات الصوفية المألوفة، والموشحات الأندلسية التقليدية أكثر الطرق إلى قلوب العامة والمريدين، إضافة إلى الموشحات الصوفية والأزجال، والغزلية ذات المعاني والأغراض الكلاسيكية المعروفة، التي تنطوي على معانٍ روحية ووجدانية صوفية تتصل بمحبة الله، والصلاة على النبي محمد، والشوق إلى زيارة الكعبة بيت اللّه الحرام، على حدِّ وصفهم.

وعن الطريقة؛ يقول أبرز رموزها الشيخ الكامل: «طريقتنا لا تدخل في قلب قاسٍ، ولا في جسم عاصٍ، ولا في عقد جاهل، ولا تُدرك بالقياس، ولا هي خارجة عن الكتاب والسنة، بل هي حكمة عُليا وموهبة أوليَّة على السنة والنية ومُسَاقة على أثر الأنبياء والأولياء».

شارك