برعاية حكومية.. الدنمارك تعيد دمج «العائدون من داعش»

الإثنين 13/أغسطس/2018 - 09:12 ص
طباعة برعاية حكومية.. الدنمارك أحمد لملوم
 
تحاول الحكومات الأوروبية إيجاد طريقة مُثلى للتعامل مع مواطنيها العائدين من سوريا والعراق، وتقدم الدنمارك أحد أنجح النماذج في هذا الشأن، حيث أسهم برنامج حكومي تتشارك فيه جهات عدة؛ في إعادة دمج وتقويم من غَرَّر بهم بدعوات تأسيس الخلافة الداعشية المزعومة، وسافروا للعيش هناك.

وفي هذا الصدد، قال الدكتور بريبين بيرتلسن، أستاذ علم النفس بجامعة آرهوس الدنماركية، في ندوة للحديث عن البرنامج: إن «البرنامج الحكومي سيساعد هؤلاء الشباب في العثور على العودة للمجتمع مرة أخرى، وذلك شريطة ألا يكونوا متورطين في فعل شيء إجراميٍّ؛ لأنهم يريدون أن يجدوا مكانًا لهم».

وفي مدينة «آرهوس»، ثاني أكبر المدن الدنماركية والتي تحتوي على أفقر الأحياء السكنية في الدنمارك، تدير السلطات هذا البرنامج التأهيل، والذي يتعاون فيه مدرسون، ومربون تربويون، وأطباء نفسيون، وقوات الشرطة، وعائلات العائدين؛ من أجل تقديم المساعدة المطلوبة لإنقاذ الشباب الدنماركي، الذي انجرف إلى براثن التشدد في لحظات ضعف مروا بها في حياتهم.

ويعتمد البرنامج على إجراء جلسات حوارية وورشات عمل تساعد هؤلاء الشباب؛ من أجل استعادة السيطرة على مسار حياتهم مرة أخرى، وتشمل هذه الجلسات تقديم المشاورة لهم وحثهم على التفكير النقدي فيما يتلقوا من الآخرين، وتعليمهم المهارات الحياتية والمهنية التي تضمن لهم إيجاد فرصة عمل تكفل لهم العيش حياة كريمة.

ونتيجة لهذا البرنامج انخفض عدد من أعلنت السلطات الدنماركية أنهم غادروا البلاد وسافروا إلى سوريا إلى شخص واحد فقط عام 2017؛ ما دفع دولًا عديدةً بمحاولة الاستفادة من هذه التجربة، وتطبيقها في بلادهم.

ولا يوجد عدد دقيق لمن تركوا الدنمارك وذهبوا للمشاركة في الحرب الجارية في سوريا، إلا أن السلطات الدنماركية كانت قدرت عددهم نحو 150 شخصًا عام 2015.
برعاية حكومية.. الدنمارك
ويقول آلان آرسلف، المسؤول عن الجانب الأمني في البرنامج، مدير شرطة مدينة آرهوس: إنه «من السهل أن تصدر قوانين جديدة صارمة، لكن الصعب هو أن تحدث فارقًا حقيقيًّا، والمشاركون في البرنامج الحكومي تساعدهم لجنة من الخبراء، وتقدم لهم المشورة، والرعاية الصحية، والمساعدة في العودة إلى الحياة اليومية والمجتمع، ونحن لا نفعل ذلك انطلاقًا من قناعة سياسية، لكن نحن نفعل ذلك لأنه يحقق نتيجة».

ويعتبر التعامل الحكومي في الدنمارك مع المسلمين؛ والذين يمثلون أكبر أقلية دينية في البلاد، من القضايا الحساسة؛ إذ أثارت رسوما كاريكاتورية نشرت في مجلة دنماركية عام 2005، موجة غضب عارمة وسط المسلمين في الدنمارك والدول الإسلامية، تلقت على إثرها الدنمارك تهديدات من تنظيم القاعدة بتنفيذ عمليات إرهابية داخل البلاد في ذلك الوقت.

وفعلت السلطات خطوة وقائية في إطار هذا البرنامج، بتوجيه دعوات للمشاركة فيه لمن تظهر عليهم مؤشرات التشدد، ومنها الولوج إلى مواقع إلكترونية متشددة، الميل إلى الانعزال في المدرسة أو الجامعة، قطع العلاقات مع المقربين منهم سواء عائلاتهم وأصدقائهم.

ويقول دكتور «بيرتلسن»: إن «جميع الدنماركيين الذين ذهبوا في ذروة انتشار ظاهرة السفر إلى سوريا بين 2012 و2013، تطرفوا بشكل سريع جدًّا، وكانت بينهم صفات مشتركة، أغلبهم من الجيل الثاني من المهاجرين الذين واجهوا الرفض والعنصرية، والشعور أنهم عالقون بين ثقافتين وهويتين مختلفتين؛ واحدة في المنزل، وأخرى في الخارج، وهؤلاء شباب يبحثون عن إجابات لأسئلة وجودية».

وتشرك السلطات أئمة مسجد «جريمهويفَي» الموجود في مدينة «آرهوس»، والذي يعد واحدًا من أكثر المساجد إثارة للجدل في أوروبا، ففي عام 2013، غادر 22 من المترددين بانتظام على هذا المسجد إلى سوريا، كما كان لإمامه السابق أسامة السعدي تصريحات مثيرة للجدل، منها عدم تحريم ما يفعله تنظيم داعش، واعتباره أن التنظيم جزء من الإسلام.

وفي عام 2015، شهدت العاصمة الدنماركية كوبنهاغن هجومين إرهابيين، أسفرا عن مقتل شخصين، وإصابة 5 من رجال الشرطة، نفذهما شاب في العشرينيات يُدعى عمر الحسين، أعلن ولاءه لتنظيم داعش الإرهابي.

ويعتقد جاكوب بوندغارد عمدة مدينة آرهوس، أن البرنامج هو السبيل الأمثل للتعامل مع التشدد، مضيفًا: «لا يمكنك تجريم ما يشعر الناس أو فيما يفكرون أو ما يعتقدونه، ولكن يمكن إجراء حوار صادق معهم».

شارك