الإخوان أصل الإرهاب.. «السياسة المقدسة» في منهج «البنا»
الأربعاء 15/أغسطس/2018 - 06:32 م
طباعة
أحمد الشوربجى
انطلقت جميع الحركات والجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة عبر تاريخنا الحديث تقتل وتفسد إينما حلت بوحي ديني غير حقيقي، تلبست به منطلقة من عدة مفاهيم مرتبة بعضها على بعض كحبات العقد الواحد.
وبدأوا هذا العقد استنادًا لقوله تعالى: (وأَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)، ثم رتبوا عليه أن إقامة الدين لا تكون إلا بإقامة الدولة الإسلامية، التي تحكم بما أنزل الله، ولن يكون الحكم إلا بالخليفة الذي يتولى سدة الحكم في هذه الدولة ومن ثم يجب تنصيب الخليفة المسلم، وإعادة الخلافة مرة أخرى.
حاول «داعش» التنظيم الإرهابي، والأكثر دموية، تطبيق هذا النموذج، فسارع بإعلان دولة الخلافة المزعومة وتنصيب «البغدادى» أميرًا للمؤمنين؛ فخطف الأضواء بعيدًا عن الجماعة العتيدة –الإخوان- التي أسست وقعَّدت لهذه المفاهيم التي انطلقت منها كل هذه التنظيمات تطبق نموذجها الذي وضعه المؤسس الأول لها «حسن البنا» (1928).
الإسلام دين ودولة
يرى الباحث «معتز الخطيب» أن أكبر مشكلة صنعها «البنا» هو سكِّه لذلك الشعار «الإسلام دين ودولة»، ففي رسالة المؤتمر الخامس للإخوان يقول البنا: «الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف».
وأخذت الجماعة هذه الكلمات ووضعت منها «المصحف والسيف» شعارًا لها، ثم جعلوا خلاصة منهجهم الذي سيحاربون عليه بالسيف «الإسلام دين ودولة»، الشعار الذى سكه «البنا» ثم صار متداولًا ليس فقط على ألسنة عوام الناس دون أن يرون ما فيه من خطر بل استطاع بعض الحركيين وضعه على ألسنة العلماء الرسميين وإدخاله للمؤسسات الرسمية.
«الإسلام دين»
لكن الحقيقة أن الإسلام «دين» هذا هو الأصل «دين» له قدسيته وقداسته حتى لو تناول ما يخص الدولة فى بعض أحكامه وإرشادته لكنه «دين» وكفى، فحينما نلصق به كلمة «دولة» فقد أعطيناها من قداسته وتحولت الدولة والحكم والسياسة فيها مقدسة.
ومن ثم يقع الولاء والبراء والتكفير والخروج والقتال وإراقة الدماء؛ من أجل هذا المقدس، ومن أجل هذه الدولة المتوهمة التى تحولت لدين ومن أجل السياسة والحكم المقدس تسربت؛ إذن جريمة تقديس السياسة للعقول دون أن تدري تحت بريق هذا الشعار الذي جاء في ظاهره الرحمة بينما هو يحمل في باطنه العذاب لهذه الأمة على مدار العقود السابقة وإلى الآن.
«البنا» كان واعيًا لهذا التقديس لذا أكده مرارًا خلال رسائله المتتالية فقال للذين يفصلون بين ما هو سياسي وما هو شأن ديني خالص: فمن ظن أن الدين – أو بعبارة أدق الإسلام – لا يعرض للسياسة، أو أن السياسة ليست من مباحثه، فقد ظلم نفسه، وظلم علمه بهذا الإسلام ولا أقول ظلم الإسلام فإن الإسلام شريعة الله لا يأتيها الباطل من بين يده ولا من خلفه.. وجميل قول الإمام الغزالي: (اعلم أن الشريعة أصل، والملك حارس، وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع).
إنها لعبة الاجتزاء التي تعطي لهذه المفاهيم سندًا التي أجادها «البنا» وأتباعه من التنظيمات كافة فيما بعد، فهؤلاء يسعون لهدم الدولة والإنسان وإفنائهما في سبيل إقامة دولتهم، بينما «الغزالي» يرى أنه لا وجود للدين بالأساس بدون الإنسان والاجتماع والعمران فهو يكرس لمفهوم حفظ هذه الأشياء من منطلق الدين على عكس ما ترنو إليه هذه الجماعات فيقول: إنه لا نظام للدين بدون نظام للدنيا. فهو يدعو للعمران وحماية الدولة من منطلق الدين فهل هذا ما يفعله أتباع «البنا»؟
يمضي «البنا» نحو هدفه فيقول: «قلما تجد إنسانًا يتحدث إليك عن السياسة والإسلام إلا وجدته يفصل بينهما فصلًا، ويضع كل واحد من المعنيين في جانب، فهما عند الناس لا يلتقيان ولا يجتمعان، ومن هنا سميت هذه جمعية إسلامية لا سياسية، وذلك اجتماع ديني لا سياسة فيه، ورأيت في صدر قوانين الجمعيات الإسلامية ومناهجها (لا تتعرض الجمعية للشؤون السياسية)».
ثم يبدأ يفصح عن حقيقة دعوته فيقول: فحدثوني بربكم أيها الإخوان، إذا كان الإسلام شيئًا غير السياسة وغير الاجتماع، وغير الاقتصاد، وغير الثقافة... فما هو إذن؟
يجيب «البنا» عن نفسه باذرًا بذور التكفير بناء على السياسة والعمل السياسي فيقول: «أستطيع أن أجهر في صراحة بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيًّا».
ويؤكد ذلك مرة أخرى بقوله: إن على كل جمعية إسلامية «تهتم بالثقافة الدينية فقط» أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بشؤون أمتها السياسية وإلا كانت تحتاج هي نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام.
يفصح «البنا» عن مراده من هذه الجماعة وأنها أبدًا لم تكن ولن تكون جماعة دينية بل جماعة سياسية من أساسها هدفها تحويل السياسة لدين وتحويل الدين لسياسة، فلا ندرى ما المقدس وما غير المقدس.
لقد أراد «البنا» أن يكسر الحواجز بين الدين والسياسة والجماعة والدولة ويحدث عملية إدماج مقدسة لكل ذلك فقال لمن يظن أن الجماعة لا علاقة لها بالسياسة إن البعض سيقول: إن جماعة الإخوان تركت مبادئها، وخرجت على صفتها، وصارت جماعة سياسية بعد أن كانت جمعية دينية.