المريدية وصوفية السنغال.. لكل شيء إذا ما تم نقصانُ
الأربعاء 15/أغسطس/2018 - 06:59 م
طباعة
عبدالرحمن صقر
شوارع تنطق جدرانها بصور مشايخ الطرق الصوفية، وتروي قصتهم بكلمات فرنسية وإنجليزية، وأحيانًا عربية، بيوت تتزين برايات لطُرق صوفية عديدة وعلى حوائطها صور وكلمات تشي بمذهب ساكنيها، وسائل مواصلات تتدلى من مراياها مسابح خشبية يعتقد في بركتها، وتنضح مسجلاتها بأصوات المداحين والمنشدين، أدعية صوفية عذبة تلاحق مسامع المارة لتبث روح السلام والطمأنينة في النفوس، كل شيء يعلن بصراحة عن هوية الأرض التي احتضنته، ويكاد يصدح مغردًا: هنا السنغال أرض المحبة للجميع.
وتتميز الصوفية في السنغال بالمشاركة الفعلية غير القائمة على التفرقة، سواء بين الرجل والمرأة، أو الغني والفقير، أو المثقفين ومن هو دونهم، فكل الفئات من عامة الشعب لها موطئ قدم في ساحة الصوفية السنغالية الرحبة التي اتسعت للجميع، وجعلت من السنغال بلدًا صوفيًّا بامتياز يتمتع بالفكر السياسي الناضج والمنهج الاجتماعى القويم.
• الصوفية مصدر الثقافة الدينية
وتعد الطرق الصوفية هناك هى مصدر الثقافة الدينية الأكثر انتشارًا، ومن أبرز تلك الطرق، «التيجانية» نسبة الى «أحمد التجاني الجزائري»، و«المريدية» لمؤسسها «أحمد بمبا مبكا دفين» من مدينة طوبا السنغالية، بالإضافة إلى الطريقتين «القادرية، واللايينية»، وتحظى تلك الطرق بشعبية جارفة، بل وباستحواذ كبير من جانب الأغلبية الصوفية بالسنغال.
تمثل الأغلبية المسلمة في السنغال أكثر 95% من السكان هناك، تابعون للطرق الصوفية، ويعد شيخ الطريقة هو الزعيم الروحي، ومن هرم السلطة «الحاكم» إلى العامة والبسطاء من الشعب، والفئات المختلفة وطبقة المثقفين ورجال الأعمال تخضع إلى ثأثير شيخ الطريقة.
ومن مميزات تلك الطريقة «المُريدية» قوة التنظيم، ولعبة التأثير السياسي والاقتصادي على البلاد، وقد استخدمت الصوفية فى شلِّ حركتي التطرف باستغلال نفوذها لمحاربة ومكافحة الأفكار المتطرفة.
وصلت «المريدية» إلى هرم السلطة عبر الرئيس السنغالي «عبدالله واد» مواليد 29 مايو 1926، تولى الرئاسة فى أبريل 2000م، إلى أبريل 2012، عبر الحزب «السنغالي الديمقراطي»، وتربى عبدالله في حضن تلك الطريقة، وحظيت الطريقة بنفوذ كبير في تلك المرحلة، فكبار مشايخها فرضوا السيطرة الكاملة على مكامن العملية الاقتصادية والسياسية، رغم نفي المريدين عن طريقتهم أنها ذات صبغة سياسية، وكانوا يؤكدون أنها ارتقاء الروح.
• أفكار المريدية
يعتقد أتباع المريدية أن «الحج حجان، الحج إلى بيت الله الحرام الكعبة المشرفة، والحج إلى ضريح مؤسس الطريقة «أحمد دوبمبا»، الذي وقف ضد الاحتلال.
وفي ذكرى نفي «أحمد دوبمبا» تكتظ مدينة «طوبا» شرق السنغال، بالمريدين والاتباع من كل عام بعدة ملايين أمام الضريح لتخليد الذكرى، حيث نُفي شيخ الطريقة من قبل سلطة الاحتلال الفرنسي إلى دولة الجابون، ويتوافد على الضريح اتباع الطريقة الموريدية من الداخل والخارج للتبرك والاحتفال والتزود بالإيمان على حدِّ وصفهم واعتقادهم، وتعتبر زيارة الضريح فريضة عليهم لاكتمال الإيمان.
خطر الحداثة
ولأن لكل شيء إذا ما تم نقصان، يتوقع مراقبون محليون ومتخصصون في الشأن الصوفي السنغالي، خطرًا يهدد الطرق الصوفية رغم النفوذ الواضح والقوي، وهو الخطر الكامن في تنامي قيادات شابة من داخل أسر القيادات الروحية، فتزايد الأعداد بتلك السرعة ينذر ويهدد بصراعات داخل التيار الصوفي بشكل عام، وتؤكد عدة تقارير محلية بأن الأمر بات على وشك الانفلات بالفعل، حيث تطالب تلك القيادات الشابة بالحداثة والتحول الفكري التدريجي، وتتطلع للزعامة والسلطة، كما صاحب ذلك الجنوح إلى الحداثة تحركات مريبة مع نشر بعض الأفكار السلفية والشيعية في السنغال عبر بعض الجمعيات هناك.