أخطر وثائق الـ«سي أي أيه» تكشف طرق التمويل السري للإخوان وخطة سيطرتهم على مصر
الخميس 16/أغسطس/2018 - 11:30 ص
طباعة
عبد الهادي ربيع
نشرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «cia» وثيقة سرية أعدتها عام 1986، حول مخططات جماعة الإخوان بمصر، مع تقديم رؤية حول مصادر تمويل الجماعة، واحتمالات تصاعد دورها خلال التسعينيات من القرن المنصرم.
وكشفت الوثيقة أن جماعة الإخوان تعمل على أن تصبح قوة إسلامية يعتد بها في مصر في العقد القادم (أي فترة التسعينيات من القرن المنصرم)، لكنها رأت عدم تهديد الجماعة لحكم الرئيس محمد حسني مبارك، حينما كان في سدة الحكم آنذاك.
وذكرت الوثيقة أن الجماعة سعت إلى تكوين دولة إسلامية محافظة في مصر، لإنهاء النفوذ الغربي وتطبيق الشريعة الإسلامية، وفق معتقداتها الخاصة.
وأوضحت أن الجماعة سعت لذلك، عبر استراتيجية تدريجية في التغيير لتحقيق أهدافها، بعد سنوات من التشدد الذي لم يحقق أي نجاح، خلال السبعينيات من القرن المنصرم.
كما قدمت الوثيقة تقييمًا للمرشحين لمنصب المرشد العام للجماعة، قائلة إنه على الرغم من أن المرشح الجديد لمنصب المرشد العام للإخوان يجنح إلى فكرة المواجهة مع الحكومة، فإن الإخوان لن تغير أساليبها المعتدلة بشكل جذري (على حد وصفها).
وتابعت أن جماعة الإخوان تستفيد بشكل رئيسي من استقرار الحكومة المصرية (آنذاك) من منطلق كونها تتعاون مع الحكومة في إطار المنافسة على قيادة الحركة الأصولية الإسلامية وانتزاع تلك القيادة من جماعات أكثر تطرفا على الرغم من الصفة غير الشرعية للجماعة.
ورجحت الوثيقة (الصادرة عام 1986)، «أن الحكومة المصرية لن تتخذ إجراءات صارمة ضد جماعة الإخوان ما لم تجنح الجماعة إلى الصدام أو تكسب الكثير من القوة والنفوذ»، متوقعة حينها ألا تمنح الحكومة الإخوان صفة قانونية للحافظ على نفوذها ضد الجماعة.
تمويل الإخوان وكشفت الوثيقة المصادر الرئيسية لتمويل جماعة الإخوان (في فترة صدور الوثيقة)، التي تمثل القوة الرئيسية للإخوان، والتي ستجعل الجماعة قادرة على تجاوز الشعبية للجماعات الإسلامية الأكثر تطرفًا في مصر في فترة الثمانينيات.
وتمثل التمويل بشكل رئيسي في المشاريع التجارية التي يملكها أعضاء الجماعة التي تعددت مجالاتها وتنوعت بين مجالات العقارات والمعاملات المالية، والتصنيع، والتجارة والخدمات.
كما أشارت الوثيقة إلى اعتماد جماعة الإخوان في تمويلها على تبرعات المتعاطفين معها في دول الخليج العربي وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.
أهداف جماعة الإخوان
وذكرت الوثيقة، أن جماعة الإخوان تستمد هدفها طويل الأمد لإقامة دولة إسلامية في مصر من تصور حسن البنا لطبيعة المجتمع المسلم القائم على التخلص من «أراذل» العالم الحديث: الإمبريالية والربا وتقليد الغرب والقوانين الوضعية، ولذلك لجأ البنا إلى هذه السياسة لتحقيق أهدافها.
ومن أبرز أهداف جماعة الإخوان وفق ما نقلته الوثيقة، إقامة حكومة إسلامية وفق الشريعة الإسلامية (كما تفهمها جماعة الإخوان)، تقوم على أساس الشورى بين أولي الامر وأهل الحل والعقد من العلماء (علماء الدين)، الذين يكونون بمثابة الرقيب على السلطة التنفيذية والقضائية التي ستقضي بمقتضيات الشريعة.
كما تسعى جماعة الإخوان إلى إقامة نظام إﻗﺘﺼﺎدي ﻳقوم على ﺘﻘﺎﺳﻢ المال ويحرم الربا، ليكون العصب الرئيسي فيها الزكاة التي ستحل محل ضرائب الدخل، كما تسعى لإنشاء نظام اجتماعي يفصل بشكل صارم بين الرجال والنساء في المؤسسات التعليمية وفي جميع التجمعات العامة، وبمجرد الوصول إلى السلطة، فإن جماعة الإخوان ستحظر وسائل منع الحمل والقوانين واللوائح التي تعزز من تحرير أوضاع المرأة التي تعتبرها الجماعة جزءا من مؤامرة غربية لتدمير المجتمع الإسلامي.
تحديات الإخوان
عددت الوثيقة المشكلات التي قد تواجه جماعة الإخوان في الفترة التي صدرت فيها الوثيقة، وأهمها الانشقاقات الداخلية والأيديولوجيات المختلفة، معتبرة أن التيار الأقرب للاعتدال للقيادة الحالية للجماعة (1986) عن انتشار تيارات فكرية مختلفة في الجماعة يمكن أن تسيطر حين يبدأ فالأخوان عملية اختيار مرشد عام جديد.
ولفتت إلى أن جماعة الإخوان استطاعت بناء شبكة أصولية من خلال استقطاب المعلمين والطلاب والصحفيين وغيرهم من المهنيين ورجال الأعمال في حين عجزت عن تحقيق نجاح يذكر في استقطاب الكثير من أبناء الطبقات الدنيا أو القوات المسلحة.
إلا أن الوثيقة رجحت أن تسهم المشاكل الاقتصادية المتنامية في مصر في ازدياد جاذبية رؤية الإخوان القائمة على إنشاء دولة إسلامية تتصف بالعدل.
وأكدت أن انخفاض الإيرادات من النفط والسياحة والتحويلات المالية من العاملون بالخارج (في فترة كتابة الوثيقة)، تؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة كما تزيد عودة العمالة من الخارج من أعداد المتعلمين الذين يشعرون بالإحباطبسبب نقص فرص العمل، ما يسهل من مهمة الإخوان في عملية الاستقطاب.
ورأت أنه على الرغم من وجود تعاون بين الحكومة والجماعة، فإن موقف الجماعة من اتفاقيات كامب ديفيد، ووكالة التنمية الدولية، والاختراق الثقافي الغربي لمصر يجعلها قوة محتملة مناوئة للولايات المتحدة.
كما توقعت الوثيقة أن تزداد قوة جماعة الإخوان مع تزايد وانتشار التيار الديني والنزعة الدينية ما يؤثر بشكل مباشر على درجة تجاوب الدولة مع أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خاصة وأن الجماعة تهدف إلى بناء مجتمع إسلامي أصولي على المدى الطويل عن طريق تقويض النفوذ الغربي وتطبيق الشريعة الإسلامية.
وأوضحت الوثيقة أن جماعة الإخوان تتعاون مع الحكومة المصرية ضد المتطرفين الإسلاميين من الجماعات الأخرى لتعزيز مصالحها التجارية المتنوعة والمربحة والنفوذ إلى النظام التعليمي والنقابات العمالية والمهنية، والاتحادات، والجيش، ومن أهم هذه الأهداف التفوق على
الجماعات الأصولية الإسلامية الأخرى، وكسب شرعية قانونية من الحكومة، وإنشاء شبكة إسلامية أصولية في البلاد.
وأشارت إلى استخدام الجماعة على مدى العقد الماضي (فترة السبعينيات)، أساليب أكثر اعتدالًا مقارنة بغيرها من الجماعات، بسبب فشل سياساتها السابقة في المواجهة التي لم تجلب لها إلا القمع والتعسف والسجن، ما دفع قيادات الجماعة في سلسلة من الاجتماعات لتقرير سياسة التعايش مع حُكْم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
وأشارت الوثيقة إلى أن جماعة الإخوان شكلت تحالفًا غير رسمي مع الحكومة المصرية، عندما استطاعت (على ما يبدو) أن تقنع كبار المسؤولين الحكوميين، أن الإخوان وحدها القادرة على منع تمدد التطرق الإسلاموي في مصر، وأيضا تنقية الحركة الإسلامية من الشباب المتطرف الذي يشوه صورة الإسلام ويقسم المسلمين.
وأوضحت أن جماعة الإخوان استطاعت هزيمة الراديكاليين في ديسمبر 1985، عندما فاز مرشحيهم بأغلبية مقاعد الاتحادات الطلابية في انتخابات جامعة القاهرة.
كما تعاون الإخوان مع السلطات في محافظة الإسكندرية في أغسطس 1985، لمواجهة الإشاعات الإسلامية التي كانت تحاول تسييس خطب عيد الأضحى المبارك، والتي انتهت عقب مناقشات بين الحكومة ومرشد الإخوان عمر التلمساني، بالسماح للجماعة بإمامة المصلين في مصليات العيد، مقابل سعي الجماعة للتصدي والسيطرة على المتطرفين ومنعهم من الخطابة.
وتقيم الوثيقة التعاون بين الإخوان والحكومة بأنه نوع من تزاوج المصالح؛ إذ يأمل الإخوان في استخدام هذا التحالف لاستعادة بعض شعبيتهم المتضائلة بين الأصوليين الأصغر سنا من خلال إظهار نفوذاً أكثر من المتطرفين الإسلاميين الآخرين نتيجة لصلاتها بمؤسسات الدولة.
كما يعتقد قادة الإخوان أن هذا التعاون سيساعد الجماعة في الحصول على شرعية قانونية، في حين يرى نظام الرئيس مبارك أن التحالف مع الإخوان ﻔرﺻﺔ للتصدي للمتطرفين دون أن تظهر الحكومة في المشهد.
البحث عن شرعية
حاولت جماعة اﻹﺧوان اﻟﺗﻔﺎوض ﻣﻊ ﺣﮐوﻣﺔ ﻣﺑﺎرك للحصول على شرعية ﻘﺎﻧوﻧية خلال السنوات الأولى من العقد الثامن من القرن العشرين؛ فأظهر الأخوان رغبتهم في التوصل إلى اتفاق في مايو 1985، وخففوا من حدة احتجاجهم على تقليص مناقشة مجلس الشعب حول مواد مرتبطة بالشريعة الإسلامية إلى ساعتين فقط، كما نقل التقرير عن السفارة الأمريكية في مصر، إذ أظهر الإخوان كثيرا من التسامح تجاه بطء مراجعة الحكومة للقوانين المصرية الحالية لضمان توافقها مع الشريعة.
وكشفت الوثيقة أن جماعة الإخوان ضغطت للحصول على تقنين أوضاعها، فادعت أنها ستحل جناحها المسلح السري بداية من أغسطس 1984 ، في حين حافظ الأصوليين والتيار المتشدد داخل الجماعة على قوة عسكرية عالية في تحد مع الحكومة وتعليمات القيادة.
وذكرت الوثيقة أن الحكومة اشترطت على الجماعة لتقنين أوضاعها، البعد عن العمل بالسياسة، وإعادة النظر في تحالفها مع حزب الوفد الجديد المعارض، والتوقف عن الاحتجاج على اتفاقيات كامب ديفيد.
التحالف مع حزب الوفد الجديد
وأشارت الوثيقة إلى أن جماعة الإخوان شكلت تحالفًا مع حزب الوفد الجديد المعارض في عام 1984 لزيادة قوتها السياسية والحصول على تمثيل برلماني يصل بها إلى قدر أكبر من الشرعية، في حين نقلت الوثيقة مقولة لبرلماني إخواني: إن حزب الوفد الجديد وافق على التحالف لتوسيع دائرة الناخبين من خلال استغلال الدعم الشعبي لجماعة الإخوان، وهو ما تم بالفعل فحصل الإخوان على ثمانية من المقاعد الـ 58 التي فاز بها حزب الوفد الجديد في الانتخابات البرلمانية في مايو 1984.
استقطاب إخوان جدد
في سنواتها الأولى اجتذبت جماعة الإخوان أعضاء من شرائح مختلفة من المجتمع (البيروقراطيين، والموظفون، والطلاب، والعمال، والتجار)، إلا أنه في الفترة الأخيرة أصبح التيار الأكثر انتشارا في الجماعة هم كبار السن وأكثرهم من الطبقة المتوسطة، ولذلك تحاول جماعة الإخوان استقطاب أعضاء شباب وموظفين عسكريين وطلاب.
ويعتقد بعض الإخوان أن موقف مبارك الصارم ضد الأصوليين المتطرفين الشباب سيجعل الجماعة أكثر جاذبية لأن المتعاطفين الأصوليين سيكونون أقل خوفا من أن يُلقى بهم في السجن أو يتعرضون للمضايقة إذا انضموا إلى جماعة الإخوان، ما يسهم في تحقيق الإخوان نجاحات في اختراق العديد من المؤسسات الرسمية والنقابات.
وتقول الوثيقة إن جماعة الإخوان كان شغلها الشاغل أن تعمل على إلحاق ابنائها بالجيش المصري؛ إلا أن الجماعة لم تحصل على بغيتها من أعضاء في القوات المسلحة، خاصة مع الرقابة الامنية والتحريات الشديدة للاستخبارات والأجهزة الأمنية، ومراقبة الأنشطة الدينية في المناطق العسكرية عن كثب