سياسات فرنسا الاستباقية لمكافحة الإرهاب.. ما بين الفعالية وإساءة الاستخدام
الخميس 16/أغسطس/2018 - 07:40 م
طباعة
محمود رشدي
فرنسا واحدة من الدول التي عانت من حدة الهجمات الإرهابية على أراضيها طوال الثلاثة أعوام الماضية؛ التي استهدفها تنظيم داعش بكثافة، ووضعت بشأنها عدة تدابير للحد من الإرهاب بجانب التدابير الأمنية والاستخباراتية، وتدابير أخرى استباقية معتمد بشكل كبير على الحدث الأمنى وتسمى هذه التدابير بـ«التدابير الاستباقية».
وتتركز السياسة الاستباقية على مواجهة المقاتلين الأجانب لما يمثله هؤلاء من خطر جسيم بعد سقوط داعش في العراق وسوريا، أواخر أكتوبر عام 2017، وشكلت التدابير الاستباقية جدلًا أثار مخاوف عديدة فيما يتعلق بضمانات الإجراءات القانونية وحقوق الإنسان بشكل عام.
ويشير مصطلح «التدابير الاستباقية» (الذي يُستخدم بشكل متزايد ضد المقاتلين الأجانب)، إلى «تدابير ذات طابع وقائي، تهدف إلى منع أو تعطيل الإرهاب داخل إقليم دولة ما، وتتمثل السمة الرئيسية لهذه التدابير في أن يتم البت فيها واستخدامها من قبل السلطة التنفيذية وتخضع لمراجعة قضائية محدودة».
وسنت فرنسا، في السنوات الأخيرة، عددًا من القوانين تنص على مثل هذه التدابير؛ ففي نوفمبر من العام 2014، أقرت وزارة الداخلية الفرنسية فرض حظر سفر أو دخول لبعض الأشخاص الفرنسيين، الذين يشكلون تهديدًا للسلم والأمن المحليين، وفي نوفمبر من العام 2015 منحت السلطات الداخلية تفويضًا موسعًا ليتمتع وزير الداخلية بسلطة وضع بعض الأشخاص تحت الإقامة الجبرية، ومنذ يونيو عام 2016، أصبح بإمكان وزير الداخلية فرض بعض الضوابط الأمنية على العائدين، ومن الناحية العملية، تم القيام بأكثر من 3000 عملية تفتيش بدون إذن قضائي، و500 قرار اعتقال، وحوالي 300 قرار سفر.
بديل للملاحقة الجنائية
أحد الأسباب التي دفعت فرنسا، وبلدان أخرى إلى اتخاذ مثل تلك التدابير، هو أن تطبيقها يؤدي إلى احتمالية منع وقوع أي عمل إرهابي، وأحيانًا ينظر إليها على أنها بديل للملاحقات الجنائية، وفي بعض الحالات يمكن أن تشكل تلك التدابير بديلًا معقولًا للملاحقة الجنائية. فعلى سبيل المثال، قد يكون فرض حظر السفر حلًا أفضل من مقاضاة شخص ما لمحاولته السفر إلى سوريا.
التدابير الاستباقية وأزمة حقوق الإنسان
وفي حالات أخرى، يتم استخدام هذه التدابير للتحايل على القيود الإجرائية للمحاكمات الجنائية والهروب من القيود القضائية من ناحية، ومن ناحية أخرى، تشكل أزمة كبرى ضد حقوق الإنسان، إذ إن مجرد الشك والريبة قد يضع بعض الأفراد تحت الإقامة الجبرية، وقد يدفع رجال الشرطة للقبض على شخص معين دون أية دلائل واضحة للتشكيك في هويته، واستحضار السياسة الممنهجة الأمريكية التي تستخدمها ضد المواطنين ذوي البشرة السوداء (الأفارقة الأمريكان)، وهو ما يُسمى بـ«سياسة مذنب بالمظهر» أو «guilt by appearance».
ولاقت الظروف التي طبقت فيها حالة الطوارئ، وغيرها من التدابير الإدارية، من الناحية العملية انتقادات كبيرة من مختلف مؤسسات حقوق الإنسان لأنها مفرطة وغير متناسبة، وتؤثر على حرية التنقل والحق في الحياة الخاصة والأسرية؛ إذ إن مثل تلك التدابير تقيد حرية التنقل للأشخاص الذين يخضعون للإقامة الجبرية بسبب الالتزام بالبقاء ضمن نطاق محدود، إضافة إلى الخضوع لمتطلبات صارمة للإبلاغ، التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الحياة الخاصة والعائلية، وفي أحد الأمثلة، كان على أم واحدة لثلاثة أطفال أن تحضر ثلاث مرات يوميًا لقسم الشرطة للإيفاد ببعض المعلومات الخاصة بها وعن تحركاتها، الأمر الذى أثر على رعايتها لأطفالها.
رأي المنظمات الحقوقية العالمية
وأكدت منظمة العفو الدولية، أن الأفراد الخاضعين لتدابير استباقية يمكن أن يغيروا حياتهم بالكامل، ومن الأمثلة الأخرى على تأثير الاعتقالات المنزلية بشكل سلبي، هؤلاء الأفراد الذين يفقدون وظائفهم، أو يصبحون غير قادرين على متابعة دراستهم، الأمر الذي يدفع بعضهم لطلب اللجوء لبلدان أخرى.
وفي الختام، من الضروري أن يقوم واضعو السياسات بمزيد من النظر في قضايا حقوق الإنسان في تطبيق التدابير الإدارية للعائدين من الخارج، ووضع المزيد من الإجراءات لضمان عدم تأثر الحريات الشخصية لهؤلاء الأشخاص بمزيد من التأثر بما يفقدهم القدرة على مواصلة حياتهم.