لماذا تدعم أمريكا الميليشيات الصوفية الصومالية؟

الأحد 19/أغسطس/2018 - 08:42 ص
طباعة لماذا تدعم أمريكا محمد الدابولي
 
التقى الشيخ «محمد شاكر»، زعيم تنظيم «أهل السنة والجماعة» ورئيس ولاية «غلمدغ» الصومالية أحد أفراد قيادة أفريكوم (قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا) اليوم من أجل دعم الولاية في محاربة تنظيمي «الشباب وداعش» في الصومال، فضلًا عن إيجاد قاعدة للقوات الخاصة الصومالية «دنب»، المدربة من قبل الولايات المتحدة في عاصمة الولاية طوسمريب، وهو ما يفتح الباب للحديث عن مسألة توجه السياسة الخارجية الأمريكية نحو تسيس الطرق الصوفية وحشدها لمواجهة التنظيمات الراديكالية.

تعود أصول تسيس الصوفية لمواجهة المد الراديكالي إلي مرحلة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث ظهرت العديدُ من المُقاربات الأمنيَّة والفكريَّة؛ لمواجهة ظاهرة التنظيمات الإرهابيَّة الآخذة في الصعود والنمو، ومن أبرز تلك المقاربات التي دونتها مؤسسة «راند» الأمريكية (Think Tank)، عام 2007، أي بعد 6 أعوامٍ على أحداث سبتمبر 2001، وعامٍ واحدٍ على ظهور اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال وحركة «شباب المجاهدين» المتطرفة.

المقاربة صدرت في شكل تقريرٍ تحت مسمى «بناء شبكات الاعتدال الإسلامي»، شارك في صياغته عددٌ من الباحثين المهتمين بالحركات الإسلاموية والإرهاب العالمي. وخلصت المقاربة إلى إمكانية تفكيك الحركات الراديكالية والجماعات الإرهابية عبر إيجاد عددٍ من البدائل، منها دعم التيار الليبرالي في المجتمعات الإسلامية وتدعيم الطرق الصوفية كأحد البدائل المتاحة للتيار الإسلاموي الراديكالي. 

ورأى التقرير أن الطرقَ الصوفيَّةَ هي الأنسب لتكون بديلًا للجماعات المتطرفة، وذلك للعديد من الاعتبارات، أبرزها على الإطلاق معاناة الطرق الصوفية من الهجمات الإرهابية، التي طالت المقدسات الصوفية من مراقد ومساجد، فضلًا عن تكفيرها من قبل الجماعات الراديكاليَّة واعتبارها مبتدعةً ومضللةً.

وأوضح التقرير أن العديد من التجارب السياسيَّة للصوفيَّة، مثل حركة فتح الله غولن في تركيا، تمثل نموذجًا يمكن الاحتذاء به في تسييس الصوفية، ونقل تلك التجربة إلى العديد من الدول التي تشهد صراعات خلفتها الجماعات الإسلاموية الراديكالية مثل «الصومال». 

وشهد الصومال، منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق «سياد بري»، انهيارًا تامًا في مؤسسات الدولة، الأمر الذي حولها إلى بيئة مناسبة لتنامي الحركات والجماعات الإرهابية، ففي عام 2006 ظهر «اتحاد المحاكم الإسلامية» مستوليًا على السلطة والحكم في البلاد، الأمر الذي دق ناقوس الخطر ليس في دول القرن الأفريقي فحسب، بل في جميع دول العالم، نظرًا للتقارب المنهجي الشديد بين «اتحاد المحاكم» وتنظيم «القاعدة»، ما استدعى تدخلًا إقليميًّا، بقيادة إثيوبيا، ودعمًا دوليًّا بقيادة الولايات المتحدة، لإسقاط حكم «المحاكم الإسلامية» وذراعها العسكريَّة «حركة شباب المجاهدين»، التي برز دورها بشكل أكبر بعد سقوط «اتحاد المحاكم».

مقاربة مؤسسة «راند» حول إمكانية أن تكون الحركات الصوفية بديلًا للجماعات الراديكالية المتطرفة ظهرت بوضوح في التجربة الصومالية، فمن أبرز الأدوات التي انتهجتها في محاربة «شباب المجاهدين» هي تحقيق التوظيف السياسي والعسكري للطرق الصوفية الصومالية في مواجهة الإرهاب.

وفي عام 2008، تم تأسيس تنظيم «أهل السنة والجماعة»، على خلفية قيام حركة «الشباب» بهدم الأضرحة والمزارات الصوفيَّة في منطقة وسط الصومال، الأمر الذي استدعى استنفار الطرق الصوفية وتأطيرها، لأول مرة في العصر الحديث، في إطار ميليشيا مسلحة تحت مسمى «أهل السنة والجماعة».

وفي فترة وجيزة، نجحت جماعة «أهل السنة» في تحرير مناطق وسط الصومال من قبضة مقاتلي «شباب المجاهدين» بعد معركة «جوارسيل» ودفعهم جنوبًا باتجاه إقليم «جوبالاند» على الحدود الكينيَّة الصوماليَّة، ما دفع الحكومة الفيدراليَّة في مقديشو إلى تشكيل وحدات إدارية من الجماعة لإدارة المناطق المحررة.


وبعيدًا عن الصراعات السياسيَّة والحروب التي خاضتها جماعة «أهل السنة» مع الحكومة الفيدراليَّة (2015: 2018) حول السيطرة السياسيَّة على مناطق وسط الصومال، فإن «أهل السنة» حظيت بتأييدٍ إقليميٍ ودوليٍ واسعِ المدى، وهذا التأييد أتى في إطار المقاربة الأمريكية لإحلال الطرق الصوفية (المعتدلة) محل الجماعات والتنظيمات المتطرفة في منطقة القرن الأفريقي. 

وقد حظيت «أهل السنة والجماعة» بدعم أمريكي مباشر وغير مباشر، ففور ظهورها تلقت الجماعة دعمًا إثيوبيًّا واسع المدي، حيث قال وزير الاتصالات الإثيوبي السابق، بيريكيت سيمون، إن بلاده سمحت للجماعة باستخدام أراضيها من أجل محاربة حركة «الشباب»، وفي المقابل شكلت الجماعة رأس حربة إثيوبية في ردع «شباب المجاهدين» ودفعها بعيدًا عن الحدود الإثيوبية الصومالية، ويأتي الدعم الإثيوبي كدعم غير مباشر من الإدارة الأمريكية.

ويأتي الدعم الأمريكي الأخير لتأكيد شرعية جماعة «أهل السنة والجماعة» في السيطرة سياسيًّا على مناطق وسط الصومال، إضافة إلى اعتراف الولايات المتحدة بالجماعة كلاعب إقليمي مهم في مواجهة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، وقد يأتي اللقاء كنوع من دفع الجماعة للتوسع خارج وسط الصومال بالتوغل جنوبًا باتجاه ولاية جوبالاند، التي تشهد نشاطًا كبيرًا لحركة «شباب المجاهدين».

وأخيرًا، فإن نجاح تجربة «أهل السنة والجماعة» قد يدفع دول العالم إلى مزيدٍ من تجنيد الطرق الصوفية لمواجهة التنظيمات الراديكالية المتطرفة، إلا أنه يجب الانتباه إلى أن تجربة الجماعة لديها العديد من السلبيات، أبرزها حالة الاقتتال التي نشبت بين قواتها وقوات الحكومة الفيدرالية من أجل السيطرة على مناطق وسط الصومال.

شارك