الفئة «إس» تُعيد إرهاب «داعش» إلى باريس (تقرير)
السبت 25/أغسطس/2018 - 08:40 ص
طباعة
محمود محمدي
بثت ما تُعرف بمؤسسة «الفرقان» الإرهابية، كلمة صوتية لـ«أبوبكر البغدادي»، زعيم تنظيم «داعش»، في أول تسجيل صوتي له منذ قرابة عام، دعا فيها من سمَّاهم بـ«أنصار الخلافة»، إلى مواصلة القتال في العراق وسوريا ومناطق أخرى، واستهداف الدول الغربية بالعبوات الناسفة والتفجيرات والدهس، مطالبًا على وجه التحديد بقتل من وصفهم بالعلمانيين والليبراليين والملحدين والمرتدين في بلادهم.
وبعد ساعات قليلة من الخطاب التحريضي، الذي ألقاه «البغدادي»، نَفَّذ أحد مناصري التنظيم، عملية طعن إرهابية في إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، صباح أمس الخميس، أودت بحياة شخصين وإصابة آخر.
في الوقت الذي أفادت فيه الشرطة الفرنسية بمقتل المهاجم، أعلن «داعش» في بيان له عبر وكالته «أعماق»، مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي، مشيرًا إلى أن الهجوم جاء استجابة لنداءات استهداف رعايا الدول الأجنبية.
للمزيد.. وزير الداخلية الفرنسي: مرتكب حادث باريس قتل أمه وأخته
وتُعتبر فرنسا أكثر دول القارة العجوز استهدافًا من قِبَلِ هذا التنظيم؛ حيث تعرضت خلال الأعوام القليلة الماضية لعشرات العمليات الإرهابية، ما أسفر عن سقوط العديد من الضحايا، وتأتي عملية الطعن بباريس، في إطار سلسلة من العمليات الإرهابية التي ينفذها التنظيم في أوروبا، والتي كان أشدها في منتصف نوفمبر بباريس عام 2015، والتي تُعرف بـ«اعتداءات باريس»؛ حيث شملت عمليات إطلاق نار جماعي وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن، وهي الأكثر دموية في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل 130 شخصًا، وجرح 368 آخرين.
معضلة الفئة «إس»
وفي دراسة أعدتها وحدة الرصد باللغة الفرنسية، التابعة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أشارت إلى أن معظم مرتكبي الأحداثِ الإرهابيةِ الدّاميةِ التي ضَرَبَتْ فَرَنْسا في الآونة الأخيرة، ممَّنْ أدرجتهم السلطاتُ الفَرَنْسية على قائمةِ المصنفينَ «إس، S»، الأمر الذي يوحي بخطورةِ هذا المَلَفّ وضرورةِ التصدي له.
وأوضح المرصد، أن وزارة الداخلية الفرنسية تمتلك ملفًا يُعرف باسمِ المصنفينَ «إس» (الحرف S يرمز لكلمة أمن بالفرنسية)، تُجَمِّعُ فيه الوزارة كلَّ المعلومات عن أي شخص يُشتبه بأنه «يُشكل خطرًا على الأمن العام الفرنسي» كالأشخاص المتطرفين، حتى الأشخاص الذين يشكلون خطرًا من اليساريين واليمينيين المتطرفين، إضافة إلى الأشخاص الذين يتم تقييمهم على أنهم يُشَكِّلونَ «تهديدًا إرهابيًّا»، والذين تَمَّ تسجيلهم في سجلاتِ بلاغاتِ الوقايةِ من التطرف الإرهابي (FSPRT)، والذين بلغ عددُهُم في فرنسا نحو عشرين ألف مشتبه به.
للمزيد.. استجابة لتحريض «البغدادي».. «داعش» يُعلن مسؤوليته عن هجوم باريس
ولفتت الدراسة إلى أن هذا الملف يضمُّ أشخاصًا يمثلون تهديدًا بدرجات متفاوتة، تنتهي بالأشخاص الذين يدعمون التنظيمَ أو من خلال اتصالهم به عن طريقِ السفر أو العزم على السفر إلى المناطقِ التي يفرِضُ سيطرته عليها، ويتِمُّ تحديثُ القوائم باستمرار من خلال ما تُبَلِّغُ عنهُ الأجهزةُ الأمنيةُ أو عَبْرَ الخط المجاني الساخن الذي خصصته وزارةُ الداخلية منذ أبريل 2014.
مستويات الخطورة
كشف المرصد، أن الداخلية الفرنسية حددت مستويات عدة من المصنفين «إس»؛ لضمانِ تَعَقُّبِ الأشخاص وفقًا لدرجة خطورتِهِم؛ حيثُ تتراوحُ درجاتُ الخطورة من 1 إلى 16، لكنَّ المُعْضِلَةَ تَكْمُنُ هنا في أنه بعد إدراج اسم المشتبه به في هذا الملف، يبقى لمدة خمس سنوات على هذه القائمة، لكن قد لا تَتِمُّ مراقبتُهُ بشكلٍ نشطٍ خلال تلك الفترة.
على صعيد متصل، قال رئيسُ الوزراءِ الفرنسي «إدوار فيليب»، عن المصنفينَ «إس»: إن «طردهم جميعًا، أو سجنهم جميعًا، يُعَدُّ تجاهلًا كبيرًا لأدواتنا الاستخباراتية».
من جانبه، دعا عمدة بلدية بيزييه «روبير مينار»، إلى اتخاذِ تدابير أكثر حسمًا، قائلًا: «من بينِ المصنفينَ (إس)، هناك أجانب ومزدوجو الجنسية وفرنسيون، والقانونُ الفَرَنْسي لا يتعاملُ بنفس الطريقة مع الأصناف الثلاثة، وأعتقد أنه في حالة تصنيف الشخص الأجنبي بـ(إس)، فمن الطبيعي ألا يتعين عليه البقاء على الأراضي الفرنسية، وهذا هو الحل الأمثل».
تقصير فرنسي
في حادث الطعن الذي شهدته العاصمة الفرنسية أمس الخميس، وبعد دقائق من مقتل الجاني، أعلنت الشرطة أن القاتل لديه ميول إرهابية، وأنه مدرج في ملف المصنفين «إس»، أي مسجل خطر على الأمن القومي الفرنسي، وهو الأمر الذي يؤكد أن هناك تقصيرًا أمنيًّا في تعامل حكومة «إدوار فيليب» في التعامل مع هذا الملف.
للمزيد.. بعد ساعات من تحريض «البغدادي».. مقتل وإصابة 3 أشخاص في هجوم بسكين بباريس
وفي الوقت الذي يعتمد فيه تنظيم «داعش» على شبكاتٍ من الأفرادِ والخلايا الأقل ظهورًا، والتي تعمل بدرجة معينة من الاستقلالية، تزداد المطالب على الشرطة الفرنسية بأن تستفيد من القوائم «إس»، وتتعامل بطرق جديدة مع هؤلاء المتطرفين.
وفي هذا الصدد، أوضح مرصد الأزهر، أن هناك العديد من التساؤلات في الداخل الفرنسي، بشأن المعايير المعتبرة لإدراج أي شخص مشتبه به على القائمة «إس»؟ وما وجه الاستفادة من هذه القوائم بعد ذلك؟ وهل التعامل مع المصنفين «إس» يكون بالطرد أم بإعادة الاندماج من خلال تفعيل دور المؤسسات الدينية والتربوية والاجتماعية؟
فيما يرى محللون ومتابعون، أن الموارد المطلوبة لمراقبة المشتبه بهم على مدار الساعة كبيرة جدًّا؛ حيثُ إنَّ مراقبةَ مشتبه به واحد تتطلب 20 شرطيًّا، وأنه على السلطات الفرنسية اعتراض الهواتف وشبكات التواصل لتجنب المخاطر الكبيرة، وأن تكون المراقبة باستخدام التقنيات الذكية، إضافة إلى اتخاذ تدابير تشريعية جديدة لضمان تجريم هؤلاء الأشخاص المصنفين «إس».