دماء على ملابس الإحرام.. الانتحار أمام الكعبة بين الدين والتحليل النفسي

السبت 25/أغسطس/2018 - 08:42 ص
طباعة دماء على ملابس الإحرام.. أحمد عادل
 
روي عن أبي هريرة أنه قال: سمعت رسول الله يقول: «منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ» متفق عليه، فالحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام يؤديه من استطاع إليه سبيلًا.

وهناك أمام الكعبة الشريفة تختلط المشاعر في القلوب وتتضاءل الدنيا في النفوس، بل وأحيانًا تفقد الحياة ذاتها قيمتها في عيون من تهفو روحه للالتقاء بربه، فيدفعه ذلك الإحساس بتلاشي الحد الفاصل بين حلال الله وحرامه في تحقيق أمنيته بلقاء ربه في هذا المكان المقدس، فيبذل روحه انتحارًا؛ اعتقادًا منه أنه بذلك قد ينال الجنة.

وهو ما أثاره الحادث الأليم الذي وقع اليوم، الجمعة 24 أغسطس 2018 في الحرم المكي؛ حيث أقدم حاج عراقي يدعى حسين الحيدي بالعقد الخامس من العمر- كما ذكرت وسائل الإعلام السعودية- على إلقاء نفسه من الطابق العلوي للطواف ليسقط صريعًا في صحن الحرم المكي، ويلقى حتفه في الحال بمجرد ارتطام جسده برخام الصحن الشريف. 

والمثير في هذا الحادث أنه لم يكن الأول من نوعه في موسم الحج، ما دفع المرجع لاستجلاء الدوافع والمعتقدات والأسباب وراء تكراره من أناس يفترض فيهم أنهم أبعد ما يكونوا عن الإقدام على الانتحار، ولكن قبل الكشف عن أسباب تكرار الانتحار في الحرم المكي، نستعرض بعض الحالات وأبرزها في السنوات الأخيرة.

في يونيو 2018، قفز معتمر آسيوي من أعلى الطابق العلوي للطواف- متعمدًا الانتحار- ليسقط صريعًا في صحن الحرم المكي.
وفي فبراير2017، سكب مواطن سعودي البنزين على نفسه في الحرم المكي محاولًا الانتحار، لكن تدخل أمن الحرم في اللحظات الأخير وحالوا دون إشعاله النار في جسده، لتترك الواقعة أثرًا سيئًا في نفوس كل من عايشها بنفسه. 
وفي يوليو 2016، وأقدم معتمر يمني - فى العقد الثالث من عمره- على الانتحار بالقفز من الطابق الثاني للمسعى.

وفي يونيو 2015، وبطريقة القفز ذاتها، انتحر حاج آسيوي يبلغ من العمر 35 عامًا، بإلقاء نفسه من أعلى الحاجز الزجاجي للشرفة الخاصة برواق الحرم المكي.

وفي فبراير 2015، أقدمت معتمرة صينية- فى العقد الرابع من عمرها- على الانتحار بالقرب من الكعبة الشريفة بعدما ألقت بنفسها من طبقة الطواف العلوية.

وفي نوفمبر 2011، حاول حاج سوري الانتحار، بالقفز من سطح المسعى الشريف المطل على الساحة الشرقية، إلا أن محاولته باءت بالفشل. 

وفي مارس 2010، شنق أحد موظفي البريد السعودي نفسه في إحدى دورات المياه الكائنة في الجهة الجنوبية من الحرم الشريف.

وشهد العام ذاته إنقاذ قوات الدفاع المدني السعودي شخصًا حاول الانتحار بشنق نفسه فى الدور العاشر من برج زمزم.

وفي سبتمبر 2008، أقدم معتمر باكستاني على الانتحار بإلقاء نفسه من أعلى طابق الطواف ليسقط مضرجًا في دمائه على صحن الحرم المكي الشريف. 

الأسباب والدوافع والجانب النفسي

كان لا بد بعد تكرار الانتحار في الحرم المكي الشريف، أو على الأقل محاولة الانتحار، أن نتوصل للأسباب والدوافع النفسية التي يبدو أن لها دورًا لا يُهمل عند تناول تلك الواقعة المتكررة بشكل لافت ومثير للقلق، التي يرجعها الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة إلى الاضطراب الشخصي والسلوكي للمنتحر، ما يعزز بداخله الرغبة الشديدة للتخلص من حياته، فالمنتحر بداخله قناعة مشاكلهتامة بأن حل  كلها يتلخص في إنهاء حياته بنفسه. 

وفي تصريح أدلى به للمرجع، فسر أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، حالة الانتحار التي حدثت اليوم في الحرم المكي اليوم، إلى دافع نفسي قد يكون الاكتئاب أو الهم أو ربما الاعتقاد أنه بفعلته هذه في هذا المكان تحديدًا قد يدخل الجنة.

وأوضح «فرويز» أن هناك فارقًا كبيرًا بين الهم والوسواس بـ«الهم»، فالأول حقيقي يدرك المؤمن أنه ابتلاء له من الله، فيصبر ولا يجزع، أما الثاني فمجرد أوهام نفسية تتسلط على الذات فتدمرها تمامًا وتدفع صاحبها للتخلص من حياته بأي طريقة، وأفضل الطرق- كما يرى المنتحر- أن يتخلص من حياته في مكان يحبه أو أمام أشخاص يحبهم، وهو اضطراب نفسي سلوكي خطير، لكنه يفسر الانتحار في الحرم المكي الشريف، ولكن تلك المفاهيم ليست لها أهمية عند بعض الناس.


وفي هذا الصدد أفاد الشيخ محمد البسطويسي، نقيب الأئمة والدعاة أن حكم الدين فى الانتحار بوجه عام حرام شرعًا، وأن المنتحر لا يغسل ولا يصلي عليه.

وأوضح البسطويسي فى تصريح خاص للمرجع أن من الممكن أن يكون ذلك الحاج الذي انتحر اليوم في الحرم المكي يعاني من مرض هو الذي أدى إلى سقوطه ولم ينتحر من الأساس، الله أعلم به، فمن قصد زيارة بيت الله الحرام لا يمكنه التفكير في الانتحار.

وأضاف نقيب الأئمة والدعاة أن فى حالة تعمد الانتحار سنأخذ بقول الله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) بمعنى أنه يتم الرجوع إلى نية المنتحر، وهذه يحددها الله فقط لا كاميرات المراقبة ولا أوراق التحقيقات.

وأكد «البسطويسي» أن المنتحر حكمه «كافر» عند الله، سواء انتحر داخل الحرم أو خارجه أو في مكان في الأرض، فكل الأماكن عند الله سواء والعبرة بالانتحار لا بمكان حدوثه. 

في سياق متصل، أكد الدكتور محمد الشحات الجندى عضو مجمع البحوث الإسلامية، في تصريح للمرجع، أنه إذا كان الانتحار حرامًا بالإجماع، والمقدم عليه «كافر» قولًا واحدًا، فإن حرمته تزداد فى الحج والعمرة وبداخل الحرم المكي تحديدًا.

إلا أنه استدرك قائلًا: «عمومًا، لا يجوز تكفير حالة اليوم فالله أعلم إذا كان هذا الحاج قد انتحر أم سقط، والله وحده أعلى وأعلم بنوايا الناس أجمعين». 

وكشف الجندي أن عددًا كبيرًا من الحجاج الآسيويين بالذات يعتقدون أن الحرم المكي هو أفضل مكان يموتون فيه، وذلك نابع من عدم فهمهم لصحيح الدين. 

للمزيد.. محدثًا إصابة لشخصين.. انتحار حاج عراقي في الحرم المكي

شارك