الرواق الأزهري.. قبلة المتصوفين بـ «الصدفة»
الأحد 26/أغسطس/2018 - 08:41 ص
طباعة
سارة رشاد
العادة جرت على أن زيارة أحدهما لواحد من مقامات آل البيت، سيعقبها -في الغالب- اعتقاد هذا الزائر في الصوفية.
التصور التقليدي ذاك حول كيفية تعرف الأفراد بالتصوف ومن ثم الالتحاق به، يبدو أنه آخذ في التغير؛ إذ ظهر مؤخرًا سبيل جديد لجذب متصوفين جدد، دون الحاجة لزيارة مقام ولي، ويكفي في ذلك أن يستمع أحدهما -ولو بالصدفة- إلى درس علمي عن الصوفية ليبدأ أولى خطواته نحو التصوف.
«الرواق الأزهري»، المشروع العلمي الذي يقيمه الأزهر لتقديم علوم اللغة والشريعة لغير الأزاهرة، أحد هذه السبل؛ إذ يوفر المشروع دروسًا علمية أسبوعية عن الصوفية يقدمها أساتذة من جامعة الأزهر، أبرزهم مستشار شيخ الأزهر الدكتور محمد مهنّا، ومدرس الفقه الشافعي والحديث بالجامع الأزهر الشيخ أحمد الهجين.
للمزيد.. «الرواق».. درع الأزهر ضد التطرف
ويتكون جمهور هذه الدروس من ربات بيوت في عمر الأربعين والخمسين، أو شابات يبحثن عن راحة نفسية أتت بهن إلى ساحة الجامع الأزهر، من بينهن فتاة عشرينية تُدعى أمل، التقى بها «المرجع»؛ لتخبره أنها جاءت إلى الرواق بغرض المعرفة الدينية، لكنها وجدت ما هو أقيم، على حد وصفها، وهو العلم الصوفي.
وأوضحت أن كل معلوماتها عن الصوفية قبل قدومها إلى الرواق كانت تُختصر في كونها موالد (طقس ديني) يحتشد فيه الفقراء للأكل بالمجان، مضيفة: «هذا التصور اختلف تمامًا منذ أن استمعتُ إلى الشيخ محمد مهنّا يشرح التصوف ودرجاته من كتب التراث الصوفي».
ولفتت إلى أن انجذابها للصوفية لم يكن مخططًا له، ولم تسعَ له في يوم، كاشفة أن كل ما حدث وقع من باب الصدفة، وهي تعتبره رزقًا من الله إليها.
«أمل» ليست الوحيدة التي انجذبت للتصوف من الرواق الأزهري، فإلى جوارها جلست «فاتن» (45 عامًا) التي قالت إنها عرفت التصوف قبل ثلاثة أشهر فقط، مشيرة إلى أنه الأفضل لها على الإطلاق.
وتروي أنها بعدما انتهت من تزويج أبنائها الثلاثة، قررت التفرغ لدينها، فذهبت إلى الرواق الأزهري كمحاولة لدراسة العلوم الشرعية، وبما أن الالتحاق بجامعة الأزهر لم يكن متاحًا لها، قررت الانتساب للأزهر عبر الرواق، وهناك استمعت إلى شيخ أزهري بدأ حديثه كوليِ صوفي، يقول: «التصوف علم إصلاح القلوب، وإفرادها لله عما سواه».
تصوف الرواق وتصوف الموالد.. مضامين مختلفة
يبدو بذلك الرواق الأزهري مصدرًا للتعرف على الصوفية، بخلاف الموالد التي تعتبر مظاهرة صوفية يحتشد فيها الآلاف من المحبين والمُريدين حول ضريح ولي أو أحد من المنحدرين عن البيت النبوي.
وإن كانت الموالد تُعرف كمظهر لـ«التدين الشعبي»، الذي يكتفي فيه الصوفي بحبٍّ غير مبرر يحمله تجاه ولي أو رجل صالح فيقطع لزيارته المسافات، فالصوفية المقدمة في جنبات الأزهر تقوم على شرح معنى التصوف ودرجاته عبر عرض كُتب تتناول أهم قضاياه، فيما يعرف بـ«التصوف المتشرّع».
و«التصوف المتشرّع»، يعني التصوف القائم على الشريعة الإسلامية الرافض لكل ما لا ينسب لها، وهو بذلك عكس تصوف الموالد الذي يتعامل فيه المُريدون بفطرتهم للدرجة التي تجعلهم قد يقومون بأفعال منافية للدين.
بدوره، انتقد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، في تصريح سابق لـ«المرجع»، حال التصوف غير العلمي ويَقْصِد به التصوف الطرقي، إذ قال: «بعض مشايخ الطرق غير عارفين بالشريعة وأبسط أمورها».
وحمّل المسئولية لمشايخ الطرق، معتبرًا أن منظومة الصوفية بشكل عام في مصر أصابها خلل.
ويمثل التصوف المتشرّع الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، وشيخ الطريقة الصدّيقية الشاذلية، إضافة إلى الدكتور محمد مهنّا، مستشار شيخ الأزهر، والدكتور عمرو الورداني، مدير التدريب بدار الإفتاء، وأحد الدعاة الجدد للصوفية.
فيما تتبناه وزارة الأوقاف المصرية؛ ففي الثامن من يوليو الماضي، اجتمع ممثل الوزارة بالإسكندرية بممثل الطرق الصوفية بالمحافظة، لينتهوا إلى ما أسموه «خطة دعوية لإحياء التصوف المعتدل».
للمزيد.. «التصوُّف المعتدل».. رؤية وسطية تتبناها «الأوقاف» في مصر
والرواق هو البذور الأولى لجامع الأزهر، إذ كان في نشأته عبارة عن ساحة ينزل بها الوافدون للحصول على العلم، مع توفير أسباب الحياة من مأكل ومشرب ومكان للنوم.
وبالتدريج تحول الأزهر إلى جامعة، ليعود في الأعوام الأخيرة إلى فكرته الأولى؛ وهي توفير العلم الشرعي للعامة دون الحاجة إلى إلزامهم بالالتحاق بكليات الجامعة، والهدف من ذلك هو توفير العلم لغير الأزاهرة.
ويُشرف على الرواق الدكتور الصوفي محمد مهنّا، الذي أسهم في افتتاح أروقة للأزهر في أماكن بخلاف العاصمة، بداية من الإسكندرية وحتى أسوان.