«آرهوس».. نموذج للتعامل مع العائدين من سوريا
الأحد 26/أغسطس/2018 - 08:45 ص
طباعة
المرجع
اتخذت الدنمارك مسلكًا مختلفًا في التعامل مع مواطنيها العائدين من سوريا، على عكس دول أوروبية أخرى اعتبرتهم مجرمين، وأطلقت السلطات الدنماركية برنامجًا متخصصًا لهؤلاء يدعى «نموذج آرهوس» لإعادة دمج العائدين مرة أخرى في المجتمع الدنماركي عام 2014.
وفي مدينة آرهوس، ثاني كبرى المدن الدنماركية التي تحتوي على أفقر الأحياء السكنية في الدنمارك، تدير السلطات البرنامج، الذي يتعاون فيه مدرسون ومربون وتربويون وأطباء نفسيون، وقوات الشرطة، وعائلات العائدين، من أجل تقديم المساعدة المطلوبة لإنقاذ الشباب الدنماركي الذي انجرف إلى براثن التشدد في لحظات ضعف مروا بها في حياتهم، وإعطائهم فرصة ثانية.
يقول الدكتور بريبين بيرتلسن أستاذ علم النفس بجامعة آرهوس: «هؤلاء الشباب يواجهون مشكلات مثل أي شخص آخر.. يريدون أن يجدوا مكانًا لهم وسط المجتمع، وأن يدركوا ما حولهم.. شريطة ألَّا يكون الشاب قد تورط في فعل شيء إجرامي، سنساعد هذا الشخص في العثور على طريق العودة».
ويقوم البرنامج على إجراء جلسات حوارية وورشات عمل تساعد هؤلاء الشباب من أجل استعادة السيطرة على مسار حياتهم مرة أخرى، وتشمل هذه الجلسات تقديم المشاورة لهم، وحثهم على التفكير النقدي فيما يتلقون من الآخرين، وتعليمهم المهارات الحياتية والمهنية التي تضمن لهم عيش حياة كريمة.
ويعد نموذج آرهوس من أنجح الاستراتيجيات التي اتبعتها دولة أوروبية في التعامل مع هذه القضية، إذ انخفض عدد من أعلنت السلطات الدنماركية أنهم غادروا البلاد وسافروا إلى سوريا إلى شخص واحد فقط عام 2016، ما دفع دولًا عديدة لمحاولة الاستفادة من هذه التجربة وتطبيقها في بلدانهم.
ولا يوجد عدد دقيق لمن تركوا الدنمارك وذهبوا للمشاركة في الحرب السورية، إلا أن السلطات الدنماركية كانت قد قدرت عددهم بنحو 100 أو 150 شخصًا عام 2015.
وتقمع دول أوروبية العائدين من مواطنيها، إذ قامت بريطانيا باعتقال ما لا يقل عن 60 عائدًا من سوريا، ويواجه ما لا يقل عن 30 من الجهاديين العائدين محاكمات في ألمانيا.
ويقول آلان آرسلف المسؤول عن الجانب الأمني في البرنامج ومدير شرطة مدينة آرهوس: «من السهل أن تصدر قوانين جديدة صارمة، لكن الصعب هو أن تحدث فارقًا حقيقيًا.. المشاركون في نموذج آرهوس تساعدهم لجنة من الخبراء، وتقدم لهم المشورة، والرعاية الصحية، والمساعدة في العودة إلى الحياة اليومية والمجتمع. نحن لا نفعل ذلك انطلاقًا من قناعة سياسية. نحن نفعل ذلك لأنه يحقق نتيجة».
ويعتبر التعامل الحكومي في الدنمارك مع المسلمين- أكبر أقلية دينية في البلاد- من القضايا الحساسة، فقد أثارت رسومًا كاريكاتورية نشرت في مجلة دنماركية عام 2005، موجة غضب عارمة وسط المسلمين في الدنمارك والدول الإسلامية، تلقت على أثرها الدنمارك تهديدات من تنظيم القاعدة بتنفيذ عمليات إرهابية داخل البلاد في ذلك الوقت.
وفعلت السلطات خطوة وقائية في إطار هذا البرنامج، بتوجيه دعوات للمشاركة فيه لمن تظهر عليهم إرهاصات التشدد، على سبيل المثال الولوج إلى مواقع إلكترونية معينة، الميل إلى الانعزال في المدرسة أو الجامعة، قطع العلاقات مع المقربين منهم سواء عائلاتهم أو أصدقائهم.
كما يقول الدكتور بيرتلسن: إن «جميع الدنماركيين الذين ذهبوا في ذروة انتشار ظاهرة السفر إلى سوريا بين 2012 و2013، تتطرفوا بشكل سريع جدًا، وكانت بينهم صفات مشتركة، أغلبهم من الجيل الثاني من المهاجرين الذين واجهوا الرفض والعنصرية، والشعور أنهم عالقون بين ثقافتين وهويتين مختلفتين؛ واحدة في المنزل، وواحدة في الخارج. هؤلاء شباب يبحثون عن إجابات لأسئلة وجوديّة».
وتشرك السلطات أئمة مسجد جريمهويفَي الموجود في مدينة آرهوس، الذي يعد واحدًا من أكثر المساجد إثارة للجدل في أوروبا، ففي عام 2013، غادر 22 من المترددين بانتظام على هذا المسجد إلى سوريا، كما كان لإمامه السابق أسامة السعدي، تصريحات مثيرة للجدل، منها: عدم تحريم ما يفعله «داعش»، واعتباره جزءًا من الإسلام.
وفي 2015، شهدت العاصمة الدنماركية كوبنهاجن هجومين إرهابيين، أسفرا عن مقتل شخصين وإصابة 5 من رجال الشرطة، نفذهما شاب في العشرينات يدعى عمر الحسين، أعلن ولاءه لـ«داعش» الإرهابي.
ويعتقد جاكوب بوندغارد عمدة مدينة آرهوس، أن البرنامج هو السبيل الأمثل للتعامل مع التشدد، ويقول: «لا يمكنك تجريم ما يشعر الناس أو فيما يفكرون أو ما يعتقدونه، ولكن يمكن إجراء حوار صادق معهم».