الإسلام في الصين.. شجرة أوشكت على الذبول فسقاها «ابن عربي»

الثلاثاء 28/أغسطس/2018 - 01:18 م
طباعة الإسلام في الصين.. هناء قنديل
 
في دولة مثل الصين يمثل مواطنوها ثلث تعداد البشرية على الأرض، طبيعي أن تتعدد دياناتها وعرقياتها ومذاهبها، في ظل هذا المزيج الهائل طبيعي إن لم يتعهد زارعو شجرة الإسلام في أرض الإمبراطورية الصينية بالرعاية والاهتمام، أن تذبل وتتعرض لمحنة اقتلاعها من جذورها، وهو ما كاد أن يحدث بالفعل لولا الترجمة عن مؤلفات محيي الدين ابن عربي، وهو الدور الذي يتناوله هذا التقرير باستفاضة.
في البداية تمحورت محنة الإسلام في الصين، حول الصينيين الذين أسلموا وانفصلوا عن علوم الدين، فلم يكونوا قادرين على معرفة معاني القرآن، ولا أحاديث السنة النبوية، خاصةً بعد نشأة قومية «هوي»، التي عاشت الإسلام لكن باللغة الصينية.

وإزاء تراجع الصلة الروحية بين المسلمين والإسلام في الصين، بدأ المسلمون هناك في استنهاض الهمم، لإحداث التغيير المنشود، فلجؤوا إلى الترجمة، وكذلك الاهتمام بالتعليم في المساجد، ونشأت بالتالي أول حركة لشرح تعاليم الإسلام بالثقافة الصينية، وكان لمؤلفات محيي الدين ابن عربي، دور بارز في هذا المجال.

ابن عربي.. كلمة السر في إسلام الصين
ابن عربي هو أبوبكر محمد بن علي محمد بن أحمد بن عبدالله الطائي، مولود في عام 1165 بمرسية الأندلسية، ويعد واحدًا من كبار أئمة الصوفية، وكان والده كذلك أيضًا، وهو علي بن محمد، أحد أعلام الزهد والتصوف.

وعاش ابن عربي في إشبيلية، فحفظ القرآن، ودرس الحديث والفقه، وتلقى العلوم وأتقنها، ثم تفرغ للتصوف.

والتقى ابن عربي، الذي اشتهر في الأندلس بـ«ابن سراقة»، الفيلسوف الكبير، «ابن رشد»، كما زار الكثير من البلدان، وتنقل بين الأندلس والمغرب والحجاز واليمن والشام والعراق ومصر، وأخذ عن شيوخها، ثم استقر في دمشق، وتوفي بها عام 1240هـ.

ووضع ابن عربي نحو 290 كتابًا، لايزال نصفها محفوظًا في المكتبات الكبرى، ومن أشهر مؤلفاته كتاب «الفتوحات المكية»، الذي يحتوي على أكثر من 4 آلاف صفحة، ويعد موسوعةً صوفيةً ضخمةً.

ودرس الصينيون في تعليمهم المسجدي، كتابًا بعنوان: «اللوائح»، وضعه الشيخ عبدالرحمن جامي، لشرح كتاب «فصوص الحكم» لابن عربي، وترجم هذا الكتاب إلى اللغتين الفارسية والصينية، وحقق انتشارًا واسعًا، كما درسوا كتابًا آخر لشرح كتاب ابن عربي المذكور أيضًا، لكن هذه المرة على يدي الشيخ فخر الدين العراقي.

وتوالت بعد ذلك حركات شرح تعاليم الإسلام باللغة الصينية، اعتمادًا على الثقافة الكونفوشيوسية، والتي استمرت لمدة 100 سنة، وظهر بعد ذلك عدد من العلماء الكبار، من أمثال: «وو تسون تسي» و«وانغ داي يوي»، في الفترة بين 1600، و1657، و«ما تشو» في عام بين عامي 1640، و1710، و«ليو تشي» حتى عام 1730، وغيرها.

وقدم هؤلاء العلماء الأجلاء تراجم عدة لكثير من الكتب الإسلامية، وبالطبع تصدرتها الكتب الشارحة لعلم ابن عربي.

وعليه، فبديهي أن يتمتع ابن عربي بمكانة عالية عند المسلمين الصينيين؛ حيث بات لمؤلفاته أثر واضح فيهم، فكان علماء الطرق الصوفية الصينية، يدرسون كتاب «الفتوحات المكية»، ويدعون له في أذكارهم وبعد صلاتهم.

وحظي ابن عربي بمكانة عظمى لدى المسلمين، ليس في الصين أو الأندلس وحدهما وإنما في كثير من البلدان الإسلامية الأخرى، ولقبه المسلمون في شتى بقاع الأرض بعدد من الألقاب عالية القيمة، ومنها: «الشيخ الأكبر»، و«محيي الدين»، و«سلطان العارفين»، و«إمام المحققين»، و«بحر الحقائق»، وكان له دور كبير جدًّا في ترسيخ المذاهب الصوفية لدى المحبين والعشاق، حتى يومنا هذا.

وامتاز ابن عربي بقدرة عالية على التأثير في تلاميذه، وزملائه العلماء على حدٍّ سواء؛ لما اتسم به من بلاغة وفصاحة أدبية راقية، فكان ينظم الكثير من القصائد في حب الله، ورسوله الكريم، والرضا بقضائه، وإيضاح نعمه على الخلق.

وتأثر الصينيون المسلمون بابن عربي تأثرًا واسعًا، يبدو ظاهرًا حتى الآن، في الآثار التي تركها المسلمون من الصينيين الذين ترجموا مؤلفاته، وعملوا على شرحها.

شارك