حسن البنا ورفاعي طه.. أفكار متشددة لم تُهذّبها الصوفية

الأربعاء 05/سبتمبر/2018 - 09:05 ص
طباعة حسن البنا ورفاعي سارة رشاد
 
القلق لا يعرف إلى قلوب مشايخ الصوفية سبيلًا؛ ليس لما يتمتعون به من حالة روحية تُعَمِّق بداخلهم شعور الاطمئنان -حسبما يصفون أنفسهم- بل لأنهم يضمنون ولاء أتباعهم المطلق لأقصى درجة، تحت بند الطاعة العمياء من المريد لشيخ طريقته.

ومن المريدين قليل من ابتعد عن سرب الطاعة العمياء، وخرج من تحت لافتتها، وتجرّأ على مناقشة شيخه، بل لم يجد غضاضة في الاعتراض على المشايخ.

من بين هؤلاء القليلين فَتَى كان في صفِّه الأول الثانوي، قال: إن شيخه قصَّ حكاية عن قدرته (أي الشيخ) على الخلق، منحه الله إيَّاها، فانفعل عليه الفتى، ووصف قصته بالكاذبة.

واقعة تعود إلى نصف قرن تقريبًا، بطلها مسؤول الجناح العسكري بالجماعة الإسلامية، المقتول بسوريا أبريل 2016، رفاعي طه، وتنشر مجلة «كلمة حق» -منصة إعلامية مقربة من التيارات المتشددة بمصر-، فصولًا من مذكرات رفاعي طه، لأول مرة.

تحت عنوان «قصتي مع التصوف» وصورة لصاحب المذكرات في عُمْر الشيخوخة، كشفت الحلقة السادسة من المذكرات مرحلة صوفية مبكرة من حياة رجل حمل الفكر التكفيري فيما بعد؛ إذ أشارت إلى أنه كان واحدًا من مريدي طريقة صوفية هي «الأحمدية النقشبندية» بإدفو، جنوبي مصر، وتأثر في مراهقته بأساتذته المتصوفة.

وبدأت المجلة المعنية بنشر معلومات عسكرية في أوساط المتشددين، إما بنشر كتابات غربية وعربية تشرح مفاهيم مثل «المقاومة المسلحة»، وإما مذكرات لرموز تكفيرية، في نشر مذكرات رفاعي طه، أبريل 2018.

وأشارت في الحلقة الأولى من المذكرات إلى أن شابًّا إخوانيًّا يُدعى محمد إلهامي، التقى رفاعي طه في تركيا عقب الإطاحة بحكم الإخوان، يونيو 2013، واقترح أن يملي رفاعي عليه مذكراته؛ بدعوى أن قادة الحركة الإسلامية تفتقد لفلسفة الاهتمام بتدوين التجارب.

في الحلقات الأولى من المذكرات، يوضح رفاعي سبب تسميته بهذا الاسم؛ إذ قال إن والدته كانت تخاف عليه فسمّته على اسم القطب الصوفي العراقي، أحمد الرفاعي.

«البنّا».. من «الحصافية» إلى الإخوان 
التنشئة التي تخللها ميل إلى الصوفية من جانب رفاعي، لم تقتصر عليه وحده؛ إذ خرج قَبْلَه مؤسس جماعة الإخوان، حسن البنّا (1906: 1949م) من الطريقة الحصافية (إحدى الطُّرق الصوفية قليلة الحضور بمصر)، وفي كتابه «مذكرات الدعوة والداعية»، روى البنّا عن زيارته لمقامات الأولياء وحضور الموالد، لاسيما تقبيله ليد شيخه والحلم به.

للمزيد: 
تصوف «البنّا».. محطة شقت صفوف الإخوان
«تصوف البنّا».. بوابة الإخوان لاختراق الطرق الصوفية

وصحيح أن البنّا تراجع عن ذلك، حين اتخذ خطوات ملموسة في تأسيس جماعته، كما وَجَّه رفاعي نقدًا لاذعًا للصوفية في مذكراته، إلا أن السؤال يبقى: «لماذا لم تمنعهما تجربتهما الصوفية من اختيار طريق التطرف؛ إذ كانت الصوفية كما يُرَوّج لها المحطة تقف حائلًا روحيًّا بين المريد والتطرف، ولديها قدرة المواجهة إذا لزم الأمر وناظرت أفكار المتشددين؟

للمزيد:
«التصوُّف المعتدل».. رؤية وسطية تتبناها «الأوقاف» في مصر 
 أحمد عمر هاشم: يقظة صوفية لمواجهة الأفكار التكفيرية

شخصيات تطلعية
شيخ الطريقة العزازية، عبدالرحيم العزازي، كان له رأي أدلى به لـ«المرجع»، قائلًا: إن شخصية مثل حسن البنّا، هي بالأساس ذات طابع متمرد وتطلعي، تسعى لمنصب قيادي، وبناء على هذه السمات الشخصية فَكَّر في تكوين كيان يضمن له هذا المنصب، فكانت جماعة الإخوان، ولفت إلى أن البنّا -على وجه التحديد- لم يتح لنفسه فرصة فهم الصوفية حتى تصل إلى قلبه، فعارض شيخه حين نصحه بالكفِّ عن التفكير في تأسيس تنظيم سياسي ديني، ومن ثم اختار الخروج عن الطريق.

حيث إن شيخ «البنا» كان ذا رؤية بعيدة عندما رفض فكرة تأسيس الإخوان، كما أن اهتمامات البنّا منذ التفكير في تأسيس جماعته (نهاية عشرينيات القرن الماضي)، وحتى العمل الفعلي باتجاه تأسيسها وما بعده جميعها تشير إلى أنه لم يتذوق التصوف من الأساس.

انتقال معاكس
وإن كان انتقال البنّا ورفاعي من التصوف إلى التشدد غير منطقي، فثمة انتقال معاكس، كشفه لـ«المرجع» مصدر صوفي، طلب عدم ذكر اسمه، وقال فيه إن شبابًا من الإخوان غادروا جماعتهم إلى مجالس شيخ الطريقة «الصدّيقية الشاذلية»، ومفتي الديار المصرية السابق، علي جمعة، كأحد التحولات التي تعرضت لها الجماعة بفعل سقوط حكمها في يونيو 2013.

وأشار إلى أن الشباب بدأوا في التردد على مسجد جمعة بمدينة 6 أكتوبر، ويسمى «فاضل»، في خضم مراجعتهم لأفكارهم واكتشافهم خلل مشروع الإخوان، ثم انتمى بعضمهم إلى طريقة «الصدّيقية الشاذلية» (أجازها المجلس الأعلى للصوفية فبراير 2018).

ولفت إلى هذا التحول يعد تحولًا من الخطأ إلى الصواب، مشددًا على أن التصوف يمثل هنا الفكر المتزن الذي يعود إليه أي شخص أَعْمَلَ عقله.

تصوف استثنائي
بدوره، قال شيخ الطريقة العزمية (إحدى الطرق النشطة بالساحة الصوفية)، علاء أبوالعزائم: إن عدم تقويم التصوف لتوجهات البنّا وطه، ليس لقصور في التصوف، والدليل أنه نادرًا ما يتورط صوفي في عمل إرهابي، فحالة البنّا ورفاعي استثنائية وترتبط بأسباب تخصهما.

 ورجح لـ«المرجع» أن يكون تصوف البنّا ورفاعي نابعًا من الثقافة المجتمعية المحيطة بمكان تنشئتهما، وليس عن قناعة، مشيرًا إلى أنه لهذا السبب لم يتمكن التصوف من تعديل أفكاره.

ولفت إلى أن منهج التصوف معروف قوته، وقادر على حماية المجتمع من التطرف سواء باتجاه ترك الدين أو التشدد فيه.

 للمزيد: «أبوالعزائم»: علي جمعة جدير بقيادة «الأعلى للصوفية»

شارك