«الزواج البيئي».. مصاهرة رفاق السجون لضمان الولاء «الإخواني»

الخميس 06/سبتمبر/2018 - 11:30 ص
طباعة «الزواج البيئي».. دعاء إمام
 
على المقاعد المخصصة لأهالي المعتقلين، فى انتظار ذويهم بقاعة الزيارة، تتفحص السيدات بعض الفتيات اللاتي جئن لرؤية والد أو أخ لهن، تورط في أعمال إرهابية، أو ألقي القبض عليه بتهمة الانتماء لجماعة محظورة وهي (جماعة الإخوان)، وما أن يقع نظر الأم على إحدى «الأخوات» -بحسب التعبير الإخواني-، حتى تبادر بعرض الأمر على الفتاة، التي لا تملك إلا أن تقبل؛ امتثالًا لأعراف الجماعة التي تفرض عليها الزواج من داخل الإخوان.



وكان لقاعات المحاكمات استخدامات أخرى استحدثها مناصرو الجماعة، فالخِطبة التي تبدأ من قاعة الزيارة، ليس غريبًا أن تتم داخل المحكمة، إذ شهد شهر أبريل الماضي واقعة خطبة فتاة إخوانية، على أحد الإرهابيين المتورطين في اغتيال المستشار هشام بركات النائب العام المصري (تعرض موكبه للتفجير بسيارة ملغومة يوم29 يونيو 2015)، والتي حضرت إلى منصة المحاكمة بمعهد أمناء الشرطة، حيث تُنظر القضية، وأخرجت من حقيبتها خاتم خِطبتها وارتدته وسط زغاريد(تعبيرات صوتية بالفم دلالة على السعادة)، من أهالى المتهم، الذي حُكم عليه بعشر سنوات من السجن المشدد بعد أربعة شهور من تلك الواقعة.



وبحسب عمرو عبدالحافظ، صاحب مبادرة المراجعات الفكرية للإخوان، فإن الأعوام الماضية شهدت القاعات المخصصة للزيارة، طقوس إعلان خطبة أبناء وأقارب مسجونين، إذ تبدأ الحفلات بوصلة إنشاد من قبل الشباب، وتوزيع الحلوى، ثم تتوالى التهنئة من المساجين.



وقال لــ«المرجع» من محبسه بسجن الفيوم، إن الإخوان مجتمع مغلق، ودائمًا يفضلون مصاهرة بعضهم البعض، مشيرًا إلى أن الأمن بادر إلى منع مثل هذه الاحتفالات في الفترة الأخيرة، لا سيما أن عائلات الإخوان كانوا يستغلونها فرصة للتعارف وتقوية علاقات أسر الجماعة ببعضها.

خطوة تنظيمية واقتصادية

في أربعينيات القرن الماضي، اعتمد حسن البّنا (1906-1949) مؤسس جماعة الإخوان عام 1928، نظام المصاهرة والنسب بين أعضاء الجماعة الذين بايعوه على السمع والطاعة، فكانت لكل أخٍ (وصف العضو بالجماعة) ، أخت مهيئة سلفًا للخطبة من ابن جماعتها، دون اعتراض أو نقاش وربما دون الرجوع لولي أمر؛ إذ يكفي أن يُبارك زواجهما من قبل قيادات الجماعة.


وكانت المصاهرة في مراحل الجماعة الأولى، تتم بهدف الحفاظ على أفراد الأسرة الإخوانية، ثم تحولت إلى خطوة تنظيمية واقتصادية، دعمتها التحالفات التجارية بين أعضاء وقيادات الجماعة، الذين قدموا أنفسهم فيما بعد كرجال أعمال يحمون اقتصاد الجماعة من الانهيار، إضافة إلى إقحام زوجات القيادات أو أبنائهن فيما بعد في مجال السياسة؛ لإيهام الغرب أن الجماعة تتبع مبادئ إسلامية معتدلة، تتيح للمرأة بداخلها الوصول للبرلمان والمناصب المختلفة.



في عام 2000، دفعت الجماعة، بالإخوانية جيهان عبداللطيف الحلفاوي، زوجة القيادي الإخواني، إبراهيم الزعفراني، عضو مجلس شورى الجماعة -آنذاك-، لإنتخابات مجلس الشعب (البرلمان) ، كأول سيدة إخوانية تترشح لهذا المنصب؛ لمغازلة الغرب بأن الجماعة منفتحة ولا تمانع من وصول المرأة لمناصب عليا.

تحالفات في الزنازين

أيضًا استغل رفاق الزنازين فرصة وجودهم بالسجون، للاتفاق على المصاهرة عقب انتهاء العقوبة فى القضايا التي يحاكمون فيها، وكان أبرز الأمثلة على تلك الحالة، المرشد الأسبق للجماعة، مهدي عاكف، ومحمود عزت نائب المرشد، حينما اجتمع الاثنان في زنزانة واحدة خلال قضية «تنظيم 65» (تنظيم سري تورط في محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1965)، واتفق عاكف مع عزت على الزواج من أخت الثاني، والتي تزوجها «عاكف» الذي كان يكبرها بربع قرن على الأقل.



ويزعم مناصرو الجماعة التي تعرضت للحل والحظر على مدار تاريخها، أن سيدات الجماعة وحدهن القادرات على تحمل ظروف الملاحقة الأمنية والاعتقال، والحفاظ على أسرار الجماعة، وتربية النشء على مبادئ وتعاليم الإخوان المتمثلة في السمع والطاعة .

«أولتراس بنات».. الإخوان يقدمون نساءهم قربانًا للعنف والإرهاب

زواج بيئي!

ووصف علي عشماوي، آخر قادة التنظيم الخاص الذي أنشأه «البنّا» عام 1940، علاقات النسب والمصاهرة بين العناصر والقيادات بــ«الزواج البيئي»،فقال في مذكراته المعنونة بـ«التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين»، الصادر عام 2006 بعد انشقاقه عن الجماعة، إن تلك العلاقات هي التي تحافظ على بقاء الأسرة الإخوانية وتضمن الترابط بين أفرادها؛ لذا اعتبره «زواج بيئي».

للمزيد:

«التاريخ السري للجماعة».. مذكرات تفضح «الإخوان» وتحطم مجدها الزائف

أما انتصار عبدالمنعم التي تصف نفسها بأنها أخت سابقة في الجماعة، فكشفت في سيرتها الذاتية «حكايتي مع الإخوان» الصادرة عام 2012، عن بعض ما يدور في الجماعة بشأن الزواج والنسب، إذ أكدت أن السيدات لا يسمح لهن بالترقي داخل الجماعة مهما كانت كفاءتهن أو مؤهلاتهن، فكل «زهرة» (الفتاة الإخوانية صغيرة السن) ليس لها مصير إلا انتظار «شبل» (شباب الجماعة في مرحلة المراهقة) أن يتقدم لخطبتها ثم يتزوجا وتنتهي أي أحلام لها في تقلد أي مناصب داخل الجماعة.



وتابعت: «في جميع الأحوال على الأخت أن ترضخ للكيفية التي يفسرون لها بها الشرع دون نقاش، وهكذا تختزل العلاقة الزوجية على مفهوم واحد سلبي الاتجاه، وهو طاعة المرأة للزوج سواء كان صالحًا أو طالحًا».



كما لفتت إلى أن المصاهرة تتم على حسب الدرجة داخل الجماعة، فأعضاء مكتب الإرشاد يتزوجون فيما بينهم، أما القيادات فيختارون زوجاتهم من بنات أو أخوات القيادات، وهكذا العناصر الأقل درجة.



وكان الدليل على تعنت الجماعة في مسألة الزواج والمصاهرة، قرارات الفصل التي صدرت بحق فتيات وشباب تزوجوا من خارج الجماعة عام 2014، عقب سقوط حكم الإخوان في مصر، بعد ثورة 30 يونيو 2013، حيث اتجه الشباب إلى الزواج من أبناء وبنات التيار السلفي أو أي تيار آخر خشية الاعتقال، فتفاجؤوا بتجميد عضويتهم وطردهم من الجماعة التي لم تبارك هذا النوع من الزيجات.

للمزيد:

«العُزلة».. طريق الإخوان إلى «الجيتو»

شارك