«داعش» في لبنان.. اختراق فاشل وحسابات خاطئة

الأحد 09/سبتمبر/2018 - 10:41 ص
طباعة «داعش» في لبنان.. آية عز
 


 منذ ظهوره على ساحة الأحداث عام 2014 سعى تنظيم «داعش» لإيجاد موضع قدم له داخل ما يطاله من البلدان العربية، ليوحي للعالم بتمدده وانتشاره في أكثر من رقعة جغرافية، وعلى أكبر محيط إقليمي يستطيع أن يتغلغل فيه، من ضمن تلك الدول العربية التي وضعها داعش صوب إرهابه، يأتي لبنان لما له من حدود استراتيجية مع سوريا، فتسللت عناصر داعشية عبر تلك الحدود ونجحوا في اختراقها وشن هجمات إرهابية على كنائس وأسواق وتجمعات لبنانية.

ومؤخرًا اشتعلت رغبة التنظيم في السيطرة الكاملة على شمالي لبنان، والمتماس مع الحدود السورية، فمن ناحية يسعى التنظيم -باحتلاله هذا الجزء المهم- لاستراتيجية جديدة تعيده إلى المشهد كما كان، ومن ناحية أخرى يهدف هذا الجزء إيجادًا منه لملاذ قريب وآمن لعناصره الفارة من جحيم الضربات التي يوجهها له الجيش الوطني السوري، في محاولة من التنظيم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عله يتدارك ما كبده الجيش من خسائر فادحة بشرية ومادية ومعنوية فادحة.


◄ بداية الدخول الداعشي لبنان:

في خريف 2014 (عام ظهور داعش في العراق)، أذاعت قناة «بي بي سي» البريطانية، تقريرًا مطولًا أعلنت فيه، أن زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي عَيَّن المدعو «عبدالسلام الأردني» أميرًا للتنظيم في لبنان في العام نفسه.

وبالفعل عقب إعلان القناة تولي «الأردني» منصب أمير «داعش» في لبنان، قامت العناصر الداعشية يوم الخميس السابع من سبتمبر عام 2014 بتنفيذ أول عملية إرهابية استهدفت حاجزًا أمنيًّا للجيش اللبناني في الحدود السورية اللبنانية؛ ما أسفر عن مقتل ما يقرب من ثمانية جنود، شيعت وزارة الدفاع اللبنانية جثامينهم يوم الجمعة، الموافق 8 سبتمبر عام 2014.

◄ خريطة الوجود الداعشي في لبنان

في منتصف عام 2015 نفت وزارة الداخلية اللبنانية- في بيان رسمي لها- أي وجود منظم لداعش في البلاد أو احتلاله مناطق معينة، رغم أنها أكدت- في البيان ذاته- وجود عناصر من التنظيم بأعداد ضئيلة في مناطق واقعة بالشمال اللبناني، خاصة في منطقة قضاء «عكار» (محافظة تقع على الحدود اللبنانية السورية).

وعلى صعيد متصل، وفي مايو عام 2016، صرح نهاد المشنوق، وزير الداخلية في لبنان، قائلا: إن داعش استطاع عام 2014 أن يؤسس مجموعة خلايا نائمة في منطقة « قضاء عكار»، وتسللت تلك العناصر عبر الحدود السورية بسلاح وعتاد ومؤن إعاشة.
«داعش» في لبنان..
وبناء على تلك المعلومات أعدت صحيفة «النهار» اللبنانية تقريرا صحفيًا عام 2016، مستندة فيه على تقارير وبيانات وزارة الداخلية، أن «داعش» يتمركز أيضًا على الحدود الشمالية الشرقية للبنان، ليكون قريبًا للغاية من «رأس بعلبك» (إحدى القرى اللبنانية التابعة لمحافظة بعلبك، وهي قريبة للغاية من مدينة «القارة» السورية الخاضعة لسيطرة الجيش اللبناني)، كما أشارت الصحيفة في تقريرها إلى أن التنظيم يحتل مناطق جغرافية شديدة الوعورة في لبنان.

 وأوضحت النهار اللبنانية عبر صفحاتها التي أفردتها لتقرير الوجود الداعشي في لبنان، إلى أن عناصر «داعش» في لبنان قد نجحت- عام 2016- في طرد جبهة النصرة (الاسم السابق لهيئة تحرير الشام، وهي فصيل سوري مسلح موجود في شمال سوريا) من تلال عرسال، الواقعة على الحدود السورية اللبنانية، كما سيطر عناصر التنظيم على أنفاق تلال عرسال. (وفق ما ورد في الصحيفة).

على جانب آخر، وفي يوم 23 يوليو 2017، أعلن السفير اللبناني هيثم أبوسعيد، مفوض الشرق الأوسط لحقوق الإنسان وأمين عام الدائرة الأوروبية للأمن والمعلومات، في اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، في تقرير وإحصائيات نشرها على موقع يُسمى «شفقنا» تابع لوكالة أنباء شيعية، أن بلاده تحتوي على ما يقرب من 5000 عنصر تابعين لتنظيم «داعش»، ومعظمهم موجودون في الجزء الشمالي، وعدد طفيف منهم يوجد في جنوب لبنان، موضحًا أن معظم الدواعش الموجودين في لبنان ليسوا لبنانيين، ولكنهم يحملون الجنسية البلجيكية والفرنسية، وجميعهم أتوا إلى لبنان عقب رفض بلادهم استقبالهم بسبب جرائم الإرهاب التي ارتكبوها.(حسب قوله وتقريره).


◄ داعش في لبنان.. خلايا نائمة وذئاب منفردة

وعن الوجود الفعلي حاليا لداعش في لبنان، يقول فادي عاكوم، الصحفي اللبناني المتخصص في شؤون الإرهاب، عبر تصريح للمرجع: إن لبنان عرف انتشار الفكر الداعشي كغيره من الدول التي انتشر فيها هذا الفكر؛ وذلك من خلال الآلة الإعلامية التابعة للتنظيم الإرهابي من جهة، ومجموعة من رجال الدين الذين نشروا الفكر المتطرف من جهة أخرى، إضافة إلى بعض السياسيين الذين كانوا على خط الحرب السورية منذ بدايتها.

وأكد «عاكوم» أن الأحداث في سوريا ساعدت على انتقال الأفكار المتطرفة في لبنان، نظرًا لسهولة التنقل من وإلى لبنان؛ ما أدى إلى تواصل متين بين دواعش سوريا ومتطرفي في لبنان.

وتابع الصحفي اللبناني: أن تنظيم «داعش» لم يكن له أتباع في لبنان في بداية الأمر، وأن غالبية حاملي الفكر المتطرف كانوا ينتمون لتنظيم «القاعدة»، ثم ما يعرف بـ«هيئة تحرير الشام» بعد ظهورها في سوريا، وأخيرًا انضموا إلى «داعش» بعد التغيرات الدراماتيكية في أفكار المتطرفين، والموقف من الحرب السورية، وبدء المعارك أو انتهائها، بغض النظر عن نتائجها النهائية.


وأوضح «عاكوم»، أن دواعش لبنان في الوقت الحالي يحملون جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية، على اعتبار أن المخيمات الفلسطينية -أو أجزاء منها- تعد من البؤر التي تأوي عشرات الإرهابيين والمطلوبين للأمن اللبناني، خاصة في مخيم «عين الحلوة».

وتابع «عاكوم» :«إن أقرب وصف لدواعش لبنان هو الخلايا النائمة أو الذئاب المنفردة، كون هذه الطريقة هي التي باتت متبعة عالميًّا من قِبَل التنظيمات الإرهابية؛ بسبب الرقابة الصارمة التي تفرضها الأجهزة الأمنية، وهي الطريقة الوحيدة التي قد تتيح للإرهابيين -بمختلف انتماءاتهم- التحرك أو الحصول على الأموال أو حتى تنفيذ أي مخطط إرهابي».

 وفي ما يخص القضاء على الإرهاب الداعشي في لبنان، يرى أن الأجهزة الأمنية اللبنانية تتعاون مع مثيلاتها في المنطقة للقضاء على أي خطر إرهابي، وتتحرك الأجهزة من خلال تبادل اللوائح السوداء لملاحقة المتورطين في الإرهاب، إلا أن الخطة الفعلية لملاحقة الإرهاب قد تبدو بعيدة المنال في لبنان في ظل وجود مربعات أمنية ومناطق لا يستطيع الأمن اللبناني دخولها وملاحقة المطلوبين».

◄ الجيش اللبناني وحربه على داعش

ويتفق هشام النجار، الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلاموية والحركات المسلحة، مع «عاكوم»، حيث قال "النجار في تصريح للمرجع: إن الدواعش في لبنان موجودون كخلايا وكحضور تنظيمي، وخلال الفترة السابقة وجدوا في العديد من المناطق اللبنانية ملاذًا آمنًا للتنظيم وعمقًا استراتيجيًّا يتيح لهم حرية المناورة في صراعاتهم وحروبهم الرئيسية في العراق وسوريا، موضحًا أن عناصر التنظيم تتمركز في معظم المناطق السنية في الشمال والبقاع وفي المخيمات الفلسطينية ومخيمات النازحين السوريين.

وأشار «النجار» إلى أن الجيش اللبناني نجح خلال السنوات الأخيرة -عبر مواجهات مباشرة مع داعش- في القضاء على قوة التنظيم الفاعلة في لبنان، كما تمكن الجيش من تحطيم مشروعها الإرهابي في الجزء الشمالي اللبناني، وإفشال مساعي التنظيم في تحويل لبنان لساحة تصفية حسابات بين التنظيم ومنافسيه من الجماعات الإرهابية الأخرى.

شارك