تجديد البعثة الأممية.. ليبيا الحائرة بين الفشل الدولي والتناحر الداخلي
السبت 15/سبتمبر/2018 - 04:04 م
طباعة
عبدالهادي ربيع
أثار تجديد مجلس الأمن الدولي ولاية البعثة الأممية إلى ليبيا برئاسة غسان سلامة، الخميس 13 سبتمبر 2018 عقب تصويت بين أعضاء المجلس، التساؤلات عن أسباب هذا التجديد وعن ماذا قدمت في سبيل الخروج من الأزمة؟ خاصة مع ما ورد في تقرير لجنة الخبراء المقدم إلى رئيس مجلس الأمن بتاريخ 5 سبتمبر الجاري الذي يبين إلى أي حد وصل الفساد والفوضى في ليبيا، مع استمرار الاشتباكات، وعدم نجاح بعثة الأمم المتحدة في تنفيذ مخططاتها للحل السلمي في البلاد.
وتقوم سياسة البعثة الأممية -التي عادت إلى ليبيا مارس 2008 بعد اضطرارها إلى مغادرة البلاد في ظل توتر الأوضاع الأمنية، لتدير أنشطتها من تونس بشكل رئيسي- على العمل على الأبعاد الداخلية (لم شمل الليبيين وإعادة إحياء وتحرير وتعزيز وتوحيد المؤسسات الليبية) ثم الخارجية (حضانة دولية مؤازرة لهذا العمل الداخلي) للتوصل إلى حل الأزمة الليبية وفق ما أعلنه غسان في مؤتمر صحفي في الأول من مايو 2018 عقب اجتماع جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وأكد سلامة أن العمل من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية قبل نهاية العام، يتصدر أولويات الأمم المتحدة. وشدد على ضرورة التأكد، قبل إجراء الانتخابات، من أنها ستكون جامعة وبأن نتائجها ستقبل.
وعمل سلامة على محاولة تعديل الاتفاق السياسي الليبي (بين الفصائل الليبية في مدينة الصخيرات المغربية 2015) في حين فاجأ الجميع في مارس الماضي وفق موقع أخبار الأمم المتحدة بتصريح رآه كثيرٌ من الليبيين بالصادم، حين أعلن أن خطة عمله لا تعتمد بشكل أساسي على تلك التعديلات، وأنه كلما اقتربت ليبيا من إجراء الانتخابات، أصبحت تعديلات الاتفاق السياسي أقل أهمية.
وكان مجلس الأمن الدولي قد وافق على تعيين غسان سلامة وزير الثقافة اللبناني السابق، مبعوثا للأمم المتحدة في ليبيا، بعد خلاف استمر أربعة أشهر على اختيار خليفة لمارتن كوبلر، الدبلوماسي الألماني المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا منذ نوفمبر 2015، وفقًا لـ«روسيا اليوم».
وبحسب دراسة للدكتور زياد عقل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فإن فترة تولي برناردينو ليون لرئاسة البعثة فإنه لم يعبأ بصناعة توافق حقيقي بين الأطراف الليبية حول اتفاق الصخيرات، فلم يتواصل ليون مع عدد من الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي في ذلك الوقت، وعلى رأس هذه الأطراف القائد العام للجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، في حين سعى الألماني مارتن كوبلر لتحقيق هدفين هما محاولة الحفاظ على اتفاق الصخيرات كمرجعية للشرعية والعمل بقدر الإمكان على تفعيل الاتفاق، وكان لهذا النمط من الأداء أثرًا مباشرًا على حالة الركود وغياب الفاعلية، وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا قد توصلت الثلاثاء 4 سبتمبر 2018 إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في العاصمة الليبية طرابلس، بين الفصائل المتقاتلة في العاصمة.
رفض شعبي
لاقت البعثة الأممية رفضًا شعبيًّا وتساؤلات عن دورها الفعلي وهو ما أشار إليه محمد المبشر، رئيس «مجلس الأعيان» الليبي في تصريح صحفي عقب قرار التجديد للبعثة الاممية، أن البعثة تجاوزت المهام المكلفة بها، مشيرًا إلى أن ذلك بسبب تراجع الدور الليبي الداخلي لحل الأزمة.
وأعرب المبشر عن رفض شعبي لتدخل البعثة الأممية في أمور ليست من اختصاصها بسبب تراجع الدور الليبي — الليبي في مسألة المصالحة والإجراءات السياسية والدستورية، مؤكدًا أن الاتفاق الذي توصلت إليه البعثة لوقف إطلاق النار في طرابلس لا توجد ضمانة لاستمراره، غير «حل الميليشيات»، وتمكين القوات المسلحة والشرطة من زمام الأمور، قائلا: «إن توحيد المؤسسة العسكرية بات ضروريًّا لإنهاء الوضع الراهن، في ظل عدم توافق المجتمع الدولي بشأن حل الأزمة في ليبيا».
إقرأ أيضا.. جولة الصحافة 8 سبتمبر.. سقوط الجيب الأخير لـ«داعش».. وحفتر يتعهد بطرد الميليشيات من طرابلس
فشل دولي
ويرى عبد الستار حتيتة الكاتب المتخصص في الشأن الليبي، أن قرار التجديد هو فشل جديد يُضاف إلى فشل الأمم المتحدة في إدارة الملف الليبي بعد القضاء على النظام السابق، مؤكدًا أن تقرير لجنة الخبراء المُقدم إلى رئيس مجلس الأمن يبين إلى أي حد وصل الفساد والفوضى في ليبيا وهو مؤشر كافٍ يدفع بالأمم المتحدة ومجلس الأمن لمراجعة كل المهام التي قام بها المبعوثون الأمميون إلى ليبيا بدءًا من برنالينيو ليون، أو لومارتين كوبلر أو غسان سلامة.
وأضاف حتيتة في تصريح خاص لـ«المرجع»، أن أقصى ما قدمته البعثة الأممية أنها استمرت في تدويل الأزمة الليبية، واستمرت في هندسة الفوضى ولم تتمكن من تقديم أي حل، فالبعثات الثلاثة رسخت لتعدد السلطات في الدولة الليبية، وتعدد رؤوس الحكم، وهو ما يزيد من الفوضى، فهناك مجلس النواب المنتخب الذي لا يتعامل معه كجهة تشريعية ولا لرئيسه كرئيس للدولة الليبية وفقًا للإعلان الدستوري، مشيرًا إلى أن البعثة تتعامل مع المجلس الرئاسي ومخرجات اتفاق الصخيرات باعتباره دستورًا قائمًا بذاته، في حين أن الاتفاق يفترض ألا يتم العمل به إلا بعد تضمينه في الإعلان الدستوري.
وكشف حتيتة عن العلاقة بين البعثة والميليشيات المسلحة والجماعات الإسلامية ، مؤكدًا أن البعثة حاولت خلال الأسابيع الأخيرة، أن تضغط على الميليشيات للتهدئة في طرابلس، لتحصل على تجديد لسنة أخرى، مرجحًا استئناف الاشتباكات في العاصمة، بعد التجديد لغسان سلامة، لأن من مهام البعثة مساعدة رئيس المجلس الرئاسي التابع لحكومة الوفاق على تحقيق بنود اتفاق الصخيرات، خاصة البند الخاص بالترتيبات الأمنية، والذي ينص على إجبار الميليشيات على الخروج من العاصمة، وتسليم سلاحها، وفقًا لجدول زمني، وهو ما لم يحدث منذ توقيع الاتفاق عام 2015 ودخوله في النفاذ 2016، ما يجعلنا أمام بعثة أممية تدير الأزمة ولا تحلها.
ضغوط الطامعين والطامحين
ونوه «حتيتة» إلى أن الترتيبات الأمنية من الحلول السهلة تقدم للاستهلاك الإعلامي، وليست للتطبيق على أرض الواقع مثل دمج وإعادة تأهيل عناصر هذه الميليشيات في المؤسسات الرسمية في وزارة الداخلية، التابعة للوفاق، وهو ما لا يصح وفق الآليات العسكرية أو الشرطية، وأشار في هذا الصدد إلى تجربة العميد نجمي الناكوع آمر جهاز الحرس الرئاسي حين أنشأ لجنتين طبية وعسكرية لإعادة دمج المسلحين في المؤسسة ومعرفة إن كانوا لائقين أمنيًّا أو إن كانوا يحملون خلفيات متطرفة.
وأوضح الكاتب المتخصص في الشأن الليبي أن مشروع الانتخابات وغيرها من المشروعات التي تطرحها البعثة الأممية غير قابلة للتطبيق العملي، مثل الحل السياسي والهجرة غير الشرعية، فغالبية الأطراف الغربية المعنية بالشأن الليبي لم تتخذ أي نشاط لحل مشكلة من هذه المشاكل، مستبعدًا صعوبة الحل السياسي في ظل وجود 3 حكومات تتنازع على الشرعية، وفي حالة قانون الاستفتاء على الانتخابات نجد أن مجلس الدولة ينادي بأحقيته في التشريع وليس مجلس النواب، وهو ما قاله خالد المشري بعد اجتماعه مع ماكرون في باريس، فالبحث عن الحل السياسي في ليبيا يجعلنا ندور في حلقات مفرغة، ورجح حتيتة الحل العسكري على حساب الحل السياسي قائلا: «الدولة مفتتة القوى تحتاج إلى قوة واحدة غالبة تضم إليها بقية القوات وتنزع أسلحة الخارجين عن القانون، وعن الشرعية الجديدة».
واختتم حتيتة أن البعثة الأممية إلى ليبيا عليها ضغوط من طامعين وطامحين في الملف الليبي، مثل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الأوروبيَّة تتعامل مع الميليشيات في حماية مصالحها، مثل خطوط النفط وموانئ التصدير، مثل ميناء ميليتا لتصدير الغاز الطبيعي بمدينة الزاوية غرب طرابلس، الذي يسطر عليه ميليشيا شعبان هدية المتطرف الذي سبق القبض عليه في محافظة الإسكندرية المصرية، والإفراج عنه بعد خطف جماعته لدبلوماسيين مصريين في طرابلس.
إقرأ أيضا..الهجوم على طرابلس.. الميليشيات تتلاعب بمستقبل العاصمة الليبية