منافسة «أمريكية – روسية».. من يدفع «مهر طالبان»؟
السبت 15/سبتمبر/2018 - 04:10 م
طباعة
إسلام محمد
وسط إرهاصات عن مفاوضات سلام مرتقبة بين حركة طالبان الأفغانية وواشنطن، أذاعت قناة «طلوع» الأفغانية الأربعاء 12 سبتمبر أنباء عن مصادر لم تسمها، تفيد باستعدادات داخل الحركة لإرسال وفد مكون من ثلاثة أو أربعة أشخاص للتفاوض مع مسؤولين أمريكيين، حول فرص إحلال السلام في البلاد التي تشهد معارك متواصلة بين الطرفين منذ سبعة عشر عامًا.
وقالت القناة إن قادة الحركة اجتمعوا من أجل تحديد القضايا التى سيتم بحثها مع الأمريكيين، خلال المفاوضات المزمع عقدها الأيام المقبلة، التي من أبرزها موضوع الإفراج عن معتقلي الحركة ومبادلتهم بمحتجزين لديها.
يأتي هذا بعد تكرار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الشهر الماضي، تأكيداته أنه لا توجد عقبات أمام المباحثات مع طالبان، وأن الوقت حان لإقرار السلام، وترحيبه بإعلان الرئيس الأفغاني أشرف غني، وقف إطلاق النار من طرف واحد خلال عيد الأضحى الماضي، وهي الخطوة التي وصفها «بومبيو» بأنها «تستجيب للنداء الواضح والمستمر للشعب الأفغاني من أجل السلام».
ومن قبله قال الجنرال جون نيكولسون، قائد قوات حلف الناتو في أفغانستان في منتصف يوليو الماضي، إن الولايات المتحدة مستعدة للمشاركة في مفاوضات مباشرة مع «طالبان»، وأنها سيكون لها دورٌ رئيسي في إنهاء الحرب، متحدثًا عن الاستعداد الكامل لبحث دور القوات الدولية مع الحركة، واقتناص فرصة لا سابقة لها للتوصل إلى السلام.
وكانت الحركة أجرت محادثات سابقة مع الولايات المتحدة بوساطة قطرية، لكنها توقفت بعد فشلها، ورفضت الحركة بعدها دعوات الحكومة المحلية لإجراء مفاوضات، مفضلة التفاوض مع واشنطن بشكل مباشر.
العودة إلى البشتون
وعملًا بالمثل العربي القائل «وداوها بالتي كانت هي الداء»، أعلنت الولايات المتحدة الثلاثاء في 4 سبتمبر 2018، عن تعيين سفيرها السابق بأفغانستان، زلماي خليل زاد، كمستشار للشأن الأفغاني بوزارة الخارجية، في خطوة تعكس الجدية الشديدة في التواصل مع الحركة من أجل إنهاء القتال، فالرجل ينتمي إلى عرقية البشتون، أكبر المجموعات العرقية في البلاد، ويتحدث بلغتهم، وعمل مع جميع الرؤساء الأمريكيين منذ الغزو الأمريكي لبلاده عام 2001، وكان له دورٌ مهمٌ في التخطيط للغزو والإطاحة بحكم الطالبان.
ومن ثم؛ فإسناد هذا الملف له مؤشر على أن واشنطن تريد التعامل بشكل مباشر مع «البشتون»، والتخلي عن سياسة الاعتماد على مجموعة الأقليات التي أثبتت عدم جدواها خلال الفترة الماضية، بل كانت مسؤولة عن تعميق الأزمة عبر تهميش القبائل التي تمثل أكثرية السكان.
فيما أفاد دبلوماسي أفغاني رفيع المستوى لـ«المرجع» أن عرقية البشتون الذين يمثلون الأغلبية جنوب البلاد يوفرون لحركة طالبان حاضنة شعبية قوية، بعكس مناطق الشمال|؛ حيث توجد عرقيات أخرى كالأوزبك والطاجيك، لافتا إلى أن عددًا من الجنوبيين يؤيدون الحركة من منطلقات إثنية بحتة إذ يرون فيها رمزًا لسلطة البشتون، الأمر الذي يعطي للصراع أبعادًا أوسع، قد لا يدرك البعض عمق تداعياتها على الأوضاع الميدانية على الأرض.
موسكو على خط الأزمة
وتحاول واشنطن إصلاح سياساتها داخل أفغانستان بعد دخول أطراف جديدة إلى الساحة ومحاولة استثمارها للأزمة تحت ذريعة العمل على إقرار السلام، فقد نظمت موسكو مباحثات سلام دعت إليها الولايات المتحدة وعددًا من الدول المجاورة كالصين وباكستان، ووافقت قيادة طالبان على حضورها، ما أثار مخاوف الإدارة الأمريكية التي رفضت الدعوة سارعت بالدفع بالحكومة الأفغانية لإيقاف الأمر.
وأعلنت الولايات المتحدة أن المباحثات التي كان مقرر لها الرابع من سبتمبر الجاري، من غير المحتمل أن تساعد على تحقيق السلام، وتنظر لها على أنها مجرد محاولة لاستباق خطواتها في أفغانستان، ومزاحمة نفوذها هناك.
وبعد مكالمة هاتفية بين الرئيس الأفغاني أشرف غني، المدعوم من الولايات المتحدة، ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أعلنت موسكو إرجاء المباحثات ولم تحدد موعدًا بديلًا، لكن نائب وزير الخارجية الروسية، صرح لوكالة «سبوتنيك» بأن «طالبان» مستعدة للحضور في الموعد المؤجل، الذي قد يكون في الخريف أو حتى في نهاية هذا العام.
من جهته أعرب السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، عن عدم تفاؤله بجدوى المحادثات؛ مبينًا أنه من المستبعد في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، التوصل لاتفاق سلام والتنازل عن نفوذه في أفغانستان بهذه السهولة، إذ أنه يتبع سياسة تهدف للحصول على أكبر قدر من المكاسب من الأزمات الدولية، وتغريم الدول الأخرى ثمن التدخلات الأمريكية حول العالم، مشيرًا إلى أن المصالحة عملية مركبة، نظرًا لتداخل التعقيدات العرقية والقبلية مع المشكلات السياسية ما يجعل من الضروري إجراء مصالحات داخلية أولا قبل الحديث عن الأطراف الخارجية.
وأضاف لـ«المرجع» أن سبب الرفض الأمريكي لتدخل موسكو أن الأخيرة تهدف من وراء رعايتها المفترضة لمحادثات السلام إلى الحصول على قدر من النفوذ في أفغانستان الجديدة، ولعب دور ما في الساحة الأفغانية في المستقبل، وهو ما يثير قلق الساسة في واشنطن.