«لوبوان»: أفريقيا ميدان الصيد المفضل لعملاء فرنسا السريين
الإثنين 17/سبتمبر/2018 - 08:21 ص
طباعة
بادوان إيشاباس
عشرون سنة -تقريبًا- مرت على رحيل المهندس «جاك فوكار» المستشار الشخصي للرئيس الفرنسي «ديغول» في بداية الستينيات، ومؤسس «فرنسافريك» (فرنسا الأفريقية).
وعملت هذه المؤسسة على إنشاء شبكات نفوذ، استطاعت عبرها فرنسا أن تبسط هيمنتها ونفوذها على مستعمراتها القديمة بأفريقيا، من خلال دبلوماسية موازية معقدة، انتهجتها وزارة الخارجية الفرنسية، وأدمجت عملاء سريين وقدامى الدبلوماسيين، وتخدم دون تمييز مصالح فرنسا وكبريات الجماعات الفرنسية.
في كتابهما «جواسيسنا الأعزاء في أفريقيا»، -الذي قدمت صحيفة لوبوان الفرنسية عرضًا له- يحاول الصحفيان «أنطوان جلازر، وتوماس هوفنونغ»، الإجابة عن السؤال الشائك، ماذا تبقى من شبكات «فوكار» (Foccart) في جنوب المتوسط؟
ويهتم الكتاب بنجاحات وإخفاقات شبكات الجاسوسية التي ترعاها فرنسا في جنوب المتوسط، كما يتعرض «جلازر، وهوفنونغ»، للسيطرة الفعلية التي تمارسها اليوم باريس على القارة الأفريقية.
ويلاحظ المؤلفان أن المشهد تغير تمامًا، خصوصًا بعد رحيل رئيس الغابون سابقًا «عمر بونغو» في 8 يونيو 2009، وتحرر العديد من الزعماء الأفارقة من وصاية القوة الاستعمارية القديمة، بربط علاقات شراكة مع وكالات استخباراتية أجنبية.
وإن كان عقيد من المديرية العامة للأمن الخارجي، يتباهى بلقاءاته الأسبوعية برئيس جمهورية أفريقيا الوسطى «فوستين آرشين توديرا» في «بانجي»، فإنه في غالبية البلدان، خاصة في «تشاد، الكاميرون، الكونغو وتوجو»، وجدت مصالح المخابرات الفرنسية، اليوم نفسها، في مواجهة منافسة متزايدة للأجهزة «الصينية، الأمريكية، العربية، وكذلك الروسية والإسرائيلية»، بحسب الكتاب.
صخصة أجهزة المخابرات
ويشير الكتاب، إلى انتشار ظاهرة «سماسرة» قطاع خاص، يعرضون خدماتهم في دعم مصالح المخابرات المحلية في مهام المراقبة الداخلية، أو في التدريب، وتقدم معظم هذه الشركات الصغيرة نفسها كشركات استشارة بريئة وغير مؤذية، غير أن من أسسها هم ضباط فرنسيون سابقون، حريصون على التمسك بعلاقاتهم مع مسؤوليهم في السلم الهرمي للسلطة.
وسيكون لهذه الخصخصة لعالم المخابرات انعكاساتها، وهو ما سنلاحظه وقت محاكمة ضابطين سابقين من المديرية العامة للأمن الخارجي، وضعا رهن التحقيق يوم 12 سبتمبر الماضي، من قِبل العدالة الفرنسية بتهمة «تكوين عصابة أشرار» و«حيازة متفجرات»، وفقًا لما تناوله الكتاب.
ومن خلال عشرة فصول، حافلة بالحقائق المثيرة، يُظهر «أنطوان جلازر، وتوماس هوفنونغ» كيف تطور عمل «جواسيسنا الأعزاء» في أفريقيا منذ 10 سنوات، كما يستعرض الكتاب الجهاز الفرنسي بأكمله، من خلال وصف جهود هؤلاء الرجال ونساء الظل؛ «للحفاظ على السيطرة» على المناطق الاستراتيجية بامتياز في القارة السمراء.
كما يحاول المؤلفان فهم الأسباب التي أدت إلى فشل العديد من العمليات، خاصة تلك المتعلقة بتحرير «دوني ألكس»، العميل الفرنسي الذي وقع رهينة في الصومال عام 2009.
ويذكر الكتاب الانعكاسات السلبية للحرب الضروس التي خاضها داخل وزارة الدفاع، كل من المديرية العامة للأمن الخارجي، ومديرية المخابرات العسكرية؛ حيث تستاء الأولى أن يفقد جهازها في التدخل زمام القيادة أمام قيادة القوات الخاصة.
تبادل المجاملات
ولا يخفي الكتاب شيئًا عن انحطاط بعض العملاء، حيث تمر أحيانًا مهمة الدفاع عن مصالح الراية الفرنسية، عبر «أعمال دنيئة» الهدف منها ترويض الحكومة المحلية.
وفي اللعبة التي تخوضها جماعات عديدة، يؤدي «المراسلون الشرفاء» الكورسيين، دورًا مصيريًّا؛ حيث شكلت العديد من عائلات جزيرة الجمال (كورسيكا) شبكة مثيرة عبر كامل أفريقيا؛ حيث يديرون كازينوهات وملاهي ليلية، وتسمح العلاقات التي تربطهم بالوسط بـ«معالجة بعض الملفات الحساسة»، تاركة للأجهزة الفرنسية إمكانية نفي تورطها المباشر لفرقها، بحسب الصحفيين.
وتبرر مصالح المخابرات هذه الترتيبات في القانون، بالأهمية التي تكتسبها القارة الأفريقية، بالنسبة للأمن، أو من أجل استقلال فرنسا، سواء كان الأمر يتعلق بتعقب «بؤر التعفن» الإسلاموية للتصدي لأعمال العنف التي تحضر لها ضد الأراضي الفرنسية، أو حماية طرق الإمداد التي تمر عبرها المواد الأولية الضرورية للصناعة الفرنسية، بحسب «جواسيسنا الأعزاء».
وعند قراءة التحقيق الذي أجراه «جلازر وهوفنونغ»، سنفهم جيدًا أن الخلية الفرنسية التي تجتمع تحت سلطة «فرانك باريس» كل أسبوع، على بعد خطوتين من قصر الإليزيه والقطاع «N»، في قلب المديرية العامة للأمن (جهاز لا يتكفل إلا بالشؤون الأفريقية)، ما زال أمامها مستقبل زاهر.