«الإخوان» و«الصوفية».. تناقضات المرشد وأتباعه
الخميس 20/سبتمبر/2018 - 06:18 م
طباعة
دعاء إمام
قبل بلوغه الرابعة عشر من عمره، ألحّ الصبي حسن البنّا (مؤسس جماعة الإخوان عام 1928) على تاجر يُدعى بسيوني العبد؛ كي يقدمه إلى عبدالوهاب الحصافي (ابن شيخ طريقة الحصافية الصوفية)، طامعًا في مبايعة الشيخ، وأخذ العهد الذي يمكنه من تخطي مرتبة مُحب ليصبح مريدًا للطريقة، فكان مواظبًا على الحضرة التي تقيمها الطريقة كل ليلة بالمسجد.
في حين يعيب الإخوان على الصوفيين الذين يرغبون في الاحتفال بيوم عاشوراء، زيارة مقام الإمام الحسين بالقاهرة، وتعلقهم بحبِّ آل البيت، متناسين اعتراف البنّا في سيرته الذاتية (مذكرات الدعوة والداعية): "كنا في كثير من أيام الجُمع التي يتصادف أن نقضيها في دمنهور، نقترح رحلة لزيارة أحد الأولياء الأقربين من دمنهور، فكنا أحيانا نزور دسوق، فنمشي على أقدامنا بعد صلاة الصبح مباشرة، حيث نصل حوالي الساعة الثامنة صباحًا، فنقطع المسافة في ثلاث ساعات، ونزور ونصلي الجمعة، ونسترح بعد الغداء.. وكنا أحيانًا نزور عزبة النوام؛ حيث دفن في مقبرتها الشيح سيد سنجر من خواص رجال الطريقة الحصافية".
المؤسس «الدرويش»
كانت مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور (عاصمة محافظة البحيرة شمالي مصر) التي التحق بها البنّا (1906-1949)، أحد المبانِي الملحقة بضريح ومدفن الحصافي (شيخ الطريقة)، وكانت تضم قواعد مسجد لم يكتمل بناؤه آنذاك؛ فتعلق قلب الصبي بشيخ الطريقة، وخرج مع أتباعها ومريديها في حشودٍ للاحتفال بالموالد، زار أضرحة المشايخ، وتغنى بقصائد وأناشيد الطريقة.
ليس أدل على صوفية البنّا في بداية نشأته من ما ورد في مذكراته الموسومة بـ«مذكرات الدعوة والداعية»، إذ قال: «أذكر أنه كان من عادتنا أن نخرج في ذكرى مولد الرسول بالموكب بعد الحضرة، كل ليلة من أول شهر ربيع الأول إلى الثاني عشر منه من منزل أحد الإخوان، وتصادف أننا في إحدى الليالي، كان الدور على أخينا الشيخ شلبي الرجال، فذهبنا على العادة بعد العشاء فوجدنا البيت منيرًا نظيفًا مجهزًا، ووزع الشربات والقهوة والقرفة على مجرى العادة، وخرجنا بالموكب ونحن ننشد القصائد المعتادة».
للمزيد: حسن البنا ورفاعي طه.. أفكار متشددة لم تُهذّبها الصوفية
خروج على الصوفية
تبدّل موقف مؤسس الجماعة وأتباعه من الصوفية، بعد العام 1928، فلم يتوان الإخوان من وقتها عن الأسطوانة المشروخة، التي تفيد بأن شيخهم أخذ من الصوفية ما يتناسب مع الدين، فلم يزر القبور أو يتبرك بالموتى، ولو قرأوا فيما خطه البنّا بيده في سيرته الذاتية لتساقطت مزاعمهم كالغبار.
جعلت الجماعة من مرشديها حملةً لمشاعل التنوير؛ فكتب البنّا مقالات ملأ بها مجلة الإخوان المنبثقة عن الجماعة، يطالب الطرق الصوفية بالإصلاح، وجاء المحتوى مناقضًا لموقفه القديم من الصوفية، فتساءل: «أيرضى النبي بهذه الخزعبلات التي ابتدعها القوم بعده، فجاءت مهزلة وأي مهزلة بهذه الجماعات الكسولة التي لا تجتمع في الميادين لتخيف العدو أو تنصر الدين، بل لتزعج السكان ليلاً بالصياح وقرع الطبول، فليجمع أهل الطرق رأيهم وليخططوا هذه الخطوة الصائبة، ولينظموا صفوفهم ويهذبوا نشيدهم أو يخلقوه خلقًا جديدًا».
ووجه البنّا بأن تجتمع تلك الكتائب بعيدًا عن الموالد، قائلاً: «ليشتركوا في الرياضة والسباحة وركوب الخيل واستعمال السيوف والتمرن على الكشف والعسكرة، فإن تلك القوة لو تجمعت، وتلك الجيوش الجديدة لو تجمهرت، وتلك الكتائب لو تكاتفت لنفعتنا وقت الفاجعة».
وبحسب إخوان ويكي (موسوعة إلكترونية للجماعة) فإن: «دور الإخوان لم يقف عند دعوة الطرق الصوفية إلى الإصلاح وإلى الاجتماع على إصلاح الأمة، بل تعداه إلى محاربة البدع والضلالات التي راجت بين كثيرين منهم عند الزيارات البدعية للأضرحة، والتبرك بالقبور، ودعاء الأموات، وتعليق التمائم.. وغيرها، فأعلن الإمام «البنّا» على هذه الأشياء، وكان من أساليب الإخوان في هذه الحرب أن يوزعوا على أئمة المساجد وخطبائها خطبة جمعة تتحدث عن «مفاسد المتصوفة».
وقالت إن من أهداف الجماعة مقاومة العادات الضارة اقتصاديًّا أو خلقيًّا أو في ذلك، وتحويل تيار الجماهير عنها إلى غيرها أو تهذيب نفسها تهذيبًا يتفق مع المصلحة، وذلك كعادات «الأفراح والمآتم والموالد والزار والمواسم والأعياد»، مع وضع بند في اللائحة الاقتصادية للجماعة يقضي بأن يجمع مكتب الإرشاد مبلغًا من المال في المولد النبوي.
تناقض
لم يجتمع الإخوان على رأي واحد فيما يخص الموالد، زيارة الأضرحة وحضور الموالد، فمنهم من مَلَك الحجة المغالية في مديح الصوفية واعتدالها، ومنهم من ملك حجة مناقضة، إذا استند المؤيدون إلى تعريف جماعة الإخوان بأنها «دعوة سلفية صوفية»، والعودة إلى تنشئة المؤسس، مثلما فعلت قيادات الجماعة وأبرزهم عصام العريان، وجمال حشمت، الذين واظبوا على حضور بعض الموالد منها «المرسي أبوالعباس بالإسكندرية».
أما الفريق الآخر، فلا يتوانى عن الشكوى من هيمنة الصوفية على المجتمع المصري، ويصفونهم بـ«القبوريين»، وحرَّموا الاحتفال بالموالد، وزيارة الأضرحة، وهم من أتباع منظّر جماعة الإخوان «سيد قطب» الذين يُعرفون بـ«التيار القطبي» نسبة له.
تفنيد أباطيل الجماعة
قال الدكتور علي عبدالباقي شحاتة، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الأسبق، أن التصوف الحقيقي له أمجاد في التاريخ الإسلامي، وكان للتجار المتصوفة ومشايخهم دور في نشر الإسلام في أفريقيا وشرق آسيا، وهؤلاء صدروا صورة حسنة عن الدين، ولم يكونوا يومًا واجهة للتشدد.
وأضاف لـ«المرجع» أن الصوفية لم تكن يومًا مصدرًا للإرهاب أو العنف، بل كانت وسيلة لنشر المحبة والمودة بين الناس، مقترحًا نشر الفكر الصوفي في السجون، لتقويم سلوك المساجين الإخوان وغيرهم؛ كي يعودوا إلى الدين الوسطي، ويتخلون عن العنف والتشدد.
وعن مشروع الإصلاح الذي تحدث عنه البنّا، قال «شحاتة»: إن إصلاح مسار التصوف يكون عن طريق الإعلام والتربية والتعليم، ووضع نموذج لخطاب ديني ينتشل المفرطين والغلاة، ويعود بالناس إلى الوسطية، وليس الإخوان كما يزعمون.
للمزيد: التصوف المتشرّع.. دروس العلم تُهدد حلقات الذكر