بعد وصفها بـ«جرائم حرب».. اشتباكات طرابلس تدفع البعثة الأممية لتغيير خطتها في ليبيا
السبت 22/سبتمبر/2018 - 08:38 ص
طباعة
عبدالهادي ربيع
لعبت البعثة الأممية للدعم في ليبيا، ورئيسها غسان سلامة، دورًا لا بأس به في محاولة تهدئة الأوضاع المتأزمة في العاصمة الليبية طرابلس، من خلال لقاء الترتيبات الأمنية في مدينة الزاوية غرب طرابلس الذي خرج بقرار لوقف إطلاق النار وإقامة هدنة بين الأطراف المتحاربة، إلا أن القرار اخترقته عدة جهات لعدة مرات منذ توقيعه، 4 سبتمبر الجاري.
وحمل صباح الخميس 20 سبتمبر، خبر تجدد الاشتباكات في طرابلس بين قوات اللواء السابع مشاة (منشقين عن وزارة الدفاع في حكومة الوفاق ويتمركزون في ترهونة)، وميليشيا ثوار طرابلس (يقودها هيثم التاجوري والمدمجة بوزارة الداخلية في حكومة الوفاق).
وعلى جانب آخر اشتبكت قوات الأمن المركزي أبوسليم (تابعة لوزراة الداخلية في حكومة الوفاق) مع لواء الصمود (ميليشيات مستقلة يقودها صلاح بادي).
وسرعان ما تطورت تلك الاشتباكات يوم الجمعة 21 سبتمبر لتصبح أكثر عنفًا، ما أدى إلى مقتل 96 قتيلا و306 جرحى كحصيلة كلية ونهائية للاشتباكات منذ انطلاقها، مطلع سبتمبر الجاري.
واستخدمت الميليشيات المسلحة -بحسب بيان وزارة الصحة التابعة لحكومة الوفاق الليبية- الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، إضافة إلى إلقاء القذائف العشوائية على منازل المواطنين، خاصة في جنوب العاصمة الليبية طرابلس بمناطق خلة الفرجان وصلاح الدين ووادي الربيع، ما أدى لنزوح عشرات العائلات الليبية هربًا من الاشتباكات العنيفة.
البعثة الأممية تهدد.. وغياب الدور المدني
في بيان رسمي، أدانت البعثة الأممية اندلاع الاشتباكات في العاصمة الليبية طرابلس، حيث وصفت في بيانها ممارسات الأطراف المتقاتلة بجرائم حرب وأنها قد تلجأ إلى الجنائيَّة الدولية لملاحقة من سمتهم بالعابثين بالأمن العام.
وخصت البعثة في بيانها لواء الصمود الذي يقوده صلاح بادي داعية للالتزام بقرار وقف إطلاق النار الفوري، مشيرةً إلى أن «استهداف المدنيين والمنشآت المدنية يعتبر من جرائم الحرب».
وفي وسط هذه المعارك الدموية اختفت النخب السياسية والحقوقية والثقافية الليبية، وراحت تغرد في الفراغ الإلكتروني إذ وقفت جميعها عند مرحلة الإدانة وانتظار المنتصر لتدعمه، في ظل تعقد المشهد وغياب الرؤية.
وكان على رأس تلك الكيانات حزب العدالة والبناء الممثل لجماعة الإخوان، الذي اكتفى بمجرد بيان مقتضب لإدانة الاضطراب الأمني الأخير، مقارنة بفيض البيانات التي كان يصدرها الحزب إبان معارك الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على الإرهاب في المدن الليبية المختلفة في الشرق، خاصة في بنغازي وصلت إلى حد وصف كفاح الجيش الوطني بـ «جرائم الحرب».
محاولات الصلح
المبادرات الفعليَّة للصلح كانت من نصيب عواقل القبائل الليبية التي عقدت عدة مؤتمرات في المدن المختلفة، آخرها الاجتماع الذي عقد السبت 15 سبتمبر 2018 تحت مسمى «اللقاء الوطني العام للقبائل والمدن الليبية في ترهونة»، تحت شعار «نعم من أجل ليبيا»، واجتماع القبائل ببلدية أجخرة، يومي 16 و 17 من سبتمبر الجاري.
وأكدت مخرجات المؤتمرات القبلية أهمية الحرص على وحدة التراب الليبي، ودعم القيادة العامة للجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، والإسراع في اتخاذ قرارات من شأنها إخراج البلاد من الأزمة السياسية المستفحلة، التي تعاني منها منذ الثورة الليبية فى عام 2011، وتفعيل دور القضاء، ورفض وجود جميع التشكيلات المسلحة الإرهابية خارج إطار القوات المسلحة الليبية.
ويأتي هذا الدور القبلي بعيدًا عن الدور الأممي الذي تجاهل القوى القبلية نتيجة ارتباطه بالعاصمة التي تضعف فيها قوة القبيلة، كما أن البعثة الأممية تهتم أكثر بالميليشيات والكيانات المسلحة والفاعلين السياسيين، في حين أن أغلب الاجتماعات القبلية تدعو إلى دعم حكومة الشرق والجيش الوطني.
الدور الأممي من الوساطة إلى الوصاية
تعدى الدور الأممي في ليبيا -بحسب مراقبين- دور الدعم والوساطة في ليبيا، إلى دور الوصاية وإدارة البلاد، باعتبار أن حكومة الوفاق هي إحدى مخرجات الجهد الأممي الذي رعى اتفاق الصخيرات، وظهر ذلك في عدد من الأمور أبرزها إعلان قرارات المجلس الرئاسي قبل توقيعها، مثل قراراته بالإصلاح الاقتصادي، وذلك قبل توقيعها وإعلانها بساعات الأسبوع الماضي.
ولا يقف سلامة عندما اعتبر تدخلًا في القرارات فحسب، فغداة اندلاع الاشتباكات في العاصمة طرابلس، خرج المجلس الرئاسي ومجلس الدولة ببياني إدانة هزيلين، فيما انتزع سلامة دورهما الافتراضي، جامعًا أطراف النزاع في مدينة الزاوية ليخرج باتفاق سياسي على وقف إطلاق النار دون أي دور من المجلس الرئاسي ومجلس الدولة، سوى ببعض المندوبين المشاركين في الاتفاق، حيث قرر المجلس الرئاسي على أثر ذلك عقد اجتماع لتشكيل لجنة لمتابعة وقف إطلاق النار الموقع في الزاوية وأذن لها بالتواصل المباشر مع البعثة.
تلميحات بتغيير الخطة الأممية
ألمح غسان سلامة في إحاطة له باجتماع مجلس الأمن الأخير التي جدد له على إثرها 13 سبتمبر 2018 بإمكانية تغيير الخطة الأممية في ليبيا التي تقوم بالأساس على العمل على الأبعاد الداخلية (لم شمل الليبيين وإعادة إحياء وتحرير وتعزيز وتوحيد المؤسسات الليبية) ثم الخارجية (حضانة دولية مؤازرة لهذا العمل الداخلي) للتوصل إلى حل الأزمة الليبية وفق ما أعلنه غسان في مؤتمر صحفي في الأول من مايو 2018 .
وكانت الخطة الأممية تعمل على عدة محاور أهمها محاولة تعديل الاتفاق السياسي الليبي بين الفصائل الليبية في مدينة الصخيرات المغربية 2015، خاصة بعد إهمال عدد من الفاعلين الرئيسيين في الاتفاق، على رأس هذه الأطراف القائد العام للجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، إلا ان سلامة فاجأ الجميع بتصريح نشره موقع أخبار الأمم المتحدة بأن خطة عمله لا تعتمد بشكل أساسي على تلك التعديلات، وأنه كلما اقتربت ليبيا من إجراء الانتخابات، أصبحت تعديلات الاتفاق السياسي أقل أهمية، مؤكدا أن العمل من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية قبل نهاية العام، يتصدر أولويات الأمم المتحدة.
يذكر أن مؤتمر باريس الدولي حول ليبيا الموقع تحت رعاية الأمم المتحدة بمشاركة نحو 20 دولة و4 منظمات دولية بحضور رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج والمشير خليفة حفتر وعقيلة صالح عيسى رئيس البرلمان المنتخب عام 2014 ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، ومن أبرز مخرجات المؤتمر الدعوت إلى تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل ديسمبر 2018 بحضور واعتماد القوانين الانتخابية الضرورية بحلول 16 سبتمبر 2018، وهو ما لم يتم حتى الآن.
من جانبه يرى الباحث المتخصص في الشأن الليبي عبدالستار حتيتة أن مشكلة البعثة الأممية في ليبيا أنها ضعيفة، أمام تجاذبات القوى الدولية ذات المصالح في الملف الليبي وكذلك أمام أطماع الأطراف المختلفة في الداخل.
وتابع «حتيتة» في تصريح خاص لـ«المرجع»، أن البعثة الأممية غير قادرة على مد يد العون بشكل حقيقي لليبيين، وأن الإجراءات التي اتخذتها في الفترة الأخيرة مجرد إجراءات شكلية، إذ أنها لا تمتلك القدرة على تثبيت أي وضع على الأرض، ولن تتمكن حتى من مساعدة المجلس الرئاسي الذي جاءت به الأمم المتحدة.
وأضاف أن حكومة الوفاق، تضربها انشقاقات حادة، ظهرت من خلال رفض آمر المنطقة الغربية العميد أسامة الجويلي لإطاعة أوامر السراج في الدخول إلى جنوب العاصمة لوقف الاشتباكات، وبالتالي خريطة الأحداث في طرابلس أصبحت خارج سيطرة المجلس الرئاسي وبالتالي خارج سيطرة وتصورات البعثة الأممية.
وربط «حتيتة» ما بين اجتماع الزاوية وقرار الأمم المتحدة بالتمديد، للبعثة الأممية، مؤكدا أن البعثة حاولت من خلال لقاءات مكوكية، وقف إطلاق النار في طرابلس، لتحصل على التجديد في مجلس الأمن، مشيرًا إلى أن اجتماع الزاوية لم تحضره الجهات الفاعلة، وأطراف الصراع.
وبخصوص الانتخابات المزمع عقدها نهاية هذا العام استبعد حتيتة أن تنفذها البعثة الأممية في موعدها؛ خاصة في ظل هذه الاشتباكات، وتعقد الوضع السياسي، ملمحًا إلى أن البعثة لا تعتمد بشكل كافٍ على مخرجات مؤتمر باريس الذي لا يلقى ترحيبًا من بعض الأطراف الدوليين المهتمين بالشأن الليبي كإيطاليا، وأن مخطط سلامة كان يفترض أن يقوم على حكومة مؤقتة من الشرق ومن الغرب ترعى الانتخابات والتعديلات الدستورية.