اتفاق سوتشي.. الانتهازية تُحرك أنقرة للعب بورقة «تحرير الشام»

السبت 22/سبتمبر/2018 - 08:41 ص
طباعة اتفاق سوتشي.. الانتهازية سارة رشاد
 
اتخذ الحديث عن مصير هيئة تحرير الشام (كبرى الفصائل الإرهابية في سوريا) أولوية لدى الرئيسين الروسي والتركي، فلاديمير بوتين، ورجب طيب أردوغان، قبل إعلانهما اتفاقا توصلا إليه أخيرًا، يوم الإثنين 18 سبتمبر الجاري، بخصوص مدينة إدلب السورية، الاتفاق الذي يدعى اتفاق سوتشي (نسبة لمدينة سوتشي الروسية عروس البحر الأسود، الواقعة شمال الحدود الروسية الجنوبية) يقضى بإقامة منطقة عازلة تفصل شمال المدينة عن جنوبها لتباعد بين قوات النظام السوري والفصائل المسلحة بعمق 15: 20 كيلو مترًا، بحلول 15 من أكتوبر المقبل، مع إلقاء الفصائل سلاحها الثقيل.



ورغم أن الاتفاق لا يخص «تحرير الشام» على وجه التحديد، لكن خصوصية ما تحظى بها«الهيئة»، سببها اعتبار «تحرير الشام» الفصيل الأكبر في سوريا، والأكثر ترتيبًا، لا سيما سيطرتها على 60% من مدينة إدلب، ما يعني أن إقامة منطقة عازلة سيمس بشكل أساسي مناطق نفوذ «الهيئة».



وعليه باتت «الهيئة» التي ظلت تابعة لتنظيم «القاعدة» حتى 2016، مطالبة بتسليم سلاحها، والتحرك شمالًا، لتترك خلفها قطاعًا من مدينة إدلب التي لم يتبق غيرها في أيدي الارهابيين بعدما نجح الجيش السوري بمساعدة الحليف الروسي في استعادة جل الجغرافيا السورية.

للمزيد:

«المرجع» يجيب.. أين يذهب إرهابيو سوريا بعد معركة إدلب؟

«تحرير الشام».. الرفض الصريح

دون غيرها من الفصائل الإرهابية التي وقف أغلبها في منطقة باهتة بين دعم غير كامل للاتفاق ورفض خجول خوفًا على موقف الحليف التركي، كانت «هيئة تحرير الشام» صاحبة الموقف الواضح، حيث بدأت الهيئة منذ اللحظة التي خرج فيها الاتفاق إلى النور في حملة تشكيك واسعة، مطالبة الفصائل برفض إلقاء السلاح أو مغادرة أماكنهم.



 واعتمدت «الهيئة» في رفضها على مشرعيها الذين ساقوا تفسيرات دينية تكفّر الموافق من الفصائل على الاتفاق، ومن ثم إباحة دمه، معتبرين أن إلقاء السلاح بمثابة خيانة للدين.



وفي مشاركة كتبها القيادي بـ«الهيئة»، عبدالغفور الدالاتي، عبر قناته على «تيليجرام»، قال: «كل من يدعو إلى تسليم السلاح الخفيف وما فوقه يجب جز رقبته فورًا ولو كان أكبر قائد موجود من دون حتى نقاشه».



 وتابع: «إن المنطقة التي يقضى الاتفاق بالانسحاب منها تم تحصينها سواء بالأنفاق أو إقامة المتاريس، معتبرًا أن موافقة روسيا حليف النظام السوري على العرض التركي لإقامة منطقة عازلة، جاء اضطراريًا بعدما تيقنت موسكو، (على حد قوله) من صعوبة تجاوز التحصينات التي أقامتها الفصائل».



وتحريضًا على الرفض، وجه الدالاتي كلامه إلى الإرهابيين الذين سيرفضون إلقاء سلاحهم، قائلًا إنهم سيتلقون اتهامات بالدعشنة، نسبة لتنظيم «داعش».


«تحرير الشام» وتركيا ..عداء جديد

إن كانت الفصائل المدعومة من تركيا، هي تلك الجهة الأولى التي صوبت إليها «تحرير الشام» هجومها، بحكم موافقتها على الاتفاق المعقود برعاية تركية، فالهجوم الأكبر كان من نصيب أنقرة نفسها، حيث أقرت «الهيئة» بدوافع تركيا «الانتهازية»، على حد وصفها، في إدلب، كما شبّهت «الهيئة» في مقالة نشرتها وكالة «إباء»، الذراع الإعلامية لها، تحت عنوان: «لماذا منطقة منزوعة السلاح في إدلب؟»، الاتفاق بـ«منعطف جديد مفصلي بين خيار الاستسلام والخنوع للقرارات التي مآلها الفشل والعبث أو الصمود والاستمرار في ثورة الحق والكرامة».



في الاتجاه ذاته، عقب القيادي بالهيئة، الأسيف عبد الرحمن، متسائلا عبر قناته على «تيليجرام»، عن «المعيار الحاكم» لتعاون الفصائل مع تركيا، معتبرًا أن الاتفاق القاضي بإلقاء سلاح الفصائل لا يضمن مصلحة الفصائل، بل يرعى الأمن القومي لتركيا فقط.

 وعبّر عن استغرابه من موافقة الفصائل المدعومة تركيًا على الاتفاق، رغم تضمنه التجريد الكامل من السلاح والأرض.

ولفت إلى أن هذه الفصائل اعتادت اتباع تركيا بدون تفكير، مشيرًا إلى استخدام سياسي للفصائل تتبناه أنقرة.

 

 وهذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها «تحرير الشام» تركيا بهذا الشكل، منذ التقارب الذي بدأ بين الهيئة وأنقرة، نهاية العام الماضي، ووصفت «الهيئة» تركيا، عبر قنواتها، بـ«الدولة العلمانية الكافرة»، وهو التوصيف الذي لم تطلقه «تحرير الشام» على تركيا حتى بعدما أدرجت الأخيرة «الهيئة» كيانًا إرهابيًا، في 31 من أغسطس الماضي، أو حتى بعد الدور المعلن الذي تلعبه أنقرة منذ مؤتمر (الآستانة 9)، الذي أُقيم في العاصمة الكازخستانية، منتصف مايو الماضي، وتعهدت فيه أنقرة لروسيا بإقناع «تحرير الشام» بحل نفسها.



من جانبها تتبنى «تحرير الشام»- منذ تدشينها في 28 يناير 2017- رأيًا فقهيًّا في نظام الحكم التركي، إذ تراه  نظًاما كافرًا لا يحتكم للشرع، إلا إنها كفت عن ترديده منذ سيطرت على مناطق الشمال السوري القريبة من الحدود التركية، وفرضت عليها المصلحة ضرورة التعاون مع أنقرة.



وتسبب هذا التقارب في زيادة الشرخ بين «تحرير الشام»، ومرجعيتها الفكرية «القاعدة»، إذ اتهمها التنظيم الإرهابي بالتعاون مع «تركيا الكافرة»، ما حدا بالهيئة تجاهل موقف «القاعدة»، محتفظة بمصالحها مع تركيا، حتى توقيع عقد اتفاق سوتشي الذي عاد بـ«تحرير الشام» إلى موقفها القديم.

 

 للمزيد:

«تحرير الشام» على طريق التفكيك.. والورثة جاهزون

صدام متوقع

بينما تتخذ «تحرير الشام» موقفًا صريحًا مفاده رفض تسليم السلاح والتهديد بتصفية كل من يدعو لذلك من الفصائل، تراهن تركيا من جانبها على إقناع الهيئة بالموافقة خلال الشهر المتبقى على تنفيذ الاتفاق.

 

وإن كانت تركيا تبذل منذ أكثر من شهرين جهودًا للحيلولة دون دخول النظام السوري إلى إدلب باعتبارها المدينة الأخيرة التي مازالت تحت سيطرة الفصائل، وبفقدها تفقد أنقرة آخر أوراقها داخل المشهد السوري، إلى جانب فقدها للمكاسب العسكرية التي حصدتها من عملية غصن الزيتون (نفذتها تركيا بداية العام الجاري لإفشال أي طموحات في إقامة دولة كردية على الحدود السورية التركية)، فتعتبر موافقة روسيا على الاتفاق المقدم بمقترح تركي كان بمثابة فرصة أخيرة لإنقاذ المصالح التركية داخل سوريا.

 

بناء على ذلك فنجاح الاتفاق يمثل أولوية بالنسبة لتركيا، وفشله يعطي رسالة ببدء العملية العسكرية لروسيا والنظام السوري في إدلب، التي كان مقرر لها، هذه الأيام وعلقها الاتفاق.

ويظل نجاح الاتفاق أو فشله مرتبطًا بمدى قدرة أنقرة على إقناع «هيئة تحرير الشام» بترك المنطقة العازلة المتفق عليها وإلقاء السلاح... ولكن ماذا إذ لم تقتنع «الهيئة»؟

 

هنا تكون السيناريوهات مفتوحة، خاصة أنه بذلك تكون روسيا وتركيا اللتين تدرجان «تحرير الشام» كيانًا إرهابيًّا في جهة، و«الهيئة» في الجهة الأخرى، ما يعني أن المعركة القادمة ستكون مع «تحرير الشام». وعليه فالتعامل مع «تحرير الشام»، سيكون مهمة أنقرة بناء على علاقة تركيا بالفصائل في إدلب.



ويتوقع أن تتبع تركيا ثلاثة سبل: الأول هو أن تحرك أتباعها داخل إدلب ممثلين في «أحرار الشام»، و«الجيش السوري الحر» للصدام مع «الهيئة» بغرض تفكيكها. ويعزز ذلك ما نشره القيادي بـ«تحرير الشام»، عبد الغفار الدالاتي، بخصوص اختطاف أفراد من «الهيئة»، إذ كتب، أمس الأربعاء، عبر قناته على «تيليجرام» : «عمر الفارس المنتسب لأحرارالشام يعتقل 3 مجاهدين من هيئة تحريرالشام على مفرق بلدة حيش لأسباب مجهولة. لا ندري للآن هل هذا الفعل تنفيذا للأمر التركي بقتال هيئة تحرير الشام أم تصرف فردي».



وللرد على ذلك نشر نفس الشخص ذاته، اليوم الخميس،خبرًا بدون تفاصيل عن مبايعة يقدمها مسلحون بالفصائل لـ«تحرير الشام»، اعتراضًا منهم على موقف فصائلهم بالموافقة على الاتفاق الروسي التركي.

 

هذا عن السيناريو الأول، أما الثاني فيميل إلى تحركات قد تقوم بها تركيا لشق صف «تحرير الشام» من الداخل، وفيه تستقطب شريحة من أفراد «الهيئة» يعلنون موافقتهم على الاتفاق، بينما تستمر البقية على الرفض، ما قد يضعف موقف «الهيئة».

 

الخيار الثالث والأخير، يلمّح إلى احتمالية شن تركيا عملية عسكرية مثل «غصن الزيتون» و«درع الفرات» التي شنتها نهاية العام الماضي وبداية العام الجاري، للإطاحة بأحلام الأكراد في دولة على الحدود التركية السورية. ورغم طرح هذه الاحتمال عبر مواقع تركية، فإنه مستبعد إذ يظل الحل العسكري هو الأخير لضخامة تكلفته.

 

كذلك تظل الإطاحة بـ«تحرير الشام» أولوية روسية وتركية مؤقتة، يترتب على تجاوزها تمرير كلا الطرفين مصالحهما حتى النهاية. فعلى المستوى الروسي، تمهد موسكو بذلك المشهد أمام الجيش السوري لدخول المدينة وفرض سيطرته بعدما يكون قد أُزيح الطرف الأقوى بين الفصائل من المشهد.

 

أما تركيا فتأمل أن تضحي بـ«تحرير الشام»، مقابل إقناع روسيا بوقف أي تحرك عسكري على إدلب والاحتفاظ بوجود للفصائل هناك. واستفادتها من ذلك هو الإبقاء على نفوذها في الشمال السوري، وضمان تحجيم التهديد الكردي.

 

يشار إلى أن تركيا تخشى انتزاع إدلب من قبضة الإرهابيين العاملين تحت أعينها؛ إذ ترى في وجود المدينة تحت سيطرتهم الضمانة الوحيدة للحيلولة دون أي خطر كردي عليها.

 
بعد مؤتمر «تحرير الشام» الاقتصادي.. «المدنيّة» ملاذ خاسري معارك التطرف

سيناريوهات التدخل الأمريكي في «إدلب».. ترامب يبحث عن الكعكة السورية

شارك