«حريم بلا بيعة».. نساء «داعش» على طريق «الإخوان»

الثلاثاء 25/سبتمبر/2018 - 04:24 م
طباعة «حريم بلا بيعة».. سارة رشاد
 
استقى فقهاء المسلمين تعريف مصطلح «البيعة» من نصوص قرآنية، وعرَّفوها لغويًّا بأنها نظام إسلامي قائم على العهد والطاعة، مستندين فيما ذهبوا إليه للآية الكريمة التي يخاطب فيها الله رسوله: «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»، حين أخذ النبي صلى الله عليه وسلم البيعة من المسلمين رجالًا ونساءً وحتى أطفالًا.

«حريم بلا بيعة»..
لم يقتصر نظام البيعة على عهد الرسول فحسب، بل امتد إلى عصور الخلفاء الراشدين، ومَن جاء بعدهم، مع اختلاف عميق طال مسألة أخذ البيعة من النساء، فبينما أقرَّ الرسول بيعة النساء وفقًا للآية «فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»، فقد تم التوقف عن ذلك الأمر باعتبار أن بيعة الخلفاء تختلف عن بيعة الرسول، فهذه بيعة سياسية والأخرى دينية، ومن ثم فالمرأة ليست لها مشاركة سياسية.



ولعل هذا الفهم الملتوي لمفهوم البيعة ودور المرأة في المشاركة السياسية كان طَبَقًا من فضة قَدَّمت عليه جماعات الإسلام الحركي مشروعها السلطوي، وعلى سبيل المثال، فقد خلت أدبيات جماعة الإخوان الإرهابية من أي بيعة أُخذت من نساء الجماعة، رغم حرص الإخوان على تقديم أنفسهم كحُماة الفهم الشامل والمنفتح للدين، مقارنة بنظيراتها من التنظيمات.

كذلك تغاضت تنظيمات إرهابية أخرى مثل «داعش» و«القاعدة» و«التكفير والهجرة»، و«الجهاد» -وغيرها الكثير- عن بيعات النساء، فيما جاءت «الجماعة الإسلامية» والمدارس السلفية بلا أي بيعة لا للرجل ولا المرأة، ومنطقهم في ذلك أن البيعة لا يُشترط أن تكون شفهية أو كتابية، فيكفي لها الثقة في العضو المنضم.


للمزيد: الطاعة العمياء والولاء المقدس.. «البيعة» في عرف الجماعات الإرهابية
«حريم بلا بيعة»..
الإخوان وبيعة المرأة

لا يختلف تعامل الإخوان مع المرأة عن بقية التنظيمات التي ترى الجماعة أنها أقل منها في فهم الدين، وتنظر الجماعة إلى المرأة كشخص أقل درجة من الرجل، ومن ثم يتوقف ترتيبها داخل التنظيم عند درجة منتسب ومنتظم لا تتخطى هذه الدرجة، ولا تتجاوز تلك المنزلة، وهي درجات أولية في سلم الترقي الذي أعدته الجماعة للأعضاء؛ لكيفية التمييز بينهم.



وتكون المرأة مطالبة في هذه الدرجات بإعلان طاعتها ورغبتها في الانضمام للجماعة ولكن ليس بالنص المعروف عن بيعة الإخوان، ولا في الوضعية التي يؤدي فيها الأخ المُبَايع نص بيعته، وهو الجلوس أمام المرشد، وتلاوة نص البيعة، واضعًا يده على مصحف.



زينب الغزالي، أبرز نساء الجماعة، على الرغم من ثقلها داخل التنظيم إلا إنها أعلنت تبعيتها لمؤسس الجماعة حسن البنّا (1906: 1949) على السلم وبنص ارتجالي، وعن ذلك تقول في مذكراتها التي نشرتها في رواية بعنوان «أيام من حياتي»: « كنتُ ذاهبة إلى صالة دار الشبان لإلقاء محاضرة، والتقيتُ الأستاذ البنا، فقلتُ له ونحن نصعد الدرج: «اللهم إني أبايعك على العمل لقيام دولة الإسلام، وأَرْخَص ما أقدم في سبيلها دمي» فقال: «وأنا قبلتُ البيعة».



يتفق ذلك مع المنظومة الإخوانية تجاه المرأة بشكل عام، فـ«الأخت» داخل الجماعة- حتى قبل 2011 والتغيرات التي دخلت على الإخوان بفعل ما يعرف بـالربيع العربي- كان لا يحقُّ لها تولي أي مناصب إدارية، ولا يكون لها حق الانتخاب، وحال تم تكليفها بأي عمل إداري يُمنح لزوجها أو أخيها المسمى الوظيفي، فيما تتولي هي مسؤولية التنفيذ.



وفسّر، عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين جامعة الأزهر، علي محمد الأزهري، موقف الإخوان من بيعة المرأة بأن الجماعة تؤكد بشكل غير مباشر أنها كيان سياسي وليس دعويًّا ودينيًّا كما تزعم، وأوضح أن البيعة الدينية التي كانت تُقَدّم في عهد الرسول كانت تؤخذ من النساء والرجال، وتوقف العمل ببيعة المرأة منذ انتقل المجتمع الإسلامي إلى النموذج السياسي من حاكم ودولة، باعتبار أن المرأة ليست لها الأهلية السياسية.



وتابع أن اقتضاء الإخوان وجماعات الإسلام الحركي بشكل البيعة السياسية وليس الدينية يعني أن مشاريعهم سياسية هادفة إلى السلطة، وليست مشاريع دينية.

«حريم بلا بيعة»..
الجماعة الإسلامية والسلفيون.. عمل بلا بيعة

على الرغم من كون الجماعة الإسلامية كيان نشأ كبيرًا وله جناح عسكري فإنها لم تكن مهتمة بوضع نص ثابت للبيعة، بل لم تكن مهتمة من الأساس بوجود بيعة لأعضائها لا للرجال ولا النساء، وتفسيرها في ذلك هو أن البيعة لا يُشترط أن تكون لفظية أو كتابية، بل يكفي أن يُعَبّر العضو عن تبنيه الأفكار، ومن ثم يستجيب لما توقعه عليه العضوية من التزامات وسمع وطاعة.



ولا يعني أن الرجل والمرأة ليس لهما بيعة أن كليهما يتساويان في فكر الجماعة، ففهم الجماعة الإسلامية للدين يجعلها كبقية التنظيمات التكفيرية، ترى المرأة «أداة معاونة» وليست الفاعل الأصلي.



ورغم الاجتهاد الشديد الذي بذلته الجماعة لتطويع أفكارها بما يتناسب مع المنظومة الليبرالية عندما قررت تدشين حزب سياسي في 2011 هو «البناء والتنمية» وخوض الانتخابات البرلمانية من خلاله، فإنها عجزت عن تخطي موقفها من المرأة، فظلَّ الحزب بلا سمت نسائي.



فيما مثلت الانتخابات البرلمانية في 2011 عائقًا أمام البناء والتنمية؛ لاشتراط قانون الانتخابات توفير كوتة للمرأة داخل كل قائمة؛ ما أجبر الحزب على الدفع بمرشحات وضعن في ذيل القوائم لإضعاف فرص فوزهن.



وتعليقًا على ذلك قال فؤاد الدواليبي، أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية، في تصريحات لـ«المرجع»: إن سبب تراجع حضور المرأة في تجربة الجماعة الإسلامية عائد إلى قناعتها بأن دور المرأة في المجتمع الإسلامي الأول كان أقل من الرجل، موضحًا أنه رغم ذلك كانت النساء تشارك في بعض العمليات إما للتمويه أو لمساعدة أزواجهن في تنفيذ مهامهم.



واعتبر أن الجماعة دائمًا وحتى الآن لم تعط دورًا كبيرًا لأعضائها من النساء، مكتفية بتمثيلهن من خلال أزواجهن، وفيما يخص تجربة «البناء والتنمية» مع الانتخابات ومعضلة اشتراط حضور المرأة في القوائم الانتخابية، قال إن الجماعة تعجَّلت في تأسيس حزب سياسي، مفضلًا أن تُبعد نفسها عن السياسة باعتبارها كيانًا دينيًّا، وفي نفس الوقت لإدراكها مسبقًا عدم قدرتها على الالتزام بكلِّ مفردات اللعبة السياسية.



السلفية من ناحيتها لا تُصَنَّف كتنظيم، ولكنها مدارس فكرية، ومن ثم فمعتنق المنهج لا يحتاج إلى البيعة للإعراب عن تبنيه له، ولكنه يحتاج فقط إلى قناعات، ونفس الأمر بالنسبة للسلفية، فهي ترى المرأة في مرتبة متأخرة كما تراها الجماعة الإسلامية.



وربما تعَبِّر تجربة حزب النور عن الدعوة السلفية مع الدور النسائي +فيه، ما يدلل على صعوبة تجاوز الحزب نظرته إلى المرأة، فيكفي مطالعة الصور المنقولة عن اجتماعات اللجنة النسائية في الحزب، ويقتصر الحضور فيها على الرجال، كما استبدل الحزب صور المرشحات عنه في الانتخابات البرلمانية في 2011 بصور ورود أو أزواج المرشحات؛ ما يعكس قناعة بأن حضور النساء غير مرغوب فيه.



البيعة من «تنظيم الجهاد» حتى «داعش» و«القاعدة»

لاعتبار أن كل هذه الجماعات خرجت من نفس المنطلق السلفي الجهادي، فيعتبر تصورها عن البيعة بشكل عام متقارب؛ فجميع هذه التنظيمات أقرت البيعة كتقليد ممتد من زمن الخلافة الأول، وجميعهم يرفض بيعة المرأة لتأخر مرتبتها، كما يظنون.



تنظيم «الجهاد» على وجه الخصوص الذي نشأ في مصر على يد المتطرفين سيد إمام وأيمن الظواهري كنواة للتنظيمات التكفيرية الحالية، ووضعَ نصًّا لبيعته «أبايعك على السمع والطاعة في المكره والمنشط وفي ما أحب وفي ما أكره.. إلى آخره»، توقف عن الأخذ بنظام البيعة في الثمانينيات لأسباب كان منها القبض على أغلب القيادات الروحية التي كان يراها أعضاء التنظيم جديرة بأخذ البيعة، وخلت من بعدهم الساحة.



ومنذ هذا الوقت بات كل المنتمين لهذا التنظيم يعملون دون بيعة، إلى أن تحالف «الظواهري» مع أسامة بن لادن، وأثمر هذا التعاون عما يسمى «الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين»، والذي تحول لاحقًا إلى تنظيم القاعدة، فانخرط كثير من أعضاء تنظيم الجهاد في التنظيم الوليد، بالأفكار الراسخة ذاتها والقناعات الجامدة بعينها، بخصوص مرتبة المرأة داخل التنظيم، والتي ظلت كما هي متأخرة.



تنظيما «داعش» و«القاعدة» مؤسسا ظاهرة «الإرهاب العالمي» بدورهما لا يختلفان في النظرة الدونية للمرأة، فكما أنهما يتمسكان بـ«البيعة» اتساقًا مع الهدف الذي يرفعانه، وهو البحث عن «الخلافة الإسلامية»، فإنهما يُحجمان في نفس الوقت عن الأخذ ببيعة النساء، مكتفين في ذلك بأخذ بيعة الزوج باعتباره المسؤول عنها.



للمزيد: المرأة الصوفية.. الحرمان من البيعة وحضور مجالس الذكر

شارك