من باب البوسنة والهرسك.. تركيا تتسلل إلى دول البلقان بعباءة «العثمانيين الجدد»

الجمعة 28/سبتمبر/2018 - 08:32 ص
طباعة من باب البوسنة والهرسك.. شيماء حفظي
 
مازالت الدولة التركيَّة بقيادة رجب طيب أردوغان تستغل كل ما ترى أن استغلاله قد يحقق حلمها بإعادة «الخلافة العثمانيَّة»، ولعل ما يحدث في دول البلقان خيرُ شاهدٍ على ذلك الاستغلال التركي، حتى وإن كان على حساب قضية «إنسانيَّة» في المقام الأول تتعلق بمسلمي البوسنة والهرسك.

«البوسنة والهرسك» واحدة من أبرز مناطق دول البلقان، التي مرت بتحولات كبيرة خاصة خلال الفترة من 1992 – 1995، وهي التي تعرض فيها المسلمون للاضطهاد بشكل عنصري بلغ درجة الإبادة وجرائم الحرب.

وبعد انتهاء ما أُطلق عليه «حقبة التطهير العرقي» التي مارسها الصرب ضد المسلمين، تحاول تركيا الآن مد جذورها في البوسنة والهرسك، مستغلة تعطش المسلمين هناك لرؤية المساجد والعودة إلى روح الإسلام – التي حرمت عليهم سابقًا.

ووفقًا لدراسة بعنوان «النشاط التركي الجديد في غرب البلقان.. الطموحات والعوائق» نُشرت في 2013، فإن تركيا عادت إلى غرب البلقان عام 2009، بعدما تولت رئاسة عملية التعاون لجنوب شرق أوروبا SEECP.

وتبنت تركيا مبادرة بشأن البوسنة والهرسك، لكن ذلك واجه انتقادات تتعلق بأن هذه المبادرة تحركها رغبة أنقرة لاستعادة قوتها ونفوذها السابقين في المنطقة، واتهامات بتغذية اتجاهات إعادة إحياء الماضي العثماني، وهو ما تنفيه تركيا.

وتحاول تركيا إثبات قوتها إقليميًّا وعالميًّا، من خلال تبني أدوار فاعلة في المنطقة المحيطة بها؛ حيث زعم وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، في يناير 2011، بأن تركيا ستصبح في 2023 إحدى أكبر القوى الاقتصادية العالمية، وسيكون لها دور إقليمي وعالمي فاعل، - على حد وصفه.

ووفقا للدراسة فإن الطموح التركي لا يمكن حمله على حسن النية، خاصة وأن فاعلية تركيا في دول البلقان تعزز من هذه المخاوف، وهو ما رصدته الدراسة في خطبة داود أوغلو في سراييفو في 16 أكتوبر 2009، التي أعلن فيها أن أهداف السياسة الخارجية لتركيا هو وضع البلقان والشرق الأوسط والقوقاز مع تركيا في قلب السياسات العالمية في المستقبل، وهو ما تم تفسيره بأنه ترويج لما يسمى بـ«العثمانيين الجدد» بشكل يظهر أن تدخل تركيا في البلقان له طبيعة أيديولوجية لها جذور تاريخية ودينية.

أوغلو لم يكن الوحيد، ففي تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في نوفمبر 2018، خلال كلمة له بمناسبة ذكرى استقلال البوسنة الـ25 ادعى على الملأ أن الرئيس الراحل للبوسنة علي عزت بيجوفيتش حمله أمانة البوسنة؛ حيث قال أردوغان نصًا: «بيجوفيتش أوصاني بالبوسنة قبل وفاته أمسك بيدي وقال: احم البوسنة وارعها».

سبب الاهتمام

اهتمام تركيا بمنطقة البلقان، يعود لخمسة أسباب، وهي:

أولا: التاريخ الطويل المشترك لتركيا مع شعوب البلقان وبالتالي معرفة الشعبين بثقافة الآخر.

 ثانيا: الأتراك المقيمون في دول البلقان، فبعد قرون من الهجرة نشأ ارتباط وثيق بين المجتمع التركي وبين المجتمعات المسلمة التي تعيش في البلقان.

ثالثا: لدول البلقان أهمية جغرافية استراتيجية لتركيا، لأن أي مشكلات في هذه المنطقة تؤثر عليها سياسيًّا واقتصاديًّا، خاصة وأن التعاون الاقتصادي مع دول البلقان يزداد مع استقرارها.

رابعًا: يعد المواطنون الأتراك من ذوي الأصول البلقانية بمثابة جماعات ضغـط داخل تركيا.

خامسًا: دول البلقان تمثل ضمانًا يدعم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في المستقبل، ولذلك تظل تركيا تعمل لتحسين علاقاتها مع دول غرب البلقان.

ووفقًا للدراسة، تترجم تركيا اهتمامها بدول البلقان بشكل أساسي في البوسنة والهرسك، خاصة وأن الدوائر الأكثر تدينًا في تركيا تنظر إلى سراييفو على أنها «قدس أوروبا»، كما أنه يمكن اعتبار أن تركيا أصبحت المتحدث باسم البوسنة والهرسك في المحافل الدولية.

ويقول تقرير لوكالة الأناضول في نوفمبر 2018، بعنوان «المسلسلات تُشجّع البوسنيين على تعلّم التركيّة»، أن المسلسلات التركية تسهم في تشجيع سكان البوسنة والهرسك – وخاصة الشباب- على تعلّم لغتها، وهو ما ظهر من خلال زيادة الرغبة بالدراسة في قسم اللغة التركية وآدابها بجامعة سراييفو.

وعلى صعيد متصل، يزداد إقبال البوسنيين على دورات «معهد يونس إمره» الثقافي التركي، والتي ساهمت في تعليم اللغة التركية لحوالي 4 آلاف و618 طالبًا في عموم البوسنة والهرسك منذ انطلاقها في عام 2009، إضافة إلى وجود أكثر من 8 آلاف طالب مسجّلين في عموم المدارس الحكومية بالبوسنة والهرسك. 

وبيّنت أن المسلسلين التركيين هما بين الأعمال الأكثر مشاهدة ضمن قائمة قناة «حياة» التلفزيونية، وكذلك المسلسلات المعروضة على شاشة القنوات البوسنية الأخرى.

ووفقًا لتقرير صادر عن مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، نشر في 2017، تحت عنوان «النفوذ التركي في غرب البلقان والدور الروسي المساند» فإن تركيا تعد أحد أكبر المستثمرين في مجال تطوير البنية التحتية والزراعة والتجارة والسياحة في البوسنة والهرسك، إضافة إلى القطاع الثقافي أيضًا.

وتهدف تركيا من خلال سياساتها الخارجية تلك إلى توسيع نفوذها ودبلوماسيتها الاقتصادية في معظم دول إقليم غرب البلقان، وفقا للتقرير، فهل تنجح في مساعيها؟ أم تأتي رياح التقلبات السياسية بما لا تشتهيه سفن أنقرة المولية أشرعتها البرجماتية صوب غرب البلقان.

شارك