صوفية فلسطين.. بين الذِّكرِ والمقاومة المسلحة

السبت 29/سبتمبر/2018 - 08:46 ص
طباعة صوفية فلسطين.. بين عبدالهادي ربيع
 
عرفت فلسطين التصوف منذ قرون بعيدة؛ فقد دخلت الصوفية إليها في القرون الأولى من الإسلام، وذلك من خلال اتصال أحد شيوخ عائلة «القواسمي» الذين يقطنون بمدينة الخليل بأعلام التصوف في الكوفة والبصرة، ومنذ ذلك التاريخ انتشرت الصوفية في الأراضي الفلسطينية، ومازالت موجودة حتى الآن، بالرغم من انتشار الحركات الإسلامية والإصلاحية المختلفة والجماعات المسلحة.

وشهد حُكم الدولة العثمانية (التي كانت تتبنى المنهج الصوفي) العصر الذهبي للتصوف في فلسطين، حيث انتشرت الطرق الصوفية هناك، وساهمت على مدار تاريخها في مواجهة الاحتلال الإنجليزي ثم الإسرائيلي.

وفي العصر الحديث، وبدعم من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، تأسس المجلس اﻹسلامي الصوفي اﻷعلى في فلسطين عام 1996، ولكن هذا المجلس توقف لفترة بعد وفاة "عرفات"، قبل أن يُفتتح مرة أخرى، ووصل عدد الطرق الصوفية في فلسطين إلى 16 طريقة، أبرزها: الرفاعية والخلوتية والقادرية والشاذلية.

وتُنسب الطريقة الرفاعية، إلى الشيخ  أحمد بن علي الرفاعي (1118 - 1182م)، المُلقب بـ"أبو العلمين"، وهو  فقيه شافعي أشعري، وتنتشر الطريقة في العراق، ومصر، وسوريا، وغرب آسيا، وفلسطين، والشيخ نبهان بن عبدالله البابلي، هو شيخ الطريقة الرفاعية الحالي في فلسطين.

وينتشر أتباع الطريقة بكثرة في مدينة نابلس؛ حيث يُقيمون مجالس ذِكر صوفي يومي الخميس والإثنين من كل أسبوع، ومن أشهر الزوايا الرفاعية هناك زاوية «الخضر» التي تقع في حارة القيسارية بنابلس.

أما الطريقة الخلوتية، فتنسب إلى الشيخ حمد بن أحمد بن محمد كريم الدين الخلوتي، المُتوفَّى في مصر سنة 986 هجرية، وهو من أئمة الصوفية في خراسان في القرن العاشر الهجري، ولقب «الخلوتي» نسبة إلى الخلوة الصوفية.

وتعد هذه الطريقة واحدة من أشهر وأكثر الطرق الصوفية انتشارًا في فلسطين، وشيخ الطريقة الحالي الشيخ عبدالرؤوف القاسمي، الذي أنشأ الطريقة الخلوتية القاسمية الجامعة الرحمانية، بعد انشقاقه عن الطريقة الخلوتية الأم، وتنتشر في العديد من المدن الفلسطينية وأشهرها الخليل.

وفيما يتعلق بالطريقة القادرية، والتي تنسب إلى الشيخ عبدالقادر الجيلاني (1078-1166م)، فهي تُعد إحدى أقدم الطرق الصوفية المنتشرة في فلسطين، حيث نقلها إلى هناك الشيخ محمد البغدادي القادري الكيلاني (1909 – 1995م).

وكان «الكيلاني»، شيخًا للطريقة في القدس، وأيضًا شيخًا للمريدين في فلسطين عامة، ولم يخلف بعد وفاته أحدًا في الطريقة، وإنما أقام الشيخ أحمد النتشة مُقَدَّمًا بعده يرجع إليه أبناء الطريقة في عموم الأراضي الفلسطينية.

كما توجد للطريقة الشاذلية، التي تنسب إلى الشيخ أبي الحسن الشاذلي (1175 - 1258م)، عدة فروع في مختلف مدن فلسطينية، ومن أشهرها الطريقة المحمدية الشاذلية، وشيخ الطريقة الحالي أحمد بن منصور قرطام الحسيني، وتتمركز الطريقة في قطاع غزة، ولها موقع إلكتروني يسمى بـ«واحة آل البيت».

وهناك أيضًا فرع للطريقة يسمى بـ«الشاذلية اليشرطية»، وشيخها الشيخ أحمد اليشرطي، ويقيم في الأردن ويزور أتباعه ومريديه المتمركزين في زاويتها في  قطاع غزة، وكذلك تنشط في منطقة القرارة في خان يونس.

وفي قطاع غزة أيضًا يوجد فرع للطريقة الشاذلية يسمى بـ«العلاوية»، ولها زاوية باسمها في حي الزيتون، ومركز تعليمي تابع لها يُعرف بـ«أهل الله»، وكان شيخها وإمامها الشيخ مصطفى السعافين، الذي تُوفي في 3 سبتمبر عام 2017، وتولى المشيخة بعده ابنه الشيخ محمد الهادي مصطفى السعافين.

وتنتشر أيضًا في عدة مدن فلسطينية، الطريقة الأحمدية البدوية، التي تُنسب إلى الشيخ أحمد البدوي (1199 - 1276م)، وتقع زاويتها الرئيسية في حي الدرج بالبلدة القديمة في قطاع غزة، ويعد الشيخ عبدالرؤوف أبو حمدان (خليفة الشيخ محمد بن جابر الحسيني الأحمدي) شيخها في القطاع حاليًّا.

وفي الضفة الغربية، تنتشر الطريقة النقشبندية، التي تُعد من أشهر الطرق الصوفية في فلسطين، وتتبعها الزاوية النقشبندية في مدينة القدس، ويطلق عليها الزاوية الأزبكية أو البخارية، وقد تحولت إلى متحف تراثي ويقوم عليها حاليًّا الشيخ عبدالعزيز موسى البخاري، بعد أن أخذ البيعة من الشيخ ناظم الحقاني، المُتوفَّى عام 2014 في قبرص.

وتلقى الصوفية في فلسطين دعمًا حكوميًّا في الفترة الأخيرة، وأكبر دليل على ذلك إعادة فتح المجلس اﻹسلامي الصوفي اﻷعلى، الذي توقف بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات، وتتعامل الصوفية مع السلطة القائمة في المنطقة التي توجد فيها، بمنطق الدعم والتأييد في مقابل الدعم الذي تحصل عليه من السلطة.

وانعكس الانقسام السياسي بين الفصائل الفلسطينية بالتالي على الطرق الصوفية في فلسطين، وقد تجلى ذلك في أبعد وأخطر الأمور مثل التعامل مع الاحتلال الفلسطيني فتتبنى الصوفية الموقف الذي تتبناه الحكومة، وفي حال تبني إحدى الطرق نهجًا معارضًا فإنه يكون معارضة ناعمة لا تتعدى ذلك.

شارك